افتتاحية قاسيون 1193: الضِّفدعُ الغربية تُسلق على نارٍ هادئة!

افتتاحية قاسيون 1193: الضِّفدعُ الغربية تُسلق على نارٍ هادئة!

يعيش المعسكر الغربي بأسره، وعلى رأسه واشنطن والمركز الصهيوني العالمي، ومنذ عدة سنوات، حالةً يصحّ فيها التوصيف القائل: إنه كالضِّفدع التي تُسلق بالتدريج مسترخيةً على نارٍ هادئة... وحتى أنها الآن، وقد أدركت أنها تُسلق، ليست بقادرة على القفز من القدر (بكسر القاف وفتحها).

صحيحٌ أن السمة الأساسية لأعمال واشنطن في شتى نقاط الصراع حول العالم، هي الحرب الهجينة، وهي العمل على إحداث فوضى هجينة شاملة، تنهار مع تعمقها صفوف خصومها وأعدائها من الداخل. وصحيحٌ أيضاً أن هذا النهج هو خيارها الوحيد في الحفاظ على هيمنتها في ظل الاستحالة العملية للدخول في حروبٍ مباشرة مع أي من القوتين الأساسيتين اللتين تزعزعان موقعها العالمي: روسيا والصين.

ولكن الصحيح أيضاً، هو أن الطرف المقابل، يخوض مع الولايات المتحدة حرب استنزافٍ شاملةٍ غير متناظرة، «حرب مواقع»، إذا استخدمنا تعبير غرامشي؛ حرباً يتم كسبها بالنقاط، وليس بالضربات القاضية. وهذه الحرب لم تبدأ في أوكرانيا أو في فلسطين، بل قبل ذلك بعقدين تقريباً، على الجبهات الاقتصادية والمالية والسياسية والتقنية والعسكرية والثقافية، وبكلمة واحدة:

على الجبهات كلها.

 الضفدع يتم سلقها، لأن التاريخ يُعلمنا أن قوى الشعوب والقوى المقاومة والقوى الصاعدة، دائماً ما كانت طاقة احتمالها أكبر بما لا يقاس من طاقة احتمال قوى الاستعمار، والتي بمجرد أن يتحول «مشروعها الاستعماري» من مصدر نهبٍ وأرباحٍ إلى عبءٍ ومصدرٍ للخسائر، فإنها سرعان ما تتخلى عنه... مشكلة المركز الإمبريالي العالمي، أنه تحول بشكلٍ كاملٍ إلى مشروع استعماري، وانقطعت صلته الفعلية بعملية الإنتاج منذ عقود، ما يعني أن خسارة المشروع الاستعماري باتت مساوية إلى حدٍ بعيد للانهيار الشامل، الداخلي بالدرجة الأولى، ابتداءً من انهيار مستويات المعيشة المستندة إلى معدلات النهب الفلكي.

 

 فَهْم الصراع الجاري ضمن هذا المنطق، بما في ذلك في منطقتنا، يسمح باستيعابٍ أفضل للاستراتيجيات التي تستخدمها قوى المقاومة حول العالم، وللطريقة «الهادئة» والمتدرجة التي تعمل بها، بما في ذلك طريقة تعامل المقاومة اللبنانية مع الاعتداءات الصهيونية المتكررة، والتي يمكن فهمها ضمن الإحداثيات التالية:

 أولاً: حجم التصعيد الذي يمارسه الكيان ضد لبنان ومقاومته، إنما يؤكد على أهمية ومحورية هذه الجبهة كجبهة إسنادٍ أساسية لغزة وللضفة وللمقاومة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه كجبهة استنزافٍ (وسلقٍ) مستمرة للعدو.

 ثانياً: كل دارس لتاريخ حركات التحرر يعلم يقيناً بأن طاقة الشعوب المستعمَرة على الاحتمال أضعاف مضاعفة عما هي عليه لدى قوى الاستعمار، وخاصة في حالة الاستعمار الاستيطاني حيث تكون طاقة الاحتمال هي الأكثر هشاشة.

 ثالثاً: يبين هذا التصعيد أيضاً وصول الكيان إلى طريق مسدود في فلسطين، سواء في غزة أو في الضفة، وعجزه عن تحقيق أي هدفٍ من الأهداف الأساسية التي وضعها أمامه، ما يدفعه لمحاولة توسيع رقعة الحرب، التي هي الأخرى محاولة بائسة يجري إغلاق السبل إليها في وجهه.

 يسمح فَهْم الصراع ضمن هذا المنطق العام، بتحييد عقلية الهزيمة التي تروجها، إما قوى الأعداء بشكلٍ مباشر، أو قوى مهزومة فكرياً بين صفوفنا، أو القوى والأشخاص المحكومين بحقدٍ أعمى وبضيق أُفقٍ استثنائي.

 هذا كله، لا يعني بحالٍ من الأحوال أن النتائج محسومة بشكلٍ مسبق؛ بل يعني بالضبط أن احتمالات الانتصار أعلى بكثير من احتمالات الهزيمة، وبأن النصر يتطلب إعداد عدته على المستويات كلها، بما في ذلك عبر نزع فتائل الفوضى الهجينة الشاملة في منطقتنا، وفي بلدنا...

 في بلدنا، المطلوب استعادة الدور الوظيفي لسورية ضمن المعركة بأسرع وقت، وهذا ممكن عبر استعادة وحدتها ووحدة شعبها، عبر الطريق الذي لا طريق غيره: الحل السياسي الشامل على أساس القرار 2254، وبالتعاون مع أستانا والصين ودول عربية أساسية، وبالضد من رغبة الأمريكان ودون اشتراكهم...

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1193
آخر تعديل على الأحد, 22 أيلول/سبتمبر 2024 21:19