ما الهدف من الاعتداء «الإسرائيلي» الأخير على الساحل السوري؟
شنت «إسرائيل» عدداً هائلاً من الغارات الجوية على سورية منذ لحظة سقوط الأسد يوم 8 كانون الأول الماضي، إضافة إلى التوغل براً في الجنوب السوري وصولاً إلى نقاط عديدة ضمن جبل الشيخ.
إذا حاولنا رسم الجدول الزمني للضربات التي شنها الكيان ضد سورية منذ 8 كانون الأول، يمكن أن يبدو بالشكل التالي:
8 كانون الأول: شنت «إسرائيل» عملية أسمتها «سهم باشان»، مستهدفةً أكثر من 480 موقعاً عسكرياً خلال 48 ساعة، بما في ذلك مخازن أسلحة وقواعد جوية ومنشآت بحرية، مما أدى إلى تدمير 70–80% من القدرات العسكرية السورية.
9 كانون الأول: استهدفت الغارات مواقع في درعا والسويداء، بالإضافة إلى مرفأ اللاذقية ومركز البحوث في برزة.
11 كانون الأول: تقدمت القوات «الإسرائيلية» بعمق نحو 25 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، مسيطرة على قمة جبل الشيخ وعدة بلدات في القنيطرة.
15 كانون الثاني: استهدفت غارة «إسرائيلية» قافلة تابعة للأمن العام في القنيطرة، مما أسفر عن استشهاد اثنين من عناصرها ورئيس بلدية محلي.
25 شباط: شنت «إسرائيل» موجة من الغارات على دمشق وجنوب سورية، بعد مطالبتها الحكومة السورية المؤقتة بنزع السلاح في مناطق القنيطرة ودرعا والسويداء.
10 آذار: نفذت «إسرائيل» غارات على أنظمة رادار ومواقع عسكرية في درعا، باستخدام 22 طائرة مقاتلة أسقطت أكثر من 60 قنبلة.
21 آذار: استهدفت الغارات مطار تدمر العسكري وقاعدة T4 في حمص، وتم ربط هذه الضربات إعلامياً بأنها جاءت لمنع تركيا من إقامة قواعد عسكرية لها ضمن المطارين. أدت الغارات إلى إصابة اثنين من أفراد الأمن السوري.
25 آذار: استشهد أربعة مدنيين في قرية كويا بريف درعا الغربي نتيجة غارة «إسرائيلية».
2 نيسان: 11 غارة جوية على دمشق وحماة.
3 نيسان: استهدفت الغارات مدينة درعا، مما أسفر عن استشهاد 11 شخصاً، كما ألقت الطائرات منشورات تحذر من وجود «مسلحين» في المنطقة.
30 نيسان: شنت غارة بطائرة مسيرة على أشرفية صحنايا، لم يكن هدفها تغيير أي شيء في مسار الحدث بالمعنى العسكري، ولكن تأجيج المعركة ودفعها نحو مزيد من الدماء السورية على الجانبين، وعلى أسس طائفية.
2 أيار: استهدفت الغارات محيط القصر الرئاسي في دمشق، بالإضافة إلى مواقع في اللاذقية وحماة ودرعا، مما أسفر عن استشهاد شخص وإصابة أربعة آخرين.
30 أيار: قصفت «إسرائيل» ما قالت: إنه منشآت تخزين صواريخ مضادة للسفن ومكونات صواريخ أرض-جو في اللاذقية وطرطوس، مما أدى إلى استشهاد مدني وإصابة ثلاثة آخرين.
استنتاجات عامة
قبل محاولة فهم الغرض من الاعتداء الأخير الذي جرى يوم الجمعة 30 أيار، وبدراسة الجدول السابق، من حيث توقيتاته وطبيعة الأهداف التي جرى ضربها، يمكننا تسجيل الاستنتاجات العامة التالية:
أولاً: الضربات ذات الأهداف العسكرية الفعلية انتهت يوم 11 كانون الأول مع تدمير ما يصل إلى 70-80% من إجمالي مقدرات وإمكانات الجيش السوري.
