خطوة أخرى إلى الأمام لفلسطين في الأمم المتحدة
تفصلنا أقل من أربعة أسابيع عن مرور سنة منذ بدء العدوان «الإسرائيلي» على غزة، وما رافقه من تصعيد في أنحاء فلسطين كافة، وفي المنطقة، ناهيك عن الحجم الهائل من الدمار والخسائر المادية والبشرية. في الوقت نفسه، تلقى الكيان عدداً لا بأس به من الضربات المؤلمة، عالجت أبرزها مادة سابقة في قاسيون بعنوان «محصلة أولية لخسائر الكيان ومكتسبات الشعب الفلسطيني في المسرح الدولي منذ «طوفان الأقصى».»
بالمحصلة، ازدادت عزلة الكيان على المستوى الدولي، الأمر الذي أخذ عدة أشكال، منها على المستوى الشعبي في أنحاء العالم كافة، من خلال الاحتجاجات الشعبية والطلابية، ولاحقاً من قبل عدد من الدول من خلال مواقفها من الكيان وتصريحاتها حول ممارساته، وكذلك الدول التي التحقت بالدعوة التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد الكيان في محكمة العدل الدولية. إلا أن الضربة الأقوى قد تكون عدد الدول وبالأخص الأوروبية التي اعترفت خلال الشهور الماضية بالدولة الفلسطينية، ومواقف الدول من خلال منظومة الأمم المتحدة وقراراتها.
اليوم، وكما أشارت المادة المذكورة أعلاه، 145 من بين 193 دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف بدولة فلسطين، كما تمت ترقية صفة فلسطين في الأمم المتحدة من «دولة مراقبة غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة» والتي حصلت عليها في تشرين الثاني 2012، حيث حصلت على حقوق إضافية بموجب قرار للجمعية العامة في 10 أيار 2024، سيحق لها بموجبه– من بين أمور أخرى– الجلوس في الجمعية العامة بين الدول الأخرى، حسب الترتيب الأبجدي، بدلاً من الجلوس في القسم الخلفي من قاعة الجمعية العامة.
يوم الثلاثاء الماضي تم افتتاح الدورة العادية الـ 79 للجمعية العامة، وخلال الجلسة الافتتاحية أخذت دولة فلسطين مقعدها بين الدول الأخرى، وفق الترتيب الأبجدي لأول مرة. ووفق الخبر الذي ورد على موقع الأمم المتحدة، «مباشرة بعد كلمة رئيس الجمعية العامة، طلب السفير أسامة عبد الخالق مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة نقطة نظام، طالب من خلالها رئيس الجمعية العامة بتأكيد أن الترتيبات اللازمة قد تم اتخاذها وفقاً للقرار الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 أيار 2024 بأن دولة فلسطين يمكنها الآن التمتع بالجلوس بين الدول الأعضاء في الجمعية العامة، وفقاً للترتيب الأبجدي». وفق الخبر، قال السفير المصري: «هذه ليست مجرد مسألة إجرائية، هذه لحظة تاريخية بالنسبة لنا، يجب أن يكون لدولة فلسطين مقعد في الجمعية العامة بين الدول الأعضاء، أطلب منك، سيدي الرئيس، تأكيد أن هذا البند من القرار قد دخل حيز التنفيذ اعتباراً من اليوم».
وبحسب الخبر، كان هناك اعتراض لبعثة الكيان، قال فيها نائب مندوب الكيان: «السيد الرئيس، أمارس حقي في الرد على نقطة النظام التي أثارها الوفد المصري، والتي تتعلق مباشرة بقرار الجمعية العامة الذي تم اعتماده في 10 أيار 2024... نود أن نعرب عن قلقنا العميق من أن هذا القرار مدفوع بالمحسوبية السياسية، بدلاً من الاحترام والاعتبار الطبيعيين لميثاق الأمم المتحدة... إن أي قرار أو إجراء من شأنه أن يحسن وضع الفلسطينيين– سواء في الجمعية العامة للأمم المتحدة أو على المستوى الثنائي، يشكل في الوقت الحالي مكافأة للإرهاب... إن هذه القرارات التي «تكافئ الإرهاب» تضعف بشكل خطير إمكانية التوصل إلى حل للصراع، وحل الأمور من خلال المفاوضات السلمية، كما أنها تجعل من الصعب تحقيق عودة الرهائن مما يبعد نهاية الحرب».
