ما الذي يقوله إعلام الكيان حول  الغاز

ما الذي يقوله إعلام الكيان حول الغاز

تم الإعلان مؤخراً عن خطط ستزود قطر بموجبها الدولة السورية بالغاز الطبيعي عبر الأردن، ولم يتبيّن حتى الآن الطريق الذي سيسلكه الغاز أو مصدره، ولكن التكهنات تقول بأن ذلك سيكون من خلال البنية التحتية لما يسمى بـ «خط الغاز العربي»، وخاصة أن هذا الإعلان قد أتى في إطار موافقة أمريكية بموجب الترخيص العام رقم 24 والذي يسمح ببعض الإعفاءات من العقوبات.

ومن المثير للاهتمام، أنه لم يتم التطرق إلى «خط الغاز العربي» منذ أكثر من سنتين، وفجأة عاد إلى الواجهة في النصف الثاني من شهر كانون الأول 2024، بشكل غير مباشر، عندما وافق وزير الطاقة «الإسرائيلي» على إنشاء خط أنابيب الغاز الجديد إلى مصر، ووفق مقالة نشرتها آنذاك صحيفة «إسرائيل هيوم»، قال الوزير المذكور: إن «إنشاء الخط الجديد سيسمح لنا بتوسيع صادرات الغاز إلى مصر، وتعزيز مكانتنا في المنطقة، ويؤدي إلى زيادة إيرادات الدولة وخفض الأسعار لصالح جميع المواطنين الإسرائيليين».

أما الحديث عن تزويد قطر لسورية بالغاز فهو ليس بالجديد، وهو الأمر الذي بدأ يتصاعد بشكل كبير بعد سقوط السلطة السابقة وحتى فترة قريبة، ولكن الحديث عنه كان مختلفاً؛ حيث كان يجري الحديث في حينه ضمن سياق مشروع قطري-تركي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن إحدى العقبات الأساسية أمامه، كانت العقوبات التي تفرضها أمريكا على سورية. وعلى الرغم من أن الترخيص العام المذكور أعلاه، يسمح بإعفاءات مرتبطة بقطاع الطاقة، إلا أن طبيعة العقوبات الأمريكية والتراخيص العامة التي تصدر عن وزارة الخزانة، تتم صياغتها بطريقة تسمح لواشنطن بأن تضع استثناءات على الاستثناءات.

في هذه المادة نسلط الضوء على ما ورد في بعض الجهات الإعلامية ومراكز الأبحاث «الإسرائيلية» ومقاربتها للموضوع في بدايات هذا العام، ولاحقاً بعد الإعلان الذي جاء قبل حوالي عشرة أيام. ونشير أيضاً إلى مادة جرى نشرها على موقع قاسيون قبل أيام بعنوان «ما الذي يقوله الإعلام حول حقيقة إرسال غاز (قطري) إلى سورية؟»، وتضمنت عرضاً وترجمة لمقالين، الأول: نقلاً عن موقع الطاقة نت. والثاني: عن معهد واشنطن، وعنوان هذا المقال الثاني كان كالتالي: «هل هنالك حل إسرائيلي لأزمة الكهرباء في سورية؟».

الغاز «القطري» وسورية، في إعلام الكيان

نشر «مركز بيجن- السادات للدراسات الاستراتيجية» مقالة في 13 كانون الثاني بعنوان «لعبة خط الأنابيب السوري: كيف تؤثر خطط تركيا لبناء ممرات طاقة جديدة في سورية على طموحات إسرائيل الإقليمية»، وتركز المقالة على «الخطط التركية لمد أنابيب النفط والغاز في سورية. وبعض هذه الخطط يتحدى رغبة إسرائيل في أن تصبح جسراً رئيساً لنقل البضائع إلى أوروبا، إذ توفر لدول الخليج طريقاً بديلاً عبر سورية وتركيا... لذا، ينبغي على إسرائيل مراقبة «لعبة الأنابيب» الجديدة في سورية حتى لا تفوتها تماماً الفرص الاقتصادية الجديدة في المنطقة».

