افتتاحية قاسيون 1186: الرقص على حافة الهاوية
تعيش منطقتنا بأسرها، ومعها العالم الأوسع، على تخوم تصعيدٍ كبيرٍ واحتمالات خطرة عديدة. الدافع المباشر لهذه الحالة هو السلوك الأمريكي/«الإسرائيلي» تجاه فلسطين بالدرجة الأولى، وتجاه ملفات المنطقة كافة بالدرجة الثانية. وخاصة مع الانتقال الواضح إلى انتهاج سياسات الإرهاب الممنهج المتمثلة بعمليات الاغتيال السياسي المتتابعة.
قبل أي حديث عن احتمالات المستقبل، ينبغي فهم الجوهر السياسي وراء عمليات الاغتيال التي ينفذها «الإسرائيلي» بالتعاون والتوافق مع الأمريكي، رغم محاولات هذا الأخير نفي تورطه.
جوهر المسألة، هو أنّ كلاً من الأمريكي و«الإسرائيلي»، قد وصلا منذ أشهر إلى حائط مسدود في عدوانهما على غزة، وفشلا في تحقيق أيٍّ من النتائج المطلوبة، وفشلا في منع الخسائر السياسية التي ستترتب على المعركة، ليس على المستوى الفلسطيني فحسب، بل والانعكاسات المتوقعة لتلك الخسائر على المستوى الإقليمي والدولي.
بهذا المعنى، فإنّ عمليات الاغتيال السياسي تؤدي ثلاث وظائف معاً:
أولاً: هي محاولة تعويض سياسية-إعلامية-نفسية، للتغطية على الخسائر السياسية الفعلية، وخلق وهمٍ حول القدرة والقوة.
ثانياً: هي أداة في تصعيد متواصل أحد أهدافه هو ضبط الصف الغربي المتضعضع على المستوى الداخلي لكل دولة بعينها، وعلى مستوى العلاقات بين دوله؛ وذلك عبر خلق وقائع جديدة، يتم على أساسها جرّ المترددين ضمن الصف الغربي للمواقع المطلوبة من المركز الأمريكي، وبالضبط من المركز المهووس بالعولمة المفرطة والسيطرة الشاملة على الكوكب.
ثالثاً: الاغتيالات هي أداة في محاولة إطالة عمر «الفوضى الهجينة الشاملة» التي باتت تشكل الاستراتيجية المركزية والوحيدة لواشنطن، في منطقتنا وحول العالم، في إطار الدفاع عن الهيمنة المتداعية.
بكلامٍ آخر، فإنّ الاغتيالات السياسية، هي من وجهة نظر الأمريكي و«الإسرائيلي»، «حل وسط» بين اتجاهين ليس بمقدورهما المضي في أي منهما؛ فاستمرار الحرب بالنسبة لهما مشكلة، وخاصة إذا توسعت، وإيقافها مشكلة.
من جانب آخر، فإنّ هذه الاغتيالات نفسها، وعملية التصعيد التي تدفع باتجاهها واشنطن ومعها الكيان، تنطوي على تناقض داخليٍ واضح؛ فمخطط «الفوضى الهجينة الشاملة» يتناقض على طول الخط مع الذهاب باتجاه حربٍ مباشرة. ولكن في الوقت نفسه، فإنّ استمرار هذه الفوضى، مع عدم قدرتها على تحقيق أهدافها، وخاصة عبر التفجير الداخلي لجملة دول في الإقليم، بينها مصر والسعودية، يتطلب تصعيداً مستمراً، ينذر بالانتقال إلى الحرب المباشرة.
وبعبارة أخرى، فإنّ الأمريكي ومعه الصهيوني يرقصون على حافة الهاوية، وجوهر المسألة، إذا قلبنا النظر في كل الاحتمالات، سواء الانتقال إلى الحرب المباشرة، أو الاستمرار في التصعيد دون تحقيق نتائج، فإنها ستقودنا إلى نتيجةٍ واحدة، وهي أنّ هذه الاغتيالات التي نراها هي مؤشرٌ مهمٌّ على أنّ الآجال الزمنية المتاحة لاستمرار مشروع الفوضى الهجينة الشاملة قد أوشكت على النفاد، وأننا بتنا على مشارف الدخول في مرحلة شيخوخة وموت هذه الفوضى، ومعها الهيمنة الأمريكية في منطقتنا.
بالنسبة لما سيأتي، فإنّ شكل وحجم وطبيعة الرد الذي ستقوم به قوى المقاومة على عمليات الاغتيال، هو ما سيحدد فيما إذا كان من الممكن للأمريكي والصهيوني أن يتابعوا في نهج الاغتيالات والرقص على حافة الهاوية، أم أنهم سيضطرون لانتهاج أساليب أخرى مختلفة تماماً، بما فيها الخضوع لإجراء صفقة بأسرع وقت ممكن، في إطار محاولة تقليل الخسائر...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1186