افتتاحية قاسيون 1221: جرعة الأمل!

افتتاحية قاسيون 1221: جرعة الأمل!

تثبت الاشتباكات التي خاضها أبطال سوريون في محافظة درعا ضد التوغل الصهيوني، وما رافقها وتلاها من تضامن وتعاطف وتكافل وتقدير من كل السوريين داخل البلاد وخارجها، أن القادر على حل مختلف المشكلات التي تعاني منها سورية، وعلى رأسها مواضيع السيادة، واللقمة، والكرامة، والسلم الأهلي، هو الشعب السوري نفسه؛ ليس فقط لأنه المعني الأول والأخير بحقه في تقرير مصيره بنفسه، بل ولأن التطبيق الفعلي لهذا الحق لا يمكن أن يحصل إلا بأيدي السوريين أنفسهم، وعبر اجتماعهم وحوارهم وتوافقهم وتعاونهم؛ فالحل لم يكن ولن يكون خارجياً، بل هو داخلي بالضرورة. وأيضاً فإن الحل لن يأتي بأيدي «سوبرمانات» وأبطال خارقين للعادة، بل بيد الشعب السوري المتحد بوصفه شعباً واحداً موحداً، يأخذ زمام أمره في يده، ويحل مختلف مشكلاته بتعاونه وتضامنه.

لو كانت لدى «الإسرائيلي» أدنى قناعة بأنه سيتم استقباله بالورود في أي بقعة من البلاد، لما تردد لحظة واحدة في الاستيلاء عليها. ولكنه يعلم بأن القسم الأعظم من السوريين ينتظر حماقةً من هذا النوع منذ عشرات السنين؛ ينتظر أن ينزل العدوان من السماء البعيدة عن منال يديه، وأن يتجاوز خط المواجهة الشكلية أو الفعلية مع الأنظمة، ليرى ويجرب ما تعنيه كرامة السوريين وسيادتهم على أرضهم بالملموس.

المثال الذي قدمه أبطال درعا، وشهداؤها الكرام، في المقاومة الشعبية المباشرة، ينطوي على معانٍ كبيرة وعظيمة، لا تقف عند حدود الدفاع عن السيادة الوطنية ضد العدو الخارجي، بل وتمتد إلى ما هو أعمق وأشمل...

المثال الدرعاوي يعني ضمناً: أن مختلف المشكلات التي يعيشها السوريون وتعيشها بلادهم، لها مدخل واحد للحل، هو أن يعتمد السوريون على أنفسهم، بوصفهم مجتمعاً نشيطاً فاعلاً، وبوصفهم شعباً متضامناً متآخياً بغض النظر عن التحريض الإجرامي والخياني باتجاه التقسيمات الطائفية والدينية والقومية، وباتجاه الكلام الفارغ عن أكثريات وأقليات على أسس طائفية ودينية وقومية.

المثال الدرعاوي، والتضامن الهائل في كل الشارع السوري، يحيي في قلوب السوريين وعقولهم مأثرة قادة الثورة السورية الكبرى عام 1925، والتي أسند فيها السوري كتفه إلى كتف أخيه السوري، متسامياً عن كل التقسيمات المقيتة التي لا تصب إلا في مصالح ناهبي قوت الشعب في الداخل، وناهبي قوته وكرامته في الخارج.

المجتمع السوري الذي ناضل طويلاً للخروج من الاستبداد والنهب والقمع والتسلط، وللحفاظ على وحدة بلاده، ما يزال حياً وقادراً رغم كل آلامه وجراحاته، وما يزال قادراً على الاستفادة بأفضل شكل ممكن من الأوضاع الدولية والإقليمية بما يخدم مصالحه ومصالح بلاده.

 

القناعة بقدرة الشعب السوري، والاستناد إليه والاستقواء به لا عليه، والاستقواء به كله وليس بقسم منه ضد قسم آخر، هي نقطة الانطلاق الوحيدة الصالحة التي على السلطات والقوى السياسية والاجتماعية المختلفة أن تنطلق منها. وهو ما يعني بالملموس، عقد مؤتمر وطني عام يكون باباً لحوار وتوافق حقيقي بين كل السوريين، والوصول إلى حكومة وحدة وطنية شاملة ووازنة وواسعة التمثيل، تكون أداة من أدوات السوريين في حل مشكلاتهم، وفي تقرير مصيرهم بأنفسهم، ليس فقط لأن هذا حقهم، بل ولأنهم الوحيدون القادرون على حفظ البلاد ووحدتها وسلمها الأهلي، ووضعها على طريق التعافي الحقيقي، عبر إعادة إقلاع الاقتصاد بالاستناد إلى سوق سورية واحدة، وإلى الإمكانات المحلية بالدرجة الأولى، بعيداً عن أوهام رفع العقوبات قريباً، أو أوهام المساعدات الخارجية التي لن تُسمن ولن تُغني من جوع...

النسخة الإنكليزية

معلومات إضافية

العدد رقم:
1221
آخر تعديل على الإثنين, 07 نيسان/أبريل 2025 13:21