وقد يكون من المفيد هنا استحضار ما قام به مندوب الكيان في الجلسة التي تم فيها اتخاذ القرار المذكور، عندما صعد إلى المنصة ومزق ميثاق الأمم المتحدة.
بكل الأحوال، رد رئيس الجمعية العامة لهذه الدورة على طلب السفير المصري بقوله: «أشكر ممثل مصر، فقد تم إبلاغي بأن كافة الترتيبات قد تم اتخاذها لتجلس فلسطين، حيث ينبغي أن تجلس».
ماذا الآن؟
وفق توصية من الجمعية العامة، صوت مجلس الأمن في نيسان الماضي على مشروع قرار لتحويل عضوية فلسطين إلى عضوية كاملة، ولم يمر اعتماد القرار بسبب استخدام الولايات المتحدة حق النقض الـ «فيتو» كما كان متوقعاً، وأتى قرار الجمعية العامة بعد أقل من شهر، وكانت هذه رسالة واضحة للكيان وللولايات المتحدة. وبينما لم تتغير صفة فلسطين من «دولة عضو مراقب» إلى «دولة كاملة العضوية»، إلا أن إعطاءها الميزات الإضافية بما فيها أخذها مقعداً بين الدول الأعضاء، هو رسالة واضحة ليس فقط للدول التي تحاول منع حصول ذلك، وهي فعلياً الكيان والولايات المتحدة، إلا أنها أيضاً دليل إضافي على ارتفاع مستوى العزلة للكيان وحتى للولايات المتحدة على المسرح الدولي.
وللمقارنة، فإن فلسطين قدمت طلباً لتحويل عضويتها إلى عضوية كاملة في 2011، وآنذاك لم تحصل حتى على الأصوات التسعة اللازمة في مجلس الأمن لوضع القرار أمام المجلس للتصويت، وبالتأكيد، حتى لو تم التصويت عليه آنذاك، كان سيحظى بالمصير ذاته للقرار الذي تم وضعه للتصويت في نيسان الماضي، إلا أنه من المفيد مقارنة التغيير بين عدم وصوله إلى التصويت في 2011 ووصوله إلى التصويت مع توصية من الجمعية العامة هذا العام.
ومن بين الميزات الجديدة للبعثة الفلسطينية، قدرتها على تقديم المقترحات والتعديلات بشكل مباشر، وليس عن طريق دولة عضوة تتبنى مشروع القرار. في هذا السياق قدمت البعثة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة مشروع قرار إلى أعضاء الجمعية العامة في مطالبة للكيان بإنهاء وجوده غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، على أن يتم ذلك خلال 12 شهراً من تاريخ اعتماد القرار، ومن المتوقع التصويت على مشروع القرار يوم الأربعاء القادم، 18 أيلول الجاري. كما يدعو مشروع القرار الدول إلى الامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، والرأي الصادر عن محكمة العدل الدولية في تموز الماضي، والذي جاء فيه أن احتلال الكيان للأراضي الفلسطينية غير قانوني، ويجب عليه الانسحاب منها. كما ينص مشروع القرار على عقد مؤتمر دولي خلال الدورة الحالية للجمعية العامة لتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
ورداً على توزيع مشروع القرار، واستباقاً للتصويت المتوقع يوم الأربعاء المقبل– وتكراراً للكلام ذاته الذي استخدموه مراراً وتكراراً بالرد على أي مبادرة، أو قرار، أو نقاش، حول كل ما يتعلق بفلسطين وغزة وعدوان الكيان– دعا سفير الكيان لدى الأمم المتحدة الجمعية العامة إلى «رفض هذا القرار الشائن رفضاً قاطعاً... وتبنّي بدلاً منه قرار يندد بحماس ويدعو إلى الإفراج عن جميع المحتجزين فوراً».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1192