«البيئة الحاضنة» والطريق إلى جهنم...

«البيئة الحاضنة» والطريق إلى جهنم...

مع خروج الطلائع الأولى من المحتجين في سورية كانت وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية جاهزة لتخوينهم وتشويه صورتهم، ويذكر السوريين كيف حاولت الكاميرات التركيز على بعض الأصوات الناشزة في الحركة الناشئة وتعميمها، وكان الهدف حينها تشكيل صورة متماسكة عن أن من يخرج للتظاهر هم مجموعة من «الجهلة» لا يعرفون ماذا يريدون، وصوّرهم النظام على أنّهم زمرة من «المندسين» لتثبيت فكرة جوهرية بعدم انتماء المعارضين للنظام السوري السابق للنسيج السوري، وتحوّلت هذه السياسة إلى ركن أساسي في تمرير فكرة خطيرة أخرى سميّت في حينه «البيئة الحاضنة» وشمل هذا المصطلح كل المتعاطفين مع المعارضين ثم توسّعت لتشمل عائلاتهم ومناطق كاملة، وركّز إعلام السلطة على ضرورة ضرب «البيئة الحاضنة» كونها تساهم في دعم المعارضة التي جرى وسمها بـ «الإرهاب» وانشغلت الماكينة الإعلامية والسياسية المرتبطة بالسلطة لتبرير كل ما جرى رميه فوق رؤوس سكان هذه المناطق، وتبرير تجويع سكانها وحصارهم والتشكيك بهم على الحواجز وإبعادهم عن مؤسسات الدولة ما ساهم إلى حد كبير في قسم الشارع السوري، ودفع أبناء البلد الواحد لقتال بعضهم البعض.

 ارتبط مصطلح البيئة الحاضنة بذاكرة السوريين بحقبة دموية لن تنسى بسهولة، واليوم يظهر مجدداً عدد كبير من الأصوات التي عادت لتكرار أفكار مشابهة، فبعد الهجوم الذي شنّته عناصر إجرامية كانت مرتبطة بالنظام السابق على نقاط الأمن العام في الساحل، عدنا نسمع الأفكار ذاتها، وجرى تبرير فكرة «العقاب الجماعي» في لحظة شعر السوريون فيها أنّهم بحاجة إلى مشروع وطني جامع، لا يجري التميز بينهم على أساس انتماءاتهم المناطقية أو الطائفية ونحن اليوم أمام خطر تكرار الخطأ السابق ذاته، ودفع الناس إلى خاندقهم التقليدية ما يمكن أن يعمق الشرخ ويزيد من احتمال تكرار ما جرى في الساحل إلى كل المدن السورية بأشكال وذرائع مختلفة.

ما نحتاجه اليوم هو أن يشعر الجميع بانتمائهم إلى وطنٍ واحد وأن لهم الحق في هذا الوطن وأن يحصلوا على حياة كريمة كلّهم دون أي استثناء فغالبية السوريين اليوم يجاهدون ليل نهار لتأمين لقمة عيشهم وهم لذلك يستحقون حياة كريمة بعد عقودٍ من النهب رمت الملايين منهم في خيام اللجوء وعشوائيات غير صالحة للسكن في أطراف مدن قاسية تحوّلت أرصفتها إلى أسرّة للفقراء والمشردين.

يوم خرجت المظاهرة الأولى دمشق في سوق الحريقة صاح المحتشدون «حرمية ... حرمية ... حرمية» وقالوا بصوتٍ واحد «الشعب السوري ما بينذل» وكانوا حينها يدركون في قرارة أنفسهم أن صرختهم هذه تعبّر عن 90% من المنهوبين الفقراء، وما تعلمناه في السنوات الماضية هو أن «الحرمية» ليسوا من طائفة واحدة، ولم يكونوا من مدينة واحدة، وهؤلاء «الحرمية» الذين أذلوا الشعب السوري ناموا قريري العين بعد أن نجحوا في تفريقنا نحن أبناء هذا البلد، وراقبونا مرتاحين من قصورهم العالية غارقين في بحارٍ من الدماء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
0000
آخر تعديل على الخميس, 27 آذار/مارس 2025 16:09