افتتاحية قاسيون 1158: ما المقصود مِن «المناطق الآمنة»؟
بدأت أعمال العنف والأعمال العسكرية في سورية بعد أقل من سنة على انطلاق المظاهرات في آذار 2011. ومع التسيّد التدريجي للعنف الذي انتهى إلى تسيّد كامل للمشهد، بدأت تبرز مصطلحات «مناطق آمنة»، «مناطق عازلة»، «مناطق حظر جوي». وكان أول من طالب بها هم أشخاص وجِهات تم تصنيفهم كمعارضةً سورية، بينما هم في الحقيقة، في غالبيتهم، منفذو أجندات إقليمية ودولية، ساعدوا وقدموا الذرائع اللازمة للفتك بالحركة الشعبية وتخوينها وتحوير مسارها، وساعدوا في نهاية المطاف أقرانهم المتشددين ضمن النظام على منع عملية التغيير الوطني الديمقراطي المطلوبة والمستحقة.
بعد سنوات من ذلك، استعملت تركيا مصطلح «منطقة عازلة» و«منطقة آمنة»، واستخدمته للتوغل العسكري، واحتلال أجزاء من الأرض السورية في الشمال الغربي والشرقي، وبحجة الدفاع عن الأمن القومي التركي.
والآن، تظهر أصوات، ما تزال منخفضة الاتساع والتأثير، تقول بمنطقة «عازلة/آمنة» في الجنوب السوري، وتحت ذريعة محاربة الإتجار بالمخدرات وحماية الأمن الوطني الأردني.
من نافل القول إنّ من حق كل دولة أن تبحث عن السبل الملائمة لحماية أمنها القومي، وخاصة حين تكون جارة لدولة تعيش واحدة من أسوأ وأعمق الأزمات في القرن الواحد والعشرين، وتسودها الفوضى والأوضاع المعيشية اللاإنسانية التي تفتح الأبواب أمام كل الموبقات والأخطار.
ولكن من نافل القول أيضاً، أنّ على أي دولة تريد حماية أمنها القومي، أن تأخذ في الاعتبار أمرين؛ الأول هو الالتزام بالقانون الدولي، وبالدرجة الأولى عدم الاعتداء على سيادة الدول والشعوب الأخرى، والثاني هو البحث عن أساليب تؤمن حلولاً حقيقية، ولا تؤدي إلى تفاقم الأزمات والأخطار، على جيرانها وعليها.
إذا افترضنا أنّ كلاً من تركيا والعراق والأردن، ستقيم «مناطق آمنة» بالنسبة لها ضمن الأراضي السورية، وبعمق هو 30 كم، فإنّ طول حدودنا مع تركيا هو 909 كم، ومع العراق 599 كم، ومع الأردن 375 كم، ما يعني أنّ المساحة الإجمالية لتلك «المناطق الآمنة» المفترضة، هو (1883 X 30) ويساوي 56490 كم مربع، أي أكثر من 30% من إجمالي مساحة سورية! وإذا أضفنا إلى ذلك أنّ هنالك تقسيم أمر واقع قائمٌ أساساً في سورية، فإنّ ذلك سيؤدي إلى تفتيت سورية وإنهائها بشكل كاملٍ؛ فضمن الوضع الحالي، ودون الحديث عن «مناطق آمنة» مفترضة، فإنّ الأرض السورية تحتوي على سبع مناطق متمايزة تقريباً؛ وهي: مناطق سيطرة الحكومة السورية، منطقة إدلب وجزء من محيطها حيث النصرة، مناطق الاحتلال التركي ومعها «الجيش الوطني»، مناطق الشمال الشرقي وضمنها الاحتلال الأمريكي، منطقة التنف وضمنها القواعد الأمريكية والبريطانية، مناطق الجنوب السوري بتعقيداتها وتفاصيلها، والجولان السوري المحتل «إسرائيلياً».
عودٌ على بدء، فإنّ أمام دول الجوار السوري التي تريد الحفاظ على أمنها بشكل قانوني وعملي، أداتان لا ثالثة لهما. الأولى يمكن القول إنها إسعافية، والثانية استراتيجية.
أما الأولى، فهي بالفعل إقامة «مناطق آمنة»، ولكن ليس على الأرض السورية، بل ضمن حدود تلك الدول التي ترى نفسها تحت التهديد، ولتكن هذه المناطق بعمق 30 كم، بل وبعمق 100 كم إن شاءت تلك الدول. قدرة أي دولة على تأمين قسم من أراضيها، وتحويله إلى مساحة آمنة ومراقبة بشكل ممتاز، هو أسهل بألف مرة من تأمين نفسها عبر التورط ضمن أرض دولة أخرى، خاصة، وأنّ أنواع التهديدات التي يجري الحديث عنها، لا تتضمن نيّة أو قدرة أي طرف سوري على احتلال جزء من أراضي الدول المجاورة مثلاً. والحديث يتركز حول المخدرات والإرهاب.
فلتُقِم الأردن مثلاً، منطقة عازلة في أراضيها الشمالية، وهي بالأصل أماكن ليست غزيرة الكثافة السكانية، مما يعني أنّ المهمة أسهل، ولتقطع أيدي شبكات تهريب المخدرات التي تشكل رافعة أساسية لعملية التهريب لا يمكن أن تكتمل دونها، وينتهي الخطر، على الأقل بقسمه الأعظم.
الأداة الثانية، الاستراتيجية، هي الانخراط الفعلي في الدفع نحو استقرار حقيقي في سورية عبر الحل السياسي الشامل على أساس القرار 2254. وهذا يتطلب القطع مع المشاريع الأمريكية-البريطانية والصهيونية في منطقتنا، وضمناً مشروع «خطوة مقابل خطوة» وما شاكله؛ فسورية ستبقى مكاناً خطراً لأهلها، ولجيرانها، ما دامت أزمتها مستمرة، وما دام الحل السياسي الشامل غائباً، والذي يشكل مخرجاً ليس لسورية فقط، بل ولكل دول الجوار. ولذا ليس مستغرباً أنّ الكيان الصهيوني وبينما يتلقى الضربات، يواصل سعيه المحموم لتثبيت أكتاف سورية في وضعها المتردي، ومنع أي احتمالٍ لوقوفها مجدداً، ويساعده بذلك أعداء الحل السياسي في سورية، بمختلف أنماطهم وأشكالهم...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1158