ويقول الكاتب: إن «انهيار نظام الأسد في كانون الأول 2024 أدى لإعادة طرح عدد من المشاريع المهمة لربط الطاقة بين دول المنطقة، والتي تم التخلي عنها سابقاً بسبب الحرب الأهلية المستمرة في سورية. وفي حين أن بعض هذه المشاريع قد تقوض مصلحة إسرائيل في أن تصبح «جسراً للطاقة» بين الشرق الأوسط وأوروبا، فإن بعضها لديه القدرة على فتح أسواق جديدة لإسرائيل لبيع الغاز الطبيعي، ونقل الوقود والكهرباء إلى دول المنطقة». وتنظر المقالة في «ثلاثة مشاريع لا تزال في مراحلها الأولى...: (1) مشروع بناء خط أنابيب غاز بين قطر وتركيا عبر سورية، (2) ربط تركيا بخط الغاز العربي عبر قسمها في سورية، (3) بناء خطوط أنابيب نفط دائمة إلى سورية لتحل محل شحنات الوقود التي توقفت من إيران».

وبحسب المقالة، فإن المشروع الأول يمر في المنطقة الشرقية من الأردن وفي سورية بعيداً عن الحدود مع الكيان، أي أنه غير مربوط بالبنى التحتية القائمة، وبالتحديد تلك المرتبطة بما يسمى بـ «خط الغاز العربي»، وهذا يعني إنشاء خطوط جديدة، على الأقل في الجزء منه الذي يقع داخل سورية، وهنا ينوه الكاتب بأنه «عموماً، لا تستثمر الدول مليارات الدولارات في بناء خط أنابيب غاز عابر للحدود إذا لم تكن متأكدة من استقرار دولة العبور وموثوقيتها لعقدٍ من الزمن على الأقل، لتعويض تكلفة خط الأنابيب، ومن عدم وجود خطر من ابتزازها بتكاليف نقل أعلى. وهذا مهم بشكل خاص في المناطق التي من المفترض أن يمر بها خط الأنابيب، والتي لا يزال بعضها عرضة لهجمات داعش والتنظيمات المماثلة، وبالتالي يتطلب تكاليف أمنية باهظة». ويضيف: «بالنسبة لإسرائيل، قد يُقوّض ربط تركيا وقطر في مجال الطاقة حول سورية فكرة إنشاء ممر بري بين دول الخليج وإسرائيل، والمعروف أيضاً باسم ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC). إذا تم بناء هذا الخط بنجاح، فسيكون من الأسهل إضافة بنى تحتية إضافية على طول المسار نفسه... في هذه الحالة، سيكون من الأسهل على الإمارات العربية المتحدة الارتباط بالمسار الجديد، وتصدير الغاز الجاف وسلع أخرى إلى تركيا وأوروبا، بدلاً من إنشاء ممر بنية تحتية جديد عبر الأردن «وإسرائيل» للوصول إلى شرق البحر الأبيض المتوسط... ويجب على «إسرائيل» أن تفهم أن استمرار الحرب وتأخير التطبيع مع السعودية قد يصل إلى حد تجاوز الفرص الاقتصادية الإقليمية لها تماماً».

1219e

ويقول الكاتب في نهاية المقال: «يبدو أن إسرائيل لم تتخذ قراراً واضحاً بعد بشأن طبيعة علاقاتها مع النظام الجديد في سورية في هذه المرحلة... ومع ذلك، فيما يتعلق بالإمكانيات الكامنة في اتفاقية التطبيع بين إسرائيل وسورية، يمكننا الحديث عن فتح ممرات طاقة جديدة، وفرص اقتصادية كبيرة لإسرائيل، سواء من خلال صادرات الغاز الطبيعي، أو المساعدة في إمدادات النفط، أو بناء توربينات رياح مشتركة في مرتفعات الجولان، وغيرها. إذا تأخرت إسرائيل في الاستجابة للتطورات العديدة المحيطة ببناء البنية التحتية للطاقة في سورية، وخاصة من الجانب التركي، فقد تفقد فرصة اقتصادية وسياسية قيّمة لتصبح جزءاً لا يتجزأ من ممر طاقة جديد في المنطقة».

