افتتاحية عدد قاسيون الخاص: السلطة مظنّة فساد

افتتاحية عدد قاسيون الخاص: السلطة مظنّة فساد

استعرضت «قاسيون» في افتتاحيتها الماضية، وبشكل مكثف، تصورها عن «كيف ننتصر في الحرب على الفقر؟»؛ واضعةً 6 نقاط برنامجية، لا يمكن القفز فوقها، في حال توفرت الإرادة الحقيقية لإنهاء الفقر في سورية. وهنا، نعالج جانباً جوهرياً في «الحرب على الفقر»؛ هو «الحرب على الفساد».

من التجربة المرة مع النظام السابق، يمكن استخلاص الأفكار التالية:

أولاً: ارتفاع الكلام الخطابي عن الحرب على الفساد والحرب على الفقر، ليس مؤشراً على أن تلك الحرب جارية بالفعل، بل ويمكن له أن يكون تغطية على تضخم الفساد والفقر وتغوّلهما.

ثانياً: محاولة تفسير الفساد كظاهرة أخلاقية أو روحية، سببها «سوء التربية» أو «الابتعاد عن الله»، هي إزاحةٌ للمسؤولية عن كاهل السلطات، وإلقاءٌ لها على كاهل المجتمع.

ثالثاً: الفساد بمعناه الاقتصادي-السياسي نوعان:

  • فساد كبير: يقوم به عدد صغير من المتنفذين في السلطة والمجتمع، ويقتطع ما يصل إلى 80% من إجمالي واردات الفساد.
  • فساد صغير: يشمل عشرات ومئات الألوف من الناس، ينتجه الأول ويحفزه بشكل مباشر ليبرر وجوده، وبشكل غير مباشر عبر انخفاض الأجور بشكل هائل عن الحد الأدنى لمستوى المعيشة.

رابعاً: الفساد ينمو في الظلمة وفي الغرف المغلقة، أي بغياب رقابة الناس واشتراكهم السياسي المباشر في إدارة شؤون البلاد وشؤونهم؛ ما يعني أنه كلما انخفض مستوى الحريات السياسية ومستوى العمل السياسي في البلاد، زاد الفساد وتعملق.

خامساً: السياسات الليبرالية اقتصادياً، التي اتبعها بشار الأسد من «انفتاح» و«اقتصاد حر» و«رفع للدعم» و«تدمير لدور الدولة الاجتماعي» و«خصخصة غير معلنة لقطاع الدولة» لعبت دوراً هائلاً في تعميق الفساد وتطويره من سرقة جزء من إنتاج القطاع العام (بحجة فساده)، إلى سرقة كل إنتاجه (بحجة أنه خاسر). كما أن هذه اللبرلة ترافقت مع رفع مستوى القمع، حتى قبل 2011، لأن النموذج الليبرالي في الاقتصاد في دول العالم الثالث، قد أثبت بالتجربة الملموسة لعشرات الشعوب والدول، أن قرينه الملازم له هو ارتفاع مستوى القمع، كنتيجة طبيعية لارتفاع مستويات الفقر والبطالة والتهميش.

الدروس أعلاه، والتي دفع السوريون ثمنها عذابات وفقراً وبطالة وتهميشاً، تسمح بصياغة النقاط الأساسية في برنامج حقيقي لمحاربة الفساد:

أولاً: ينبغي فتح نوافذ وأبواب السلطة لدخول أشعة الشمس المطهرة؛ وهذه الشمس ليست إلا رقابة الناس وعيونهم المفتوحة، عبر مشاركتهم السياسية الفاعلة في كل مستويات الحكم؛ ما يتطلب منطقاً جديداً مختلفاً في إدارة البلاد، منطق مختلف عن معزوفة «القيادة الحكيمة» التي تعرف كل شيء وتطبخ الاتفاقات والبرامج والهياكل وحدها، وبالسر، بينما ينتظر الناس الفرج!

ثانياً: الباب الأساسي للمشاركة الفعلية في الظرف الملموس، هو مؤتمر وطني عام شامل، ينتج حكومة وحدة وطنية ودستوراً دائماً يحكم فيه الشعب نفسه بنفسه، وانتخابات حرة ونزيهة يقرر فيها الشعب السوري مصيره بنفسه.

ثالثاً: بيع الأوهام المتعلقة بنموذج «الاقتصاد الحر»، وبعلاقات خارجية مع الغرب، يأتي من خلالها رجال أعمال ببدلات رسمية وبحقائب ملأى عن آخرها بالدولارات لينتشلوا السوريين من فقرهم، هي وصفة مثالية لنمو الفساد وتعمقه، وهي ذاتها التي استخدمها نظام الأسد من 2005 حتى 2011 وما بعده، وقادت إلى ما نعرفه جميعاً.

 

إن حرباً حقيقية على الفساد وعلى الفقر، تبدأ بالتعامل مع السلطة، أي سلطة، على أنها مظنّة فساد، وأن من يقوّم عملها هم أصحاب المصلحة في القضاء على الفقر وعلى الفساد، أي الفقراء أنفسهم... أي 90% من السوريين في حالتنا، وعبر مشاركة سياسية فاعلة يصونها دستور دائم وتعبر عن نفسها بانتخابات حرة ونزيهة، في ظل دولة ذات دور اجتماعي حقيقي في التعليم والصحة والإسكان وفي القطاعات السيادية المختلفة. 

8 حزيران 2025

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
0000
آخر تعديل على الأحد, 08 حزيران/يونيو 2025 23:33