سورية على الطريق الجديدة من درعا هلّت البشاير!

سورية على الطريق الجديدة من درعا هلّت البشاير!

مع بدء الحركة الاحتجاجية في سورية في آذار 2011 اجتمعت هيئة تحرير جريدة قاسيون الناطقة باسم حزب الإرادة الشعبية في دمشق، وهناك اتخذ القرار بفتح ملف بعنوان «سورية على مفترق طرق» كان الهم الأساسي في حينها أن يتحمل الحزب مسؤوليته السياسية ويقدم لجمهوره حصيلة خبرته السياسية، ورأيه في القضايا المختلفة استناداً إلى منصة علمية رصينة، وفي ذلك الوقت انكبت كوادر الحزب الشابة على كتابة عشرات المقالات لنقاش القضايا الأساسية المطروحة، لكن صوت السلاح دفع ملايين السوريين للانكفاء مجدداً، والابتعاد المؤقت عن العمل السياسي، ومع تعقد الأزمة ضاقت فسحة الأمل وجرّفت البلاد من أهلها، وظل الباقون فيها جالسين ينخرهم اليأس... أما اليوم، وقد سطعت الشمس مجدداً ودفّأت العظام الباردة، فإننا نواصل من منبر «قاسيون» وحزب الإرادة الشعبية من خلفها، وعبر الأقلام الشابة بشكل أساسي، طرح مجموعة من المسائل أمام السوريين، علّها تركّز الضوء على المخرج الوحيد من أزمة وطنية وسياسية عميقة جثمت فوق صدورنا لسنوات... سعياً وراء انتصارات أكبر قادمة... لأن أجمل الانتصارات هي تلك التي لم تأت بعد...

من درعا... هلّت البشاير!

هلت البشاير من درعا عام 2011. واليوم أيضاً في 2024، ومرة جديدة، تهل البشاير من درعا مرة أخرى، عبر تظاهر شجاع بصدور عارية في وجه الصهيوني.
ولكن... ما هي الرسائل التي على العالم أن يستوعبها من المظاهرة التي قام بها أهالي ريف درعا، وخاصة في قرى حوض اليرموك ومنها قرية معرية، ضد الاحتلال «الإسرائيلي» وتوغله في الأرض السورية، والتي واجهها الصهيوني بإطلاق الرصاص الحي على الأبطال الذين وقفوا بوجهه بصدورهم العارية؟
أولاً: «الإسرائيلي» هو عدو للشعب السوري، كل الشعب السوري، وعدو للدولة السورية. هو عدو للشعب والدولة، وليس لأي سلطة أو نظام سياسي كان. بل وهو كان راضياً إلى حد بعيد عن سلوك السلطة الفارّة، سلطة بشار الأسد.
ثانياً: حين دمر الصهيوني جزءاً كبيراً من مقدرات سورية العسكرية، لم يكن ذلك تدميراً لـ«جيش الأسد»، بل تدميراً لقدرات عسكرية كبيرة ومتراكمة بات من الممكن لأول مرة منذ أكثر من خمسين عاماً، أن تكون بيد الشعب السوري.
ثالثاً: الشعب السوري هو شعب وطني يحب أرضه ويتمسك بها ويدفع دمه دفاعاً عنها، وليس لأي أحد، أياً يكن، أن يزاود على وطنية السوريين.
رابعاً: فكرة المقاومة والعداء للصهيوني ونصرة فلسطين، ورغم كل المتاجرة بها عبر عقود من سلطات الأنظمة العربية، هي فكرة أصيلة في قلوب السوريين ودمائهم، وهم لن يتحولوا إلى مطبعين أذلاء كرمى لعيون أي نظام قادم.