نشرت صحيفة «إسرائيل هيوم» في 15 كانون الثاني من هذا العام مقالة بعنوان «هل ينبغي لإسرائيل أن تقلق؟ الخطوة التي قد تجلب لأردوغان مئات المليارات»، والتي ورد فيها أن «تركيا تعمل على الترويج لبناء خط غاز من الخليج إلى أوروبا عبر سورية، وهو خط من المفترض أن يجلب لها ولقطر على وجه الخصوص مئات المليارات من الدولارات». وتضيف: «جزء من هذا الخط موجود بالفعل على طول الطريق بين مصر والأردن والحدود السورية. ومن اللافت للنظر أن هذا الخط متصل أيضاً بإسرائيل عبر خط يُسمى «خط الأنابيب الشرقي»، والذي ينقل الغاز من حقل ليفياثان إلى محطات توليد الطاقة الأردنية». وتوضح المقالة، أنه «من المفترض أن يُلبي جزء من الغاز جزءاً على الأقل من احتياجات الطاقة للدول الواقعة على طول الطريق، وهي الأردن وسورية ولبنان. وقد اعتمدت الدولتان الأخيرتان حتى الآن على واردات النفط الإيراني، والتي توقفت الآن بشكل شبه كامل. ومن الشركاء المحتملين الآخرين في المشروع الصين، التي تتمثل سياستها في المشاركة في مثل هذه المشاريع الضخمة في أنحاء العالم جميعها، بما في ذلك الشرق الأوسط». أما فيما يتعلق بالتأثير على الكيان، فإن «هذا المشروع، في حال تنفيذه، يُمثل مشكلةً «لإسرائيل»، إذ سيُقلل من جاذبيتها على طريق الطاقة والبضائع من الخليج والشرق إلى أوروبا. وقد تُركز الإمارات والسعودية، في حال مشاركتهما في المشروع، نشاطهما التجاري هناك بدلاً من إسرائيل. ليس من الواضح كيف ستتفاعل الولايات المتحدة في عهد ترامب مع بناء خط الأنابيب هذا، لكن السياسة الناشئة للإدارة الجديدة/القديمة تتمثل في زيادة صادرات الغاز الأمريكية إلى أوروبا، وقد يُضرّ خط الأنابيب الجديد بهذه السياسة. إضافةً إلى ذلك، لا تُبدي قطر حالياً تسامحاً كبيراً مع ترامب ومن حوله، نظراً لدعمها للإرهاب وجماعة الإخوان المسلمين، مما يُقوّض الاستقرار في الشرق الأوسط».

نشرت صحيفة «معاريف» في 5 شباط الماضي مقالة بعنوان «نتنياهو وترامب، انتبهوا: صفقة تركيا وقطر بشأن سوريا مكشوفة»، ينبه كاتب المقالة فيها من توسع المشروع التركي-القطري في المنطقة، وبالتحديد في سورية، لأنه يعتبره «المشروع السنّي المتطرف»، مقابل «السنّي المعتدل» والمناسب أكثر للكيان، حيث إن الأخير يشمل الدول التي طبّعت مع الكيان. ويتكلم الكاتب حول «مشاريع تركيا التوسعية في المنطقة ومحاولة إعادة إحياء الدولة العثمانية»، ويضيف، أنه «من المرجح جداً أن تتضمن خطط أردوغان أيضاً إحياء الحلم التركي وتحويل تركيا إلى مركز لتسويق الغاز إلى أوروبا، حيث إن ألمانيا وقّعت بالفعل اتفاقية لتوريد الغاز الطبيعي المسال من قطر؛ سيمر خط أنابيب الغاز من قطر، عبر الأراضي السورية إلى تركيا». ويوجه الكاتب رسالة إلى ترامب، يقول فيها: «هناك نقطة مهمة يجب أن تلفت انتباه ترامب – وهي أن الطريق البري الجديد الذي سيتم إنشاؤه، من المفترض أن يتنافس مع رؤية المفوض الاقتصادي الأمريكي– الطريق البري من الشرق عبر الإمارات والمملكة العربية السعودية، إلى إسرائيل ومن هناك إلى أوروبا».

1219-40

ويضيف الكاتب: «بما أن إعادة إعمار سورية من المرجح أن تتم في الأحوال كلها، فيبدو من الصواب أن يتضمن الترتيب الإقليمي الجديد «خطة مارشال» إقليمية شاملة (خطة إعادة إعمار)، مع التركيز على سورية، وبشكل خاص تسخير المملكة العربية السعودية وجيوبها الكبيرة في هذه القضية... ومن المثير للدهشة، أن تنفيذ خطة مارشال تحت القيادة الإسرائيلية هو الذي سيحول الأراضي كلها المتنازع عليها عسكرياً مع إسرائيل إلى قاعدة للتعاون، وسيؤدي في الواقع إلى إقامة تحالف إقليمي ودولي، مع استغلال المصلحة المشتركة لجميع اللاعبين– إعادة الإعمار». ويخلص إلى أن الأمر «لا يزال ممكناً في هذه المرحلة. بينما في مراحل لاحقة، سيُصعّب ذلك على الولايات المتحدة، وبالتأكيد على إسرائيل، قيادة تطبيق مبادئ نظام شرق أوسطي جديد، ومن المرجح أن تُضطر إسرائيل إلى مواجهة تحدٍّ عسكري سيُشكّله الأتراك لها، على الأقل في المناطق الاقتصادية الخالصة، وربما أيضاً على الحدود السورية».

