الأمريكي/ «الإسرائيلي» ضد «آبو»/ قلعة شقيف/ والشرق العظيم!

الأمريكي/ «الإسرائيلي» ضد «آبو»/ قلعة شقيف/ والشرق العظيم!

- 1 -
هل استسلموا؟
لم يستسلم أحد منهم أبداً.
صاحب السؤال في الحوار أعلاه، هو مناحيم بيغن، رئيس وزراء الكيان «الإسرائيلي»، وصاحب الجواب هو أحد جنوده بعد انتهاء المعركة-الملحمة في قلعة شقيف في أرنون، في الجنوب اللبناني، بالضبط جنوب النبطية، وعلى بعد كيلومترات قليلة من الحدود مع فلسطين المحتلة. التاريخ هو حزيران عام 1982، أثناء الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان.

في التفاصيل المعروفة للمعركة، أن أكثر من 1200 جندي «إسرائيلي» من القوات الخاصة للواء «غولاني»، اشتركوا في حصار القلعة. وتم إمطارها بالقصف المدفعي والقصف الجوي على مدى أيام، ومع ذلك لم تخضع، ولم تستلم حتى استشهاد آخر أبطالها الذين كبدوا المحتل خسائر كبيرة للسيطرة على القلعة...
بين المعلومات والتفاصيل المعروفة أيضاً عن ملحمة شقيف، أن عدد المقاتلين الذين تحصنوا فيها وأوقفوا جحافل العدو أياماً متتالية، لم يتجاوز 27 مقاتلاً، وأن هؤلاء المقاتلين كانوا من جنسيات وقوميات تكاد تشمل المنطقة كلها، وكان بينهم 13 مقاتلاً من حزب العمال الكردستاني، الذين انضموا للقتال من أجل القضية الفلسطينية، واستشهدوا جميعهم، ولم يستسلموا: «محمد أتماجا، ولي جاكماك، عصمت أوزكان، كمال جليك، أمين ياشار، شريف آراس، مصطفى مارانكوز، شهاب الدين كورت، عرفان أي، سليمان توزجو، كورجان أوزجان، عبد الله كومرال، عبد القادر جوبوك جو».

capture1198

 

- 2 -
سمحت السلطات التركية لعائلة القائد الكردي عبد الله أوجلان، الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني، وبعد 43 شهراً من المنع، بزيارته في سجنه في إمرالي بتاريخ 23 تشرين الأول 2024. وأرسل أوجلان عبر ابن أخيه عمر أوجلان رسالة مكثفة جداً، نصها هو: «إذا توفرت الظروف، فإن لدي القوة النظرية والعملية لنقل هذه العملية من أرضية الصراع والعنف إلى الأرضية القانونية والسياسية».

- 3 -
بعد انتشار تصريح أوجلان بوقتٍ قصير، جرى هجوم إرهابي في أنقرة على مصنع أساسي لإنتاج الدرونات، ويوقع 5 قتلى و14 جريحاً. وفي اليوم التالي تتبنى «قوات الدفاع الشعبي» التي تشكل أحد فروع حزب العمال الكردستاني الهجوم، في حين لا يتم تبني الهجوم سياسياً من الحزب نفسه!

- 4 -
سبق كلّ من تصريح أوجلان وهجوم أنقرة، إطلاق دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية، والمقرب من أردوغان، مبادرة جديدة تتعلق بمستقبل صراع تركيا مع «حزب العمال الكردستاني»، وشملت المبادرة دعوة تتمثل في إمكانية رفع العزل المفروض على زعيم الحزب عبد الله أوجلان، المعتقل في سجن «إمرالي» التركي منذ عام 1999، وطالبَ فيها بأن يقوم أوجلان بإلقاء خطاب في البرلمان التركي، ليعلن فيه إنهاء التهديد المسلح للبلاد.

- 5 -
في اليوم التالي للهجوم، تشن القوات التركية هجمات «انتقامية» على شمال شرق سورية، بلغ عددها وفق بعض المصادر 685 هجمة بينها 114 هجمة بالطيران الحربي والمسير و573 بالمدفعية، أسفرت عن سقوط 14 ضحية، وإصابة 40 آخرين، إضافة لاستهدافها منشآت نفطية وكهربائية.

- 6 -
في تصريح لتلفزيون سوريا تعليقاً على هجوم أنقرة، يقول إسماعيل حقي بكين، رئيس الاستخبارات العسكرية التركية السابق: «أستطيع أن أقول: إن وراء هذه العملية تقف CIA «المخابرات المركزية الأمريكية» والمخابرات «الإسرائيلية»، وربما أيضاً الاستخبارات الإنكليزية، ولكن سياستهم مختلفة بعض الشيء» وأضاف: «عبدالله أوجلان قال: إنه بإمكانه نقل المسألة من النزاع والعنف إلى السلام... الفرصة التي أمامنا تأتي كل 100 عام مرة واحدة، وعلينا أن نغتنمها، يجب ألا نترك هذه المسألة للولايات المتحدة، علينا كأتراك وكرد أن نجلس سوية وعلى قدم المساواة ونحلها داخلياً». وعند سؤاله عن الطرف الكردي الذي ينبغي لتركيا أن تجلس معه للوصول إلى الحل، يقول: «بشكلٍ واضح المخاطب هو أوجلان، وأيضاً الرئيس السابق لحزب الشعوب ديمرطاش... تركيا تقول الآن: لا نحتاج إلى الولايات المتحدة، لا نحتاج إلى سايكس بيكو آخر، لا نحتاج إلى حدود جديدة ترسم من الخارج، فلنجلس مع بعضنا ولنحل هذه القضية».

