علينا أن نتوقع غير المتوقع...
قبل أربعة أشهر من الآن، كان جزء كبير من السوريين قد شارف على اليأس التام من إزاحة سلطة الأسد. وكان الإعلام يتحدث عن انتهاء حقبة الاحتجاج في سورية التي عادت للجامعة العربية وبدأت الوفود الأوروبية والغربية بزيارتها... وفجأة يحدث ما لم يكن بالحسبان، وتسقط السلطة ويفر بشار الأسد ليلاً كما اللصوص، حاملاً ما استطاع من مسروقات.
قبل أربعة أشهر أيضاً، كان الإعلام يطبل لنصر ساحق للكيان على غزة وأهلها ومقاومتها، واليوم يمضي مرغماً نحو تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى، بل وتخوض الولايات المتحدة مباحثات مباشرة مع حماس ودون تشاور مع الكيان الذي جن جنونه بسببها، ووصل الأمر بمسؤول أمريكي من الصف الثاني للقول إن أمريكا تفعل ما يصب بصالحها و«لسنا عملاءَ لإسرائيل»! في الحرب الأوكرانية، وبعد سنوات من التطبيل والتزمير لانهيار الروس، يجري إخراج الأوروبيين من طاولة المفاوضات والسير نحو اتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا ينهي الحرب بل ويرفع العقوبات عن روسيا. وبعد سنوات من الضغط على الصين بمسألة تايوان، والحرب التجارية، والعقوبات، تواصل صعودها اقتصادياً وسياسياً، بما في ذلك وصولها للعب دور وسيط في أكثر اتفاقٍ مفاجئ في منطقتنا، بين السعودية وإيران. وهو الاتفاق الذي جرى بالتوازي مع تحسن العلاقات بين تركيا ودول الخليج العربي ومصر، ما قطع الطريق على الفكرة «الإسرائيلية» عن «الناتو العربي»، وأضعف «اتفاقات أبراهام» التي جاء 7 أكتوبر فقضى عليها عملياً. كل هذه الأحداث كانت لتبدو خيالات مجنونةً قبل بضع سنوات، ولكنها لم تكن كذلك بالنسبة لمن جعل من دراسة الاقتصاد الدولي وحركته وتغيراته أساساً في توقع التحولات السياسية؛ فمن يقرأ الاقتصاد جيداً، يعلم أن عملية التراجع الأمريكي والغربي قد بدأت منذ أكثر من 25 عاماً، وأن عملية الصعود المقابلة للصين وروسيا والهند وبعض الدول الأخرى، قد بدأت أيضاً بشكلٍ موازٍ.
ما يمكن أن نتعلمه لتوقع مستقبلنا القريب في سورية، هو أن علينا أن نتوقع غير المتوقع، وعلينا على الخصوص أن نتوقع أن الكيان الذي يهددنا ويمارس بلطجته علينا، هو أضعف بكثير مما يبدو عليه، وهو مرشح لتراجع عاصفٍ وسريع ومدوٍ... وإنّ غداً لناظره قريب، ولصانعه أقرب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- -