دروسٌ من ذهب من «كويا» و«نوى»

دروسٌ من ذهب من «كويا» و«نوى»

شهد ريف محافظة درعا في الجنوب السوري خلال الأيام الماضية اشتباكين مباشرين بين قوات الاحتلال «الإسرائيلي» وبين شبان من أبناء المحافظة، خرجوا بأسلحتهم الفردية لصد محاولات التوغل الصهيوني باتجاه قراهم. الاشتباك الأول جرى في قرية كويا وعلى أطرافها، والثاني على أطراف نوى، وارتقى إثر الاشتباكين 9 شهداء إضافة إلى حوالي 23 مصاباً.

مرّ الحدثان دون الاهتمام الإعلامي الذي يستحقانه، بالضبط لأن الدروس التي يمكن استخلاصها منهما، هي دروس شديدة الأهمية لكل السوريين، ولسورية كبلد تقاتل للنهوض مجدداً وسط أخطار وأزمات تحيط بها من كل حدب وصوب.

لعل بين أهم هذه الدروس ما يلي:

أولاً: عبّر السوريون في كل مناطقهم، داخل البلاد وخارجها، عن حالة تعاطف وتضامن صادقة مع أبطال درعا في وقوفهم ضد الاحتلال، وأكثر من ذلك، فقد عبروا عن اعتزازهم بدفاع هؤلاء الأبطال عن كرامة البلد كله، وليس فقط عن كراماتهم الشخصية... هذا الشعور العام أسهم ويسهم في إفراغ محاولات الاحتلال لتقسيم السوريين من مضمونها؛ بل يمكن القول: إن دماءهم الطاهرة ستسهم إسهاماً ملموساً مباشراً في توحيد الشعب السوري مجدداً، وفي توحيد سورية نفسها كوحدة جغرافية سياسية، ليس على المستوى المادي الملموس فحسب، بل وعلى مستوى الهوية الوطنية التي تمت الإساءة إليها بشكل رهيب خلال عقود متتالية.

ثانياً: أثبت «الإسرائيلي» للمرة المليون، أنه معادٍ للشعب السوري ككل، ولسورية نفسها كدولة، وأن عداءه لنا هو عداء وجودي لا يتعلق بوجود أو عدم وجود الإيراني أو التركي أو غيره، ولا يتعلق بنظام ممانعة أو مساومة... الأمر الذي يعزز الحقيقة التاريخية القائلة: «إذا كان للأنظمة حساباتها وضروراتها، فإن للشعوب خياراتها»، وخيار الشعب السوري لم يحد في أي يوم من الأيام عن الكرامة والحق بالأرض المحتلة، وبالوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية بوصفها قضية داخلية بالنسبة له، وليست قضية خارجية بحال من الأحوال.

ثالثاً: لو كان لدى «الإسرائيلي» أدنى قناعة بأنه سيلقى استقبالاً بالورود في أي منطقة من سورية، بما في ذلك في أي منطقة من الجنوب السوري، لما تأخر لحظة واحدة عن بسط احتلاله المباشر في تلك المنطقة، لأن الواقع يقول: إن الدولة السورية كدولة بالمعنى العسكري، ليست قادرة- على الأقل ضمن الظرف الراهن- على الدخول في حرب تقليدية مع الكيان بآلته العسكرية الضخمة المدعومة غربياً. المانع الحقيقي في وجه الصهيوني مكون من عاملين، الأول: هو قناعته بأن أبناء البلد سيغرقونه في مستنقع يستنزفه فوق استنزافه القائم، لأن استنزاف هذا العدو لا يحتاج سلاحاً متطوراً بقدر ما يحتاج إرادة قتال ودفاع حقيقية، وهي موجودة بما يكفي ويزيد. العامل الثاني الذي يعيق الصهيوني عن التقدم بشكل إضافي في الأرض السورية، هو معرفته بالتوازنات الدولية القائمة، ومعرفته بأن الأمريكي نفسه (وفي إطار الانكفاء العام والاتفاقات التي يعقدها) غير مستعد لدعمه حتى النهاية في ملف خطر من هذا النوع، ناهيك عن تراكم الأزمات الداخلية لدى الكيان، والتي يعبر عنها أفضل تعبير استئنافه لعدوانه على غزة، بوصفه هرباً نحو الحرب وتمديدها وزيادة وحشيتها، شأنه في ذلك شأن كل أنماط الاستعمار تاريخياً، وخاصة الاستيطاني منه، في مراحله النهائية قبل زواله.

رابعاً: محق من يقول: إن سورية في حالة ضعف هائلة، ولكن هذا لا يعني أنها مشلولة القوة والإرادة، ولا يعني أن أعداءها في حال مستقر مرتاح مقتدر. الواقع يقول: إن حالة الضعف هذه يمكنها أن تكون مؤقتة، والسلاح الأمضى في تطويقها وإنهائها هي وحدة السوريين، والباب نحو وحدة السوريين هو استقواؤهم بأنفسهم لا بالخارج كما يفعل البعض من جهات مختلفة على الساحة السورية. الاقتناع بقوة الشعب السوري وبقدرته هو الترياق الشافي، وهذا يصنعه السوريون باجتماعهم وتعاونهم عبر التفاهم والتوافق فيما بينهم عبر مؤتمر وطني عام، وعبر حكومة وحدة وطنية وازنة وواسعة التمثيل تقود سفينتهم إلى بر الأمان...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1221