نشر موقع «The Marker» في 19 آذار الجاري مقالة بعنوان، «عجائب الشرق الأوسط: قد يتدفق الغاز الإسرائيلي إلى سورية»، وتقول المقالة إن قطر «تعتزم تزويد النظام الجديد في سورية بالغاز عبر الأردن... وبسبب هيكل خط الأنابيب في الأردن، سيتم تحويل الغاز القطري إلى مصر– والغاز الذي سيصل إلى سورية سيأتي فعلياً من إسرائيل... وإمدادات الغاز حصلت على موافقة البيت الأبيض». ويضيف: «ظاهرياً، من المفترض أن يصل الغاز عن طريق السفن إلى ميناء العقبة في الأردن في شكل سائل(LNG) مما يقلل من حجمه بمقدار 600 مرة. ومن هناك، من المخطط أن يتدفق شمالاً عبر خط أنابيب الغاز العربي... من الناحية العملية، فإن مثل هذا التدفق للغاز غير ممكن لأنه على طول معظم خطوط الأنابيب الأردنية يكون التدفق في اتجاه واحد، فقط من الشمال إلى الجنوب... من ناحية أخرى، فقط في شمال الأردن يمكن لخط الأنابيب أن يحقق تدفقاً نحو الشمال، إلى سورية. لدى إسرائيل نقطة اتصال بخط الأنابيب الأردني في هذه المنطقة، بالقرب من بيت شان، ومن المتوقع أن يأتي الغاز الذي يتدفق إلى سورية من إسرائيل. السفن التي ترسو في العقبة سيتدفق الغاز منها إلى مصر». وينقل الكاتب عن أحد المصادر أن «الغاز هو غاز إسرائيلي من حقل ليفياثان، والذي سيتم تدفقه إلى سورية عبر خط الأنابيب العربي عبر الأردن في صفقة دائرية، بحيث يتم اعتباره «غاز أردني». في وقت لاحق، سيتم ضخ الغاز أيضاً إلى محطة توليد الكهرباء في طرابلس في شمال لبنان، حيث يصل خط الأنابيب عبر فرع حمص». ويشرح الكاتب كيف إنه، حتى لو كان هناك مصدر للغاز من قطر متجه إلى سورية، إلا أن عملية النقل تضعه في الأنابيب ذاتها التي تنقل الغاز الآتي من «إسرائيل» ويضيف، «الجزيئات لا تعلق عليها العلم الإسرائيلي». ووفق المقالة، «قالت وزارة الطاقة: إن «اتفاقيات التصدير من خزان ليفياثان المعتمدة من وزارة الطاقة والبنية التحتية هي لبيع الغاز الطبيعي للعملاء في الأردن ومصر فقط»».

نشر موقع «زمان إسرائيل» نشرة إخبارية في 22 آذار الجاري، بعنوان «الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعيدان تنشيط سورية»، ونوهت النشرة إلى أنه «في 13 آذار، أكد مسؤول في الإدارة الأمريكية موافقة واشنطن على صفقة تُزوّد ​​قطر بموجبها سورية بالغاز الطبيعي، على أن يُنقل الغاز عبر الأردن. وستسمح هذه الصفقة... بتدفق الغاز الطبيعي من الأراضي الأردنية إلى محطة دير علي لتوليد الكهرباء في دمشق». وأضافت أن هذه الصفقة «أُقرّت بموجب الترخيص العام الأمريكي رقم 24... ولولا هذه الموافقة، لكانت العقوبات الأمريكية قد حالت دون إتمام معظم الصفقات، إذ لا تزال هيئة تحرير الشام ورئيسها المؤقت، أحمد الشرع، مدرجين على قوائم الإرهاب الأمريكية والدولية».

خلاصات أولية

أولاً: توحي قراءة المقالات والدراسات التي اقتبسنا منها هنا، إضافة لمقالات عديدة أخرى راجعناها، أن الكيان يولي اهتماماً كبيراً لموضوع خطوط الطاقة والمشاريع المختلفة المتعلقة به. ولكن ما يظهر دائماً هو أن هذا الاهتمام ينصرف في نهاية المطاف للمشاريع السياسية الكبرى التي يمكن أن ترتبط بهذه الخطوط بشكلٍ مباشر، أو حتى بالترويج لبعضها، وإنْ لم تكن ذات استدامة مضمونة أو جدوى اقتصادية حقيقية.