ثانياً: الأهداف الفعلية لكل الضربات اللاحقة تقريباً، ما بعد 11 كانون الأول، لم تكن عسكرية، بل سياسية يمكن تفسير كل منها ضمن السياق الزمني السياسي لشنها.
ثالثاً: بين أهداف الضربات التالية لـ11 كانون الأول، يمكن تسجيل خمسة أهداف أساسية:
1- محاولة رسم حدود حركة للسلطات الجديدة بالمعنى الجغرافي/العسكري/السياسي. 2- محاولة رسم حدود نفوذ لحركة القوى الإقليمية الأخرى ضمن سورية، خاصة تركيا. 3- محاولة تأجيج الفوالق الداخلية ضمن سورية، وإشعال الفتن ذات الأبعاد الطائفية والقومية، لتأمين حالة مستمرة من الفوضى وعدم الاستقرار.
4- العمل على تأريض وتخريب أي اتفاقات سورية داخلية تسمح بإعادة توحيد سورية بشكل كامل، عبر الإيحاء بالسيطرة الكاملة على مجريات الأمور من خلال ضربات موزعة على 13 محافظة سورية، أي تقريباً على كامل مساحة سورية.
5- تجهيز مسرح العمليات لاحتمال الانتقال إلى حربٍ نشطة على سورية، بوصفها مخرجاً من مأزق إنهاء الحرب على غزة.
رابعاً: حافظ الكيان على معدل ضربات ثابت بحيث لا يمر شهر تقريباً دون ضربة أو أكثر، الأمر الذي يمكن فهمه بوصفه محاولة متواصلة ليس للتدخل في الملف السوري فحسب، بل وللقول: إنه ليس مسموحاً أن يتم أي اتفاق بخصوص سورية، دون إصبع «إسرائيلية» ودون موافقة «إسرائيلية».
ماذا عن الهجوم الأخير؟
إضافة إلى كل الأهداف السابقة غير العسكرية التي أشرنا لها أعلاه، فإن السياق السياسي الزمني للاعتداء الأخير، هو سياق جديد نسبياً ومختلف عن كل ما سبق؛ فهذا الهجوم يأتي بعد لقاء الشرع مع ترامب، وبعد الإعلان عن رفع العقوبات الأمريكية وقسم مهم من العقوبات الأوروبية عن سورية، وبعد إقرار مسؤولين في السلطات السورية بأن مفاوضات غير مباشرة تجري مع الجانب «الإسرائيلي» لوقف اعتداءات الكيان على سورية، وبعد يوم واحد من زيارة المبعوث الأمريكي الخاص لدمشق وتصريحاته التي قال فيها: إن الصراع بين سورية و«إسرائيل» «قابل للحل»، وأنه يمكن البدء باتفاقية عدم اعتداء. وضمن السياق الزمني السياسي أيضاً، ينبغي لحظ التقدم المهم الذي جرى في التسوية التاريخية للقضية الكردية في تركيا، وتالياً في المنطقة ككل.
هذه الإحداثيات مجتمعةً، يمكنها أن تقدم تفسيراً للغايات «الإسرائيلية» من الهجوم الأخير، والتي كما نوهنا سابقاً، ليست غايات عسكرية بل سياسية.
ربما يمكن تلخيص الأمر بالتالي: الكيان ليس موافقاً على الاتجاه الذي تسير فيه الأمور في سورية، وفي المنطقة عموماً، وسيواصل محاولاته لتفجير سورية من الداخل بكل الوسائل الممكنة، بما فيها داعش، وبما فيها محاولات ضرب المجتمع السوري ببعضه بعضاً على أسس طائفية وقومية ودينية... وسيلة التصدي الأساسية للكيان لن تكون بإرضائه، فرضاه يعني تقسيم سورية ودمارها؛ وسيلة التصدي الأساسية هي توحيد السوريين، وتوحيد السوريين يتطلب مؤتمراً وطنياً عاماً، وحكومة وحدة وطنية شاملة، وحلماً يُوحد السوريين، ويعملون من أجله على أساس مواطنتهم المتساوية التي يتساوى فيها السوري مع السوري أمام القانون، وصولاً إلى إنفاذ حق السوريين في تقرير مصيرهم بأنفسهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1229