افتتاحية قاسيون 1218: ناقوس خطرٍ جديد!

افتتاحية قاسيون 1218: ناقوس خطرٍ جديد!

أصدر حزب الإرادة الشعبية يوم الجمعة 14 آذار بياناً وضح فيه موقفه من الإعلان الدستوري. يتلخص جوهر هذا الموقف بأن الإعلان «جاء مخيباً للآمال، وأقل من أن يكون أساساً صالحاً لانتقال سلسٍ يحمي وحدة البلاد وأهلها ويغلق الباب على التدخلات الخارجية بمختلف أشكالها».

ركز البيان على ثلاث نقاط أساسية ضمن الإعلان «لا ترتقي برأينا لمتطلبات وخطورة المرحلة التي تعيشها البلاد»، وهي باختصار:

أولاً: تحديد الفترة الانتقالية بخمس سنوات، وترك البلاد كل هذه الفترة دون دستور دائم ينتج عن مؤتمر وطني عام حقيقي وواسع التمثيل، يكرّس المخاطر التي تعيشها الوحدة الوطنية للبلاد، ويرفع من مخاطر التدخل الخارجي بأشكاله المختلفة، ويعرقل ويصعّب رفع العقوبات.

ثانياً: تغيب عن الإعلان الدستوري بأكمله، من حيث الشكل ومن حيث الموضوع، الفكرة الأثمن والأكثر أساسية القائلة بحكم الشعب بالشعب ومن أجل الشعب.

ثالثاً: مع أهمية مركزة السلطات ضمن مرحلة خطيرة كالتي نعيشها، إلا أن المركزة تصبح هشة وضعيفة بالمعنى العملي حين لا تقوم على التوافق العام بين السوريين، وحين تقوم على الاستئثار وحيازة السلطة التنفيذية، ومقام الرئاسة ضمناً، لصلاحيات تمتد للسيطرة على السلطات الثلاث بشكلٍ كامل، ضمن تكرارٍ للدستور السابق الذي يكرس الهيمنة على مختلف السلطات.

وهذه الملاحظات تشمل الأمور الأكثر أساسية فقط، ولا تتعرض لتفاصيل كثيرة مليئة بالمشكلات، بما في ذلك الاستعجال وقلة الخبرة التي أوقعت كاتبيه في خطأ مخجل يجعل من عرض المستطيل (في مادة العَلَم) أكبر من طوله!

التطورات التي وازت إصدار الإعلان الدستوري، والتي تلته بشكلٍ خاص، تقرع ناقوس خطرٍ جدي أمام احتمالات عودة التدخلات الخارجية بصورة أشد وأكبر. وينبغي في هذا السياق أن نقرأ بشكلٍ جيد ما جاء في البيان الصادر عن مجلس الأمن الدولي والذي تمت صياغته وتقديمه بشكل مشترك من الروس والأمريكان، وأيضاً ينبغي أن نقرأ جيداً كلام بيدرسن بعد الجلسة المغلقة لمجلس الأمن، والذي قال فيه: «لقد حان الوقت لاتخاذ خطواتٍ جريئة لإنشاء حكومة انتقالية ومجلس تشريعي شاملين ولهما مصداقية؛ ووضع إطار وعملية دستورية لصياغة دستور جديد للمدى الطويل ذو مصداقية وشامل أيضاً؛ وعدالة انتقالية حقيقية. وتُبدي الأمم المتحدة استعدادها للعمل على هذه الجوانب وجميع جوانب الانتقال السياسي الأخرى بالتعاون مع سلطات تصريف الأعمال وجميع السوريين وفقاً للمبادئ الرئيسة لقرار مجلس الأمن 2254 (2015)».

إن منع التدخلات الخارجية السلبية، ما يزال أمراً متاحاً، ولكن ضمن نافذة زمنية غير كبيرة، الأمر الذي يتطلب الإسراع بخطوات عملية نحو:

أولاً: اعتبار الإعلان الدستوري الذي جرى إطلاقه، اختباراً لم يقيض له النجاح، وبالتالي سحبه وإعادة النظر في كيفية صياغته على أساس مشاورات حقيقية واسعة يشترك فيها السوريون بكل أطيافهم ومكوناتهم السياسية والاجتماعية.

ثانياً: الذهاب نحو المؤتمر الوطني العام الذي يحتضن حواراً سورياً-سورياً حقيقياً لا شكلياً، يؤسس للدستور الدائم ولانتقال سلس وآمن نحو بر الأمان، عبر إنفاذ حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه.

ثالثاً: تشكيل حكومة وحدة وطنية وازنة وواسعة التمثيل، يشعر كل سوري بأنه ممثل عبرها.

إنّ توحيد الداخل السوري هو البوابة الأساسية لوقف التدخلات الخارجية، وهو ما يتطلب تجميع الشعب السوري حول حلمٍ مشترك وحول رؤية مشتركة، وهو ما لا يمكن أن يتم بالعصا؛ فالعصا حين يتم رفعها في الداخل تضعف حاملها ومتلقيها في آن معاً، وتشرّع الأبواب للتدخل الخارجي! توحيد الداخل يتم بالحوار السوري-السوري الحقيقي لا الشكلي، وبنبذ الطائفية وبمحاسبة المجرمين والفاسدين الكبار، وصولاً لتحقيق طمأنينة حقيقية لدى كل السوريين، بحيث يشعرون بأنهم مساهمون فعليون في بناء بلدهم والدفاع عنها، وبأنهم جميعهم مواطنون من الدرجة الأولى، ولا تمييز بينهم.

ناقوس خطرٍ جديد يجري قرعه، وعلينا أن نسمعه جيداً، وأن نتحرك في الإطار الوطني الداخلي للتعامل معه، وهذه مسؤولية كبرى بالمعنى الوطني والتاريخي، ستتم مساءلتنا جميعاً عنها، سواء كأفراد أو كقوى سياسية، أو كسلطة قائمة...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1218
آخر تعديل على الأحد, 16 آذار/مارس 2025 20:18