ثانياً: الهاجس المشترك بين هذه المقالات كلها، هو أن يجري استثناء الكيان من المنظومة الإقليمية الجديدة؛ حيث يتم توزيع الخوف تارةً باتجاه تركيا، وأخرى باتجاه دول الخليج العربي، وثالثة باتجاه روسيا والصين، بل وحتى باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، التي تشير عدد من التحليلات «الإسرائيلية»، أنها مرشحة تحت قيادة ترامب أن تقطع حبل السرة مع الكيان ضمن تفاهماتها العالمية الجديدة.

ثالثاً: تسمح هذه الهواجس والمخاوف، بإبراز التناقض الهائل بين الصورة التي يجري تقديمها إعلامياً عن «مشروع شرق أوسط جديد يجري تحقيقه على قدم وساق»، ويفترض أن تكون «إسرائيل» المركز المتحكم والمهيمن الذي تخضع له ليس سورية فحسب، بل وأيضاً مصر والأردن وتركيا ودول الخليج العربي مجتمعة، وبين الحقائق التي تقول: إن الدور الوظيفي للكيان بدأ بالتلاشي السريع، وأن أحلام الهيمنة لم تعد قائمة بشكلٍ فعلي إلا كشكل من الوسواس القهري ضمن «النخب الصهيونية» التي تتلقى الضربات المتلاحقة في الولايات المتحدة نفسها، وفي أوكرانيا وفي فلسطين وفي أنحاء العالم المختلفة، على المستوى المالي والسياسي والثقافي.

رابعاً: بما يخصنا بشكلٍ مباشر في سورية، فإن لعبة العقوبات وإعادة الإعمار، هي التجسيد الحالي لسياسة العصا والجزرة، والتي لا تتعلق بسياسة ما مطلوبة من السلطات الجديدة بسورية، بقدر ما تتعلق بتموضع محدد لسورية، وبالأحرى بوضع محدد لسورية يمكن تلخيصه بكلمتين: الخراب والتقسيم كمفتاح لا بد منه لإعادة إحياء المشروع الذي مات عملياً والمسمى «الشرق الأوسط الجديد».

خامساً: ضمن هذا التصور، فإن الولايات المتحدة ومعها الكيان، يسعيان لتمديد حالة «المستنقع» في سورية، مع معرفتهما بأن الأوضاع شديدة الخطورة في الداخل السوري، وأن التلكؤ في الاتجاه نحو قرارات جريئة وحلول جذرية سيفتح أبواب الخراب في سورية من جديد. لذلك بالضبط، تجري عملية تنفيس جزئي عبر الفتات (400 ميغا واط كهرباء لا تسمن ولا تغني من جوع)، وعبر وعود بالمزيد (لاحقاً)، وعبر محاولة إيهام السلطات في سورية بأن رفع العقوبات الأمريكية أمر ممكن في وقت ما في المستقبل، بالضبط من أجل محاولة التحكم بسلوك السلطات، وقطع الطريق على بناء علاقات دولية متوازنة بما في ذلك مع تركيا وروسيا والصين وغيرها من الدول، التي من مصلحتها تأمين مخارج لسورية على المستوى الاقتصادي، لتأمين استقرار يكون القاعدة الأساسية لمشاريعها الجيوسياسية الكبرى (الحزام والطريق) و(المشروع الأوراسي).

أخيراً: تسمح هذه القراءة بالاستنتاج بأن قطع الرجاء سريعاً من رفع العقوبات الغربية، ومن المكرمات الغربية، هو طريق إلزامي لتوحيد البلاد، وضمان سلمها الأهلي، وضمان إعادة إقلاع اقتصادها، الأمر الذي يتطلب صلابة وتلاحماً داخلياً ضمن المجتمع السوري لتحييد محاولات التخريب «الإسرائيلية»، وهذا التلاحم له طريق واحد، هو المشاركة السياسية الواسعة والحوار الوطني الحقيقي، وصولاً لمؤتمر وطني عام يعيد تشكيل المشهد بطريقة تدمج السوريين كلهم، وتقدم لهم حُلماً مشتركاً يتحدون في تحقيقه...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1219