تعاملٌ حكيم مع البطالة... هو ضرورة قصوى للأمن الوطني!
تنتصب أمام اقتصاديات ما بعد الصراع حزمةٌ من المسائل التي تحتاج معالجتها ضمن آجال مختلفة، ومن أبرزها: قضية خلق فرص العمل، حيث تُشير الأدلة أن البطالة، وخاصة بين الشباب، هي أحد محركات ديمومة العنف التي تشهدها المجتمعات الهشة. ولذلك فإن إيجاد سياسات عقلانية تُعالج جوانب الأزمة المرتبطة بقضية العمالة كافة، قد يكون مدخلاً لإعادة تماسك النسيج الاجتماعي والاقتصادي، ومنع الوقوع مُجدداً في دوامة العنف، إضافة لكونه أمراً حيوياً للاستقرار قصير الأجل، وللنمو الاقتصادي والسلام المستدام.
وإسقاطاً على الحالة السورية، نجد أن التصريحات التي صدرت عن القيادة الجديدة بخصوص العمالة لا تُقدَم على أسس علمية صحيحة؛ فالواقع المأزوم والمعقد يفترض أن تكون التصريحات، أو الحلول الإسعافية المتخذة، مدروسةً؛ كي لا تزيد من حدة الاحتقان، والتفاوت الطبقي الذي كرسته السياسات الاقتصادية والسياسية للسلطة الساقطة.
البيانات المتوفرة لا تعطي تصوراً واضحاً عن معدلات البطالة التي كانت سائدة في المناطق السورية كافة، ولذلك فمن الصعب الوثوق بها أو البناء عليها، ولكن يمكن توصيف الحالة الراهنة بشكلٍ أولي عبر استعراض خمس فئات أساسية للعاطلين عن العمل، ومنعكسات ذلك على الواقع الاجتماعي.
الفئة الأولى: يأتي المواطنون السوريون النازحون والعائدون إلى أرض وطنهم بعد غياب قسري لأكثر من عقد من الزمن، انقطعوا فيه عن أعمالهم ومهنهم التي كانوا يمارسونها، وفقدوا الكثير من الخبرة التي كانوا يمتلكونها، مع ضياع فرصة تعلم أبنائهم في ظل الظروف القاسية التي كانوا يعيشونها في المخيمات داخل وخارج البلاد. ورغم تفاوت الرقم الحقيقي لأعداد السوريين النازحين واللاجئين والراغبين في العودة لديارهم، فإن تأمين فرص عمل مناسبة لهم تساعدهم على بدء حياتهم من جديد، وتهيئ الظروف المناسبة لإعادة فاعليتهم في الحياة، تعتبر من أكثر القضايا إلحاحاً، وعلى الطريقة التي ستتم فيها معالجتها، يتوقف الكثير.
الفئة الثانية: تشمل المقاتلين الذين كانوا يَنْضُوونَ تحت إدارة أطراف النزاع. إنّ التعامل مع هذه الفئة، هو أمر ذو أهمية كبيرة، خاصةً إذا كانت السياسات التي تلي الصراع تتضمن مفاهيم الإبعاد والإقصاء، وما يترافق مع ذلك من نظرة اجتماعية موجهة نحو نبذهم. هذه كُلها عوامل قد تدفع هذه الفئة إلى البحث عن الوسائل التي تستعيد فيها دورها الفاعل، وضمناً عن طريق حمل السلاح مُجدداً ما لم يتم استيعابهم بالشكل الصحيح، ما يهدد الاستقرار الاجتماعي.
الفئة الثالثة: هي التي كانت لديها أعمال مرتبطة بفترة غياب الأمن والاستقرار خلال العقد المنصرم، والتي تُعتبر أعمالها غير شرعية، ومنها الإتجار بالمخدرات والتهريب... يفترض بهذه الأعمال أن تختفي في المرحلة القادمة، في ظل سيادة القانون، ولذلك فإن تأمين فرص عمل لممتهنيها سوف يجنب البلاد استمرار هذه الفئة في ممارساتها السابقة، أو توجهها نحو ممارسات إجرامية وغير قانونية من أنواع جديدة.
الفئة الرابعة: هي الفئة المرتبطة بالتحولات الهيكلية الاقتصادية، ومنها ما يمكن أن ينتج عن إجراءات من قبيل الخصخصة، أو عمليات الفصل المنطقية والتعسفية من عمالِ القطاع العام، والتي تزيد من حجم جيش العاطلين عن العمل، بالإضافة إلى الخطوات التي تتُخذ بإنهاء العقود المؤقتة للكثيرين، إضافة إلى أن فتح الأسواق للبضائع الأجنبية دون أي نوع من الحمائية، سيودي بعدد كبير من الورش الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة، ويمكنه كذلك أن يحدث ضرراً بالغاً بمعامل كبيرة، ويضع العاملين في هذه المنشآت كلها أمام خطر فقد عملهم بسرعة كبيرة... وهذا ما سيفاقم المُشكلة وينبئ بخطورة انفجار الوضع في أي لحظة.
الفئة الخامسة: هم العاملون بأعمال منخفضة الإنتاجية، ومتدنية الدخل أو موسمية، وبالتالي ستجد هذه الشريحة (رغم إيجادها العمل المؤقت) نفسها في صفوف القوى العاطلة عن العمل، في ظل توجهات اقتصادية ترفع الدعم، وتُحمل كاهل هذه الفئة أعباءً ليست قادرة على حملها، فكيف الحال في حال تزايدت التزاماتها.
ولذلك فإن...
التعامل مع الوضع القائم يستلزم التفكير في مُعالجات حكيمة بعيدة عن العقلية الثأرية، ووضع حزمة مُتكاملة من آليات العمل، التي تضمن خلق فرص عمل جديدة قادرة على امتصاص هذه الكتلة البشرية، الباحثة عن سُبل تأمين حياتها، وتنسيق برامج محددة لإعادة إدماج النازحين والمقاتلين، والتمهل في إجراءات التسريح (البطالة المُقنعة) حتى إيجاد الوسائل لتدوير عمالة القطاع العام، وإن كان فتح الباب للقطاع الخاص لأخذ دوره كشريك للقطاع العام أمراً ضرورياً في هذه المرحلة الانتقالية، فمن الضروري الاستفادة من تجربة الدول التي منحت القطاع الخاص تسهيلات وإعفاءات، مقابل تأمين فرص عمل محددة تُقابل هذه المكاسب، بالإضافة إلى ذلك الاستفادة من الجهات المانحة لإعداد برامج تدريبية تُهيئ الباحثين عن عمل لُملاقاة متطلبات البيئة الجديدة، وخاصة في المجال التكنولوجي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1210