افتتاحية قاسيون 1198: إسقاط الحرب وإسقاط مشعليها!
ما يزال التوصيف الذي أطلقه إنجلس حين قال: «الحرب هي الرئة الحديدية التي تتنفس منها الرأسمالية» صحيحاً تماماً في عصرنا هذا، ولكن مع تطوير هو أن الرأسمالية بأكملها قد تحولت إلى رئة حديدية صدئة؛ بحيث بات مشروعها الأساسي هو الحرب، وخلاصها الوحيد هو الحرب واستمرار الحرب.
في الحربين العالميتين، وخاصة قبل الثانية، كان شعار الثوريين الأساسي هو «إسقاط مشعلي الحروب»، ولم يتمكنوا من تحقيق هذا الشعار إلا عبر الحرب نفسها، بإسقاط النازية وإسقاط برامج داعميها وحلفائها ضمن المراكزِ الغربية، وخاصةً المراكزَ المالية.
بعد ظهور السلاح النووي، وتعمق الأزمة الرأسمالية على الصعد كافة، استجدّت ثلاثة أمور كبيرة؛ الأول: هو أن الرأسمالية ما عادت قادرة على استخدام الحرب بصيغها القديمة المباشرة، بما تعنيه من دمار شامل لكل الأطراف، ولذا بات اعتمادها هو على حروب هجينة على مساحات متعددة من الكرة الأرضية، تؤدي بمجموعها وظيفة الحرب الشاملة.
الثاني: هو أن مواجهة الحرب الرأسمالية، باتت تستند بالدرجة الأولى إلى الفعل المقاوم غير المتناظر، فعل الاستنزاف، فعل «سلق الضفدع الغربية».
الثالث: هو أن حجم الأزمة وعمقها، لم يترك للبشرية ترف اختيار إسقاط مشعلي الحروب ضمن الحروب نفسها، فالحروب التي تدفع باتجاهها الرأسمالية باتت تهديداً وجودياً للبشرية بأسرها؛ الخيار الوحيد المتاح هو إسقاط مشعلي الحروب، وإسقاط الحروب نفسها قبل أن تبدأ؛ أي قبل الانتقال إلى الحروب الكبيرة الشاملة، وبكلمة: إسقاط الحرب ومشعليها عبر عملية استنزاف شاملة شعارها الضمنيُّ والعلنيّ هو «وحدة الساحات»، ليس في منطقتنا فحسب، بل وفي العالم بأسره... وهذا ما يجري فعلياً وعلى قدم وساق.
عملية الاستنزاف الشاملة تتواصل وتتصاعد على الجبهات كلها، وفي أرجاء الكوكب كلها، ابتداء من غزة ولبنان، حيث بات «الأمريكي/الإسرائيلي» في وضعٍ لا يكاد يعلم فيه من أي صوبٍ تأتيه الضربات المتلاحقة، وحيث باتت عبارة «حادثٌ أمنيٌّ صعب»، عبارة يومية ونصف يومية وربما ستكون عبارة كل ساعة مع قادمات الأيام.
عملية الاستنزاف الشاملة تتضمن الخطوات المهمة التي قامت بها بريكس بما يخص نظام الدفع الموحد، والتبادل بالعملات المحلية، والربط بين البنوك بعيداً عن نظام سويفت المهيمن عليه غربياً، وهي خطوات إضافية ضمن عملية إنهاء هيمنة الدولار العالمية، ومعه هيمنةُ واشنطن.
في منطقتنا أيضاً، وتحت التهديد الصهيوني الأمريكي التخريبي والتفجيري، تتخلق ظروف موضوعية مؤاتية لحل مشاكلَ ونزاعاتٍ معقدةٍ طويلة الأمد، بينها القضية الكردية... كما يظهر من الإشارات السياسية الواضحة خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك في إطار نزع فتائل التفجير الأمريكي الصهيوني في منطقتنا.
بالتوازي، تتعزز الحاجة لتلقف الفرصة التاريخية لمنع استغلال وضع سورية الحالي كخاصرة ضعيفة، وهذا يتطلب بالضرورة، وكما أشارت الافتتاحية الماضية لقاسيون، عملاً على ثلاثة صعد متوازية، من ثلاثي أستانا وعلى رأسه روسيا في إطار الدفاع النشط عن سورية ضد الكيان الصهيوني والتخريب الأمريكي، ومن القوى السياسية الوطنية باتجاه تفعيل وتنفيذ الحل السياسي الشامل وفقاً للقرار 2254 وضمناً تحقيق التسوية السورية التركية، ومن القوى الشعبية باتجاه الضغط نحو تحقيق هذه الغايات، والتحضير للدفاع عن البلاد وعن وحدتها.
إسقاط الحروب وإسقاط مشعلي الحروب، ليس أمراً ممكناً فحسب، بل وهو الخيار الوحيد المتاح أمام البشرية لإنهاء ليلها الذي طال كثيراً في ظل أشد نظام اقتصادي-اجتماعي توحشاً عبر التاريخ، النظام الرأسمالي العالمي... وهو الممر الذي لا بديل عنه باتجاه مستقبل جديد وعالم جديد...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1198