درسٌ أساسي

في 29 آذار من العام 2011 خرجت افتتاحية قاسيون تحت عنوان «درس أساسي» وقدمت توصيفاً باكراً لما كان يجري في سورية. في ذلك الوقت كانت وسائل الإعلام تحاول فرض أفكار معينة على السوريين، وهذه الأفكار كانت بمعظمها أفكاراً مبسطة وخاطئة في آنٍ معاً!
قال الإعلام الذي ادعى كذباً أنه يقف إلى جانب الشعب السوري، أن ما يجري هو حركة خاطفة ومؤقتة وستصل لأهدافها بشكلٍ سريع... وقال إعلام النظام إن السوريين أمام «مؤامرة خارجية»... بالمقابل، قالت قاسيون إن تراكم المشكلات والأزمات يفرض على الشعب السوري أن ينهض لحلها، وأن الحركة الشعبية هذه لن تستكين ولن تهدأ قبل إنجاز مهمتها العميقة في تغيير الواقع بشكلٍ جذري، وقالت: «سورية ليست خارج الزمان والمكان، والموجة الحالية لصعود النشاط الجماهيري ليست عابرةً أو مؤقتة، ولن تنتهي موضوعياً دون تحقيق أهدافها التي كانت السبب في إقلاعها».
تحولت هذه الكلمات مع الوقت إلى توصيف حقيقي لفهم الأحداث التي عصفت بسورية والمنطقة المحيطة، وما تزال صحيحة حتى الآن، لأن أهداف السوريين في حياة كريمة عزيزة وفي التخلص من الفقر والذل والفساد، لم تتحقق بشكلها المطلوب بعد.
نبّه «الدرس الأساسي» أيضاً، لخطورة 3 أفكار سادت بعد آذار 2011. الأولى كانت في اعتبار ما يجري «مجرد مؤامرة خارجية أو داخلية»، والثانية التي كانت تقول بأننا أمام «مطالب بسيطة وآنية»، وأما الثالثة فهي رفض قاسيون اعتبار ما يجري «أمراً بسيطاً يحل ببعض التجميلات الإصلاحية».
على هذا الأساس، استنتجت قاسيون أن الحل الوحيد هو في ملاقاة الناس والاستماع إليهم وتحويل طاقاتهم المتفجرة في الاتجاه الإيجابي. وأصرت على حقيقة أن الجماهير عادت إلى الشارع أي إلى الفعل السياسي المباشر، ولن تخرج منه حتى الوصول إلى أهدافها، وهي سائرة نحو المستقبل، وكل من يصم آذانه عنها، أو يحاول تصويرها على أنّها «رجسٌ من عمل الشيطان» سيجد نفسه ملقىً على قارعة طريق التاريخ...

في تقديس التظاهر!

لا شك أن خروج الناس للشوارع والساحات للتعبير عما تريده، هو حالة صحية ومطلوبة. لكن القول إن التظاهر هو كل العمل السياسي، هو قول ينمّ عن جهلٍ مقصود أو متعمد!
يعرف السوريون اليوم هذا الأمر بالتجربة الملموسة؛ فالتظاهر هو أحد أشكال العمل السياسي، وكي يكون ناجحاً يجب أن يسبقه تحضير وعمل طويل وشائك، يرتبط أولاً بحشد الناس حول أفكار جامعة ونقاش هذه الأفكار في البيوت والمقاهي وأماكن العمل وغيرها، وخلال النقاش تجري صياغة أطر جامعة للناس ومقبولة منهم.
تثبت التجربة التاريخية أن إنجاز هذه المهمة ليس ممكناً «بضغطة زر» بل يحتاج صبراً ومصابرة ومثابرة وعملاً شاقاً مستمراً ويومياً. وإن كنا نريد تحقيق مصالحنا كسوريين، علينا أن نكون موجودين بشكل منظم للدفاع عن مصالحنا في كل مكان، في الحارة والحي والمنطقة، في أماكن العمل والنقابات والوزارات والمؤسسات، في كل مكان على الإطلاق، ويجب أن نستخدم كل أشكال النضال، التظاهر والاعتصام والشغل بين العمال وفي النقابات والنضال المطلبي والفكري والإعلامي... من يريد إقناعنا بأن دورنا هو مجرد الخروج في مظاهرة ومن ثم الذهاب للبيت، يريد منا أن نسلمه السلطة وأن ننتظر ما الذي يريد فعله لنا أو بنا!
حان الوقت لكي يستلم الشعب نفسه السلطة عبر تنظيمه لنفسه وعبر رقابته المستمرة والمباشرة لكل أجهزة الدولة وسلطاتها، وعلى أساس يومي... لأن «السلطة مظنة فساد»، ولا يصلحها إلا بقاء عين الناس مفتوحة عليها طوال الوقت!

