افتتاحية قاسيون 1161: هل سيتحرك الملف السوري؟

المنطق المشترك بين كل هذه التفسيرات، هو القول بأنّ الظروف الخارجية هي، وهي وحدها، المحدد الأساسي لحركة الملف السوري من عدمها. وهذا المنطق يتناسب تماماً مع أولئك الذين رفعوا أشرعتهم منذ اللحظة الأولى بانتظار الرياح الخارجية (والغربية تحديداً) لتكون هي المسؤولة عن الحركة وعن اتجاهها.

ينطبق ذلك على المتشددين في كلا الطرفين؛ على الطرف الذي ينام ويصحو على وهم إمكانية التصالح مع الغرب من تحت الطاولة عبر «خطوة مقابل خطوة»، وينطبق على نقيضه الشكلي الذي ما زال يتسول الدعم الغربي رغم أنه بدأ يفهم (ولم يفهم تماماً بعد) أنّ الغرب قد تخلى عنه نهائياً، وأنّه ليس طرفاً في مشروع «خطوة مقابل خطوة».

الظروف الخارجية هي بلا شك، لاعبٌ أساسيٌ في المعادلات المحلية، ولكنها لا تتحول إلى عاملٍ حاسمٍ إلا حين نتخلى نحن السوريين عن دورنا وعن حقنا في تقرير مصيرنا؛ فالحق بتقرير المصير لم يكن في يومٍ من الأيام منحةً أو مكرمةً من أحد، بل دائماً ما كان ينتزع انتزاعاً.

انتزاع حق السوريين في تقرير مصيرهم، يتطلب حلاً سياسياً يعيد توحيد سورية والسوريين ويخرج القوات الأجنبية منها، والطريق الوحيد لهذه الغاية هو التطبيق الكامل للقرار 2254. وضمن هذا الفهم ينبغي للقوى السياسية (على اختلاف تصنيفاتها) العمل على مستويين:

أولاً: ينبغي التخلص بأسرع وقت من أوهام «خطوة مقابل خطوة»؛ فالغرب عدا عن كونه غير قادرٍ على تطبيق مشروعاته، ليس في سورية فقط، بل وفي كل الإقليم، فإنّ تلك المشروعات ليست ضمانةً لوحدة سورية والشعب السوري، بل هي على العكس تماماً، ضمانة لاستمرار الأزمة وتعميقها وصولاً إلى التقسيم وسحق أي دورٍ لاحق لسورية. بالتوازي، على المعارضة السورية، أنْ تتخلص هي الأخرى من الأوهام التي تعلّقها على الغرب، وعلى واشنطن خاصة، والتي أثبتت بكل طريقة ممكنة أنها غير معنية بالوصول إلى أي استقرار من أي نوع في سورية، بل العكس تماماً؛ هي معنية، ولها مصلحة، في تعميق الفوضى الشاملة الهجينة في سورية وفي كل المنطقة.

ثانياً: انطلاقاً من هذا الفهم، ينبغي على الوطنيين السوريين الاستفادة من التوازنات الدولية والإقليمية الجديدة، ولكن ليس عبر مراقبتها وانتظار نتائجها؛ فالمعركة العالمية ستستمر لسنوات أخرى، وجزءٌ منها هو تعميق الخراب في سورية بحيث لا تقوم لها قائمة لاحقاً. ولذا فإنّ الاستفادة الفعلية تكون بتفعيل حق تقرير المصير عبر الانتقال إلى حيّز المبادرة والفعل الإيجابي، والبحث عن حلول وأشكال تُوصل سورية والسوريين إلى التطبيق الكامل للقرار 2254، وعبره إلى التغيير الجذري الشامل.

هل سيتحرك الملف السوري؟ لا، إنْ استمر انتظار الرياح الخارجية... وعدم تحركه لا يعني وقوف الملف مكانه، بل يعني مزيداً من التأزم والخراب. ونعم، سيتحرك مباشرةً في اللحظة التي يقرر فيها الوطنيون السوريون اتخاذ زمام المبادرة؛ فالظرف الدولي والإقليمي مناسب الآن، ومناسبٌ منذ سنوات، ولكن الشرط اللازم لاستثماره هو توفر الإرادة الوطنية التي تفترض تقديم تنازلات للشعب السوري، بعضها مؤلم، ولكن لا مفر منها، والمعنيون بتقديمها سيقدمونها بكل الأحوال في نهاية المطاف، إنْ لم يكن للشعب السوري فللقوى الخارجية...

(English version)