ما بين العمل السياسي وتطهير الذات…

ما بين العمل السياسي وتطهير الذات…

إن عدنا بالزمن إلى الشهور الأولى من عام 2011 نرى أن واحدة من أبرز المشكلات التي ظهرت على السطح تمثلت في أن عدداً كبيراً من القوى السياسية والناشطين الحقوقيين والسياسيين كانوا يرون واجبهم الأساسي ينحصر في إبداء الموقف حول كلِّ صغيرة وكبيرة، وما أن سيطر الحل الأمني على سلوك النظام وبدأ القمع والاعتقال والقتل يهيمن على المشهد اليومي، تحوّلت مواقف هؤلاء أيضاً إلى جزء من المشهد ذاته. واحتلت شخصيات معروفة شاشات التلفاز وكانت مهمتها الأساسية أن تكيل الشتائم إلى النظام، والشتائم فقط؛ مع أن جمهوراً عريضاً من السوريين كان يدرك أن المسؤولين عن الدماء السورية يستحقون هذه الشتائم لكنهم في الوقت نفسه كانوا يبحثون عن حل ومخرج لما هم فيه، وبدلاً من مشاهدة «حلبات الملاكمة» على التلفاز كانوا ينتظرون من «أبطال الشاشات» أن يطرحوا الحلول، لكن انتظارهم طال ولم يقدم هؤلاء «المحللون السياسيون» أي شيء!

نرى اليوم أن هناك محاولات لتكرار المشهد ذاته، ونسمع الشتائم ليل نهار كلٌّ من موقعه يصب حمم غضبه على الطرف الآخر، لكن السياسية كما نعرفها في «الإرادة الشعبية» تبدو شديدة الاختلاف عن مشهد 2011 ومشهد 2025 فنحن نرى أن مهمتنا كانت ولا تزال هي في توحيد السوريين وفي الدفاع عن مصالحهم، فإن كان مزاج السوريين متغيراً، فإن مصالح 90% منهم ثابتة لم تتغير منذ عقود، ولذلك المطلوب من القوى السياسية الحقيقية والشخصيات المؤثرة في المجتمع أن تضع خارطة طريق توحد السوريين حقاً وتجعل منهم كتلة صلبة بوجه كلّ من يعمل بالضد من مصالحهم أياً كان، وتسير معهم إلى بر الأمان، فاليوم وتحت وقع المشهد القاسي الذي نعيشه تميل القوى السياسية لحصر العمل السياسي بشكل من أشكال التطهير الذاتي وصكوك البراءة، كما لو أن المطلوب منهم هو النظر من أبراجهم العالية وغسل أجسادهم من «نجاسة الواقع» لكننا بحاجة لقوى سياسية تغوص في الوحل لتقاتل وتناضل لمنع تكرار مشهد الانقسام، والشارع اليوم جاهزٌ لملاقاة هذا النوع من القوى السياسية شرط أن يراها تسير إلى جانبه بدلاً من أن يراها تذرف من بعيد دموع التماسيح!

معلومات إضافية

العدد رقم:
0000