1206-4

الذئاب حين ترتدي رداء الحملان!

تكاد آذان السوريين تصم من كثرة البيانات والمواقف السياسية التي تتلى أمامهم، حتى يتراءى لهم هذا الموقف أو ذاك مثل سرابٍ في صحراء قاحلة، فالسوريون عطشى هائمون يبحثون عما يسد رمقهم ويستر عائلاتهم ويطعم أبناءهم؛ فكيف يمكن لهم أن يدركوا طريق الخلاص بدلاً من ملاحقة الأخيلة؟! الجواب يرتبط أولاً بضرورة إدراك أن الذئب لن يدخل بين قطيع الحملان مكشراً عن أنيابه، بل سيدّعي أنّه واحدٌ منهم ويظهر على هيئتهم.
ولذلك بدلاً من الاطمئنان للوعود الرنانة، لا بد للسوريين أن يطالبوا كل الأطراف السياسية بعرض برامجها بشكل مفصل، وأن يطالبوا بأن تقول لهم هذه الأطراف كيف السبيل لبناء بيوتهم ومدنهم التي تهدمت، وكيف يمكن أن يؤمنوا قوت يومهم، وأن تشرح لهم مطولاً كيف أفقرهم النظام السياسي في سورية وكيف حوّل الدولة إلى ماكينة للجباية من الفقراء ولإثراء الأغنياء، ويجب على السوريين بدورهم أن يبحثوا في البرامج السياسية المعروضة أمامهم عن حل لأحجيات مثل كيف تحوّل مجلس الشعب إلى مسرحية رديئة وكيف بات التشريع من صلاحية السلطة التنفيذية! وبالرغم من أن قائمة الأسئلة طويلة إلا أن طرحها جميعها أساسي في بناء نظام سياسي جديد، ولا يمكن فرز السياسي العفن عن آخر نقي إلا بعد أن ينظم الشعب صفوفه ويصيغ مطالبه بدقة وعندها فقط يمكن تقدير مدى تطابق برنامج الشعب مع برامج الآخرين.

«الموالاة» و«المعارضة»

مع خروج أولى المظاهرات في عام 2011، بدأ الإعلام الخارجي والداخلي وبالاستناد إلى خطاب السلطة وبعض النخب السياسية يعمل على تقسيم السوريين على أساس موقفهم الشكلي من النظام، وسادت مصطلحات من نمط «مندسين» و«جراثيم» لوصف المحتجين وبرزت مصطلحات مقابلة مثل «شبيح» و«منحبكجي» لوصف المؤيدين، وتحول هذا التقسيم المشبوه إلى خط يفرق السوريين ويجعلهم على ضفتين متقابلتين وبات العبور من أحد الضفتين إلى الأخرى مهمة شاقة وصعبة، وأخذ كل فريق وبتجييش إعلامي وسياسي منظم يلقي كل أنواع الشتائم على السوريين في الطرف الآخر، تجهيزاً لقتالٍ دموي طويل الأمد... لكن مسألة هامة ظلت غائبة، وهي أنه في لحظة انفجار الأزمة في سورية كانت غالبية السوريين متضررين من سياسات النظام السياسي القائم، السياسيات التي أضرت بلقمة عيشهم ومصالحهم وكراماتهم ومنعتهم بآليات قمع ممنهجة عن الصراخ والرفض، وبدلاً من رص صفوف كل هؤلاء في جبهة واحدة، جرى قسمهم وإضعافهم وتاجر بهم أمراء الحروب كلٌ من موقعه ولمصلحته.
اليوم، نحن في لحظة مناسبة لإنهاء هذا الانقسام والاتجاه لتوحيد صفوف السوريين على أساس مصالحهم الحقيقية، وعلى رأسها مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، لقمة عيشهم وكرامتهم ونضالهم من أجل صوت حر لا يقمعه أحد... السوريون يعلمون أن الفاسدين الكبار من كل الأطراف اشتركوا في قتلهم ونهبهم، حتى لو ارتدوا مرة رداء «الوطنية» ومرة أخرى رداء «الثورة»... الناهب هو الناهب، والمنهوب هو المنهوب... والشعب المنهوب عليه أن يتحد ويعمل ضد ناهبيه، وأن يصنع هو تمثيله السياسي، وأن يتحول من مجرد رعية تنتظر رحمة الراعي، إلى قادة حقيقيين يقررون مصيرهم بأنفسهم... الوقت الآن هو وقت العمل ووقت الوحدة بين المنهوبين... بين أبناء الـ«90%» المفقرين الذين ينتمون لكل القوميات والأديان والطوائف في سورية...

