افتتاحية قاسيون 1211: سلمنا الأهلي ووحدتنا أمانة في أعناقنا جميعاً

افتتاحية قاسيون 1211: سلمنا الأهلي ووحدتنا أمانة في أعناقنا جميعاً

«بعد أيام قليلة من فرار بشار الأسد، بدأت محاولاتٌ لتفجير السلم الأهلي في عدة أماكن في سورية، ساهم بها تجار الحرب السابقة بأشكالهم المختلفة، وبالتأكيد، هنالك أيادٍ خارجية على رأسها الصهيوني، تحاول دفع الأمور نحو الدم. تم حتى الآن تطويق التجربة الأولى للتفجير، والعامل الأول في منعه كان وعي السوريين الذي اكتسبوه ودفعوا ثمنه عذابات كبرى ودماء غزيرة، وتوقهم إلى إنهاء الاقتتال. ولكن هذه التجارب ستتكرر...».

المقطع السابق هو من مادة كُتبت في الأسبوع الأخير من العام الماضي بعد أحداث فوضى محدودة حدثت في حينه، ونُشرت في قاسيون مطلع هذا الشهر. ويا للأسف، فقد أثبتت أحداث الأسبوع الفائت، والأيام الثلاثة الأخيرة فيه على وجه الخصوص، صحة هذا التوقع، وبشكل خاص أن تجارب التفجير ستتكرر، وستكون أكثر تعقيداً وخبثاً، بالاستفادة من التجارب التي سبقتها.

واليوم أيضاً، يمكن القول -وبعد أن تم تطويق التجربة الثانية لإشعال الفوضى، وإنْ بشكلٍ غير كامل- إنّ تجاربَ أخرى أكثر تعقيداً وخطراً، يجري الإعداد لها، وينبغي على الوطنيين السوريين أن يعدّوا العدة لها، عبر التسلُّح بالحكمة والحذر ورجاحة العقل، دفاعاً عن بلدهم، وعن وحدته وسلمه الأهلي.

ملاحقة تجار الحرب وفلول الفساد الكبير أمرٌ واجب وضروري، وتطويق الانتهاكات ومنعها والحد من فوضى السلاح أمرٌ ضروري أيضاً. وضروري كذلك تحييد المنطق الثأري والانتقامي والطائفي وإحلال منطق العدالة محلَّه... ولكن هذه البنود كلها، وعلى أهميتها، تبقى معالجات جزئية وظرفية، وغير قادرة على نزع فتائل الفتن والتخريب التي يجري العمل على إشعالها من أطرافٍ ثالثة، بينها قوى خارجية في كثير من الأحيان، وعلى رأسها الصهيوني الذي يقول علناً: إنه يريد لسورية أن تتفتَّت على أسس طائفية وقومية.

المعالجة العميقة هي معالجة سياسية واقتصادية اجتماعية وديمقراطية، وليست ذات طابع أمني أحادي الجانب بأيِّ حالٍ من الأحوال.

بكلام ملموس، فإن المعالجة تتطلب العمل على ثلاث جبهات متوازية:

أولاً: الانقسام السابق ضمن المجتمع السوري بين «موالاة» و«معارضة»، انتهى بسقوط السلطة، ولا يجوز بناء الاصطفافات الراهنة على أساسه، لأنه كفيل بإعادة قَسم فقراء ومنهوبي الشعب السوري، وبوضعهم في مواجهة بعضهم بعضاً. ينبغي بكل تأكيد عزل من تلطخت أيديهم بدماء السوريين، وبالفساد الكبير، ومحاسبتهم، وأمّا من تبقى، فجميعهم سوريّون ينبغي أن يشتركوا في بناء بلدهم... وهذا يتطلب مساراً للمصارحة والمصالحة والمسامحة مبنيّ على ثقافة وتراث وتقاليد شعبنا.

ثانياً: ينبغي الإسراع بعملية الحوار الوطني الشامل، والإسراع بعقد مؤتمر وطني شامل يضم أوسع تمثيل للقوى السياسية والاجتماعية في سورية، ويجري التحضير له بشكل جيّد عبر لجنة تحضيرية واسعة التمثيل، تتكون من شخصيات لها وزنها واحترامها ضمن المجتمع السوري، وبما يسمح بدخول سلس في مرحلة انتقالية تستفيد من روحية القرار 2254، وتجري خلالها صياغة العقد الاجتماعي التوافقي الجديد، وتنتهي بانتخابات شاملة على المستويات كافة.

 

ثالثاً: إن تعمّق المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك عمليات التسريح السريعة وواسعة النطاق، من شأنه أن يعمق الثغرات التي يتسرب منها من يريدون شرّاً بالبلاد وأهلها، ولذلك فإنّ الإجراءات الاقتصادية والإدارية المختلفة، ينبغي أن تتم بشكلٍ مدروس وبعيد النظر، ودون الاتّكاء على أيّ أوهام تتعلّق برفع العقوبات الغربية، أو بالتسهيلات الغربية، التي لن تأتي دون شروط قاسية... شروط يكون معها استمرار العقوبات أقلّ قسوة من رفعها!

إنّ آمال السوريين في طيّ صفحة سوداء في تاريخهم وفتح صفحة جديدة، هي أمانة في أعناق الوطنيين السوريّين كلّهم، وفي أعناق قواهم السياسية المختلفة، سواء منها التي في السلطة الحالية أو خارجها، ولا ينبغي أن تُخان هذه الأمانة بأيّ شكلٍ من الأشكال... والطريق نحو حفظها، ورغم صعوبته، إلّا أنّه واضح:

الحوار والمشاركة والتفاهم والتوافق والتعاون بين السوريّين، كل السوريّين!

 

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1211
آخر تعديل على الأحد, 26 كانون2/يناير 2025 18:36