- 7 -
قبل ثماني سنوات ونصف، وتحديداً يوم 22 آذار 2016، نشر حزب الإرادة الشعبية مسودة وثيقة بعنوان «القضية الكردية وشعوب الشرق العظيم». في حينه كانت ما تزال داعش قريبة من ذروة منحنى قوتها وانتشارها في كل من سورية والعراق، وفي حينه أيضاً، ورغم هذا الانتشار، كان واضحاً بالنسبة لـ«الإرادة» أن هذا التنظيم ذاهب باتجاه انحسار قريب، وأن الأمريكي سيضطر إلى إخراج أرنب آخر من قبعته: الصراع القومي... عربي/كردي، تركي/كردي، فارسي/كردي، فارسي/عربي... إلخ.
من هذه الوثيقة، نقتبس هنا ما يلي:
«إن قوى الحرب لم توفر وسيلة إلا واتبعتها لتحقيق أهدافها في تفتيت واستباحة البلاد، وأهم وسيلتين متكاملتين تستخدمهما، هما «الإحراق من الخارج» عبر الغزو المباشر أو تصنيع وتسليح وتمويل غزو القوى الفاشية بنسخها النازية الجديدة والداعشية، وسياسة «الإحراق من الداخل» عبر افتعال وتأجيج نزاعات داخلية بين «مكونات» الشعوب، على أسس قومية ودينية وطائفية وغيرها، تضاف إلى محاولاتها الاستمرار في فرض وتثبيت نموذجها الاقتصادي الليبرالي الجديد، بما يشكله من حصان طروادة لها داخل البلدان المستهدفة.
«داعش»، وبوصفه أحد الأذرع الفاشية الجديدة لدى الأوساط الأكثر رجعية في رأس المال المالي الإجرامي العالمي، هو الأداة الأولى الدينية- الطائفية للتفتيت، وهو إن بات غير كافٍ للوصول إلى الهدف، فلا مانع لدى تلك الأوساط من اختراع أداة ثانية.
الأداة الثانية في جعبة الاحتياطيات القذرة لدى القوى الإمبريالية هي إثارة الفوالق القومية في المنطقة، وهنا تبدو «القضية الكردية»، وطروحات الاستقلال وتقرير المصير، بالصيغ المطروحة، مرشحة لقول كلمة حق فيها يراد بها باطل».

الفرصة التاريخية!

العدوان التركي على شمال شرق سورية هو عدوان مدانٌ بكل المعاني، ولا مجال لتبريره بأي حالٍ من الأحوال... مع ذلك يمكن تفسيره، ويمكن أيضاً تفسير هجوم أنقرة ضمن سياق واحدٍ متصل.
الدولة التركية، مثلها مثل كل دول المنطقة، مهددة بشكلٍ فعلي من جانب الأمريكي و«الإسرائيلي»؛ مهددة بالفوضى الهجينة الشاملة، التقسيمية والتفتيتية. ولا مخرج لها، ولا لدول المنطقة وشعوبها، سوى توحيد الجهود ضد الأمريكي والصهيوني.
من المؤكد، أن داخل الدولة التركية، وداخل القوى الكردية في كامل الإقليم، من يعمل بشكلٍ مباشر أو غير مباشر لمصلحة الأمريكي والصهيوني، ولكن المؤكد أيضاً، أن تاريخ شعوب المنطقة، ودماء شهدائها، ونضالات تلك الشعوب المتراكمة، تسمح اليوم باغتنام فرصة تاريخية قد لا تتكرر في أي وقت قريب، بل وقد يؤدي عدم اغتنامها إلى كوارث كبرى لمجمل شعوب المنطقة...
الفرصة تسمح بالوصول إلى تسوية سياسية عادلة، تضع الأساس لحل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في منطقتنا، ابتداءً ربما بحل عادل في تركيا نفسها، حيث مركز الثقل البشري والسياسي للقضية الكردية في منطقتنا.
وبالنسبة لسورية والسوريين، فإن الدفع باتجاه اتحاد شعوب الشرق العظيم، بكل قومياتهم، يشكل ترياقاً مضاداً للمشروع الصهيوني الأمريكي التخريبي...
هل يبدو هذا الكلام حالماً؟ هجوم أنقرة والعدوان التركي الانتقامي على الشمال الشرقي، وعلى عكس ما يظهر على السطح، يؤكدان أن احتمال الوصول إلى تسوية وانسجام وتعاون بين شعوب المنطقة، هو احتمالٌ مرعبٌ للأمريكان والصهاينة، ولبعض القيادات الانتهازية من هنا ومن هناك... هذا الرعب نفسه، هو أهم شواهد إمكانية الوصول إلى هذا الحلم!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1198
آخر تعديل على الأحد, 27 تشرين1/أكتوير 2024 20:15