يمكن أخذ السلطة بفوهة البندقية لكن لا يمكن الحفاظ عليها بفوهة البندقية!

خلال لقاء مع د. قدري جميل أمين حزب الإرادة الشعبية، ورئيس جبهة التغيير والتحرير، على تلفزيون سوريا يوم الثلاثاء الماضي، عرض مجموعة من الأفكار، بينها التالية:
البعثيون كانوا يقولون لنا: «نحن أخذنا السلطة بفوهة البندقية، ومن يريد شيئاً منها فليأت لأخذه بفوهة البندقية». يمكن أن يفهم المرء أن استلام السلطة يمكن أن يحصل فعلاً بفوهة البندقية، ولكن الاستمرار بالسلطة لا يمكن أن يستمر بفوهة البندقية، والبعث نفسه هو مثالٌ يثبت صحة ذلك.
لذلك أعتقد أنه على السيد أحمد الشرع، مع الاحترام له، أن يفهم هذا الدرس التاريخي، وأن يفتح أكبر حوار ممكن مع كل القوى السورية الوطنية. هنالك إحساس لدى الناس اليوم أنه هنالك انفراداً بالسلطة؛ ابتداءً من طريقة تشكيل الحكومة المؤقتة ووصولاً إلى التصريحات والتعيينات والإجراءات التي تتم.
مع ذلك، ينبغي التذكر أنهم لعبوا دوراً مهماً في إسقاط السلطة. ولكن سقوط السلطة كي يتحول إلى سقوط للنظام يحتاج أشياء أخرى كثيرة، ويحتاج إجماعاً شعبياً. وهم الآن في مركز المبادرة وينبغي أن يتصلوا بالجميع، وأن يكونوا منفتحين على الجميع.
ينبغي علينا جميعاً أن نفهم أن سورية بطبيعتها لا يمكن أن يحكمها حزب واحد؛ سورية تعددية بطبيعتها، تعددية سياسياً أولاً وثانياً وثالثاً، وتعددية ثقافياً رابعاً وخامساً، وسادساً تعددية قومياً، وسابعاً دينياً، وثامناً طائفياً...
وتقصدت أن أقول أولاً وثانياً وثالثاً هي متعددة سياسياً، لأن التعدد السياسي في سورية هو ما يوحدها ويلم شملها. بالتأكيد ينبغي احترام كل الأديان والقوميات والطوائف، ولكن برأيي كل الأحزاب المستقبلية في سورية يجب أن تقوم على أساس وطني جامع، ويجب أن يكون ممكناً لأي سوري أن ينتسب لأي حزب يريد، ويجب ألا يتم منع أي سوري من الانتماء إلى الحزب الذي يريد، وبغض النظر عن القومية والدين والطائفة والجنس... هذا ما يحقق المواطنة المتساوية الفعلية.
ما يقلل من قلقنا ومخاوفنا ويدفع إلى قدر من الطمأنينة، هو أن العمل جارٍ على مهمة مقدسة هي الحفاظ على وحدة سورية.
ما نراه من إجراءات باتجاه إنشاء جيش وطني موحد يشمل كل البلاد، عملياً القوى التي في دمشق وفي الجنوب والشمال، وتجري مباحثات مع الشمال الشرقي، إن تم هذا كله، فنحن أمام نواة جيش وطني موحد وهذا أمر بالغ الأهمية للحفاظ على وحدة التراب السوري.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1206