افتتاحية قاسيون 1141: من يقف ضد 2254 ولماذا؟
ينقسم أولئك الذين يقفون ضد تنفيذ القرار 2254 الخاص بحل الأزمة السورية بقيادة وملكية سورية، وعلى أساس حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه على أرضه الموحدة المستقلة، إلى صنفين أساسيين؛ الأول: يوافق على القرار لفظياً، بل ويدّعي دعمه له، في حين يعمل على أرض الواقع كلّ ما يمكنه عمله لمنع تنفيذه. والثاني: هو من يقف ضد تنفيذ القرار علناً. هذان الصنفان موجودان على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
أما الصنف الأول، الذي يدعم لفظياً ويعادي فعلياً، فعلى رأسه تأتي الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الدول الغربية، وضمناً الكيان الصهيوني (بالضبط كما كان موقفهم من اتفاقات مينسك)؛ فمصلحة هؤلاء جميعاً تكمن في استمرار الأزمة في سورية وفي تعمّقها، وصولاً- إنْ أمكن- إلى تثبيت تقسيمات الأمر الواقع، وإلى إنهاء الوجود الجغرافي السياسي لسورية بأسرها. لأنّ تحول سورية إلى ثقبٍ أسود وإلى مركز للفوضى ولتصديرها، يُعتبر هدفاً استراتيجياً سواء بالنسبة للغرب في صراعه مع الصعود الشرقي، الذي يعتبر الاستقرار ممراً إلزامياً نحو تثبيت الصعود والازدهار، أو بالنسبة للكيان الصهيوني الذي يعيش أزمة وجودية في ظل التوازن الدولي الجديد، ويرى في ولادة جديدة لسورية موحدة ومستقرة ضغطاً إضافياً نوعياً سيسرع من مفاعيل أزمته الوجودية.
ضمن هذا الصنف أيضاً، يندرج المتشددون في المعارضة، وإلى حدٍ ما المتشددون في النظام (لأنّ هؤلاء الأخيرين يحاولون تجنب ذكر هذا القرار بخيرٍ أو بِشر، ويتبعون في ذلك أسلوب الإنكار بوصفه وسيلة من وسائل الدفاع النفسي... والسياسي). متشددو المعارضة، يعلنون من باب الاحتيال والتقية أنهم يسعون لتطبيق القرار 2254، بينما كلّ سلوكهم العملي وتصريحاتهم السياسية تصب في معادلة «غالب ومغلوب»، أي في معادلة «الإسقاط والحسم» التي تتعارض بشكل كامل مع معادلة الحل السياسي: معادلة 2254 «لا غالب ولا مغلوب».
وأما الصنف الثاني، فهو ذاك الذي يهاجم 2254 علناً، متذرعاً بأنّ هذا القرار هو «تدخل في السيادة الوطنية»، أو بالقول: إنّه قرارٌ خارجي صادر عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، حيث «السطوة هي للأمريكان». والأكثر بؤساً ضمن هذا الصنف هم أولئك الذين يعتبرون القرار شكلاً من أشكال «التقاسم الإمبريالي لسورية»! المحليون ضمن هذا الصنف، ليسوا في حقيقة الأمر أول من قال بهذه الذرائع، بل هم يكررونها بعد أن سبقهم إليها قسمٌ محدد مما يسمى «يساراً» في أوروبا، وعلى الخصوص القسم التروتسكي/ الصهيوني، الذي يوصّف كلاً من روسيا والصين بأنهما دولتان إمبرياليتان، ويبني تحالفه الفعلي مع الأمريكان والصهاينة تحت هذا القناع.
ينبغي التذكير، بأنّ الأمم المتحدة كمؤسسة، كانت إحدى نتائج توازن دولي جديد في النصف الأول من القرن العشرين، تقدم وفقه المعسكر الاشتراكي وقوى التحرر الوطني بعد الانتصار على النازية. وقد انعكس ذلك ابتداءً من أول فيتو سوفييتي في هذه المؤسسة، والذي كان ضد حصول فرنسا على أي امتيازات مقابل جلائها عن سورية ولبنان. وهذا الاتجاه عبّر عن نفسه أيضاً في القرارات 242 و338 و425 وغيرها.
وعاد أيضاً للتعبير عن نفسه ضمن التوازن الدولي الجديد في سلسلة الفيتوهات التي أخذتها كل من روسيا والصين عبر سنوات الأزمة، والتي منعت تدخلاً عسكرياً خارجياً على الطريقة العراقية في سورية... ووصولاً إلى القرار 2254 الذي شكّل مفصلاً في تطور التوازن الدولي لتشكيل نموذج جديد، تخرج فيه سورية موحدة شعباً وأرضاً من أزمة هي الأعمق في تاريخها، وعبر التوافق بين السوريين أنفسهم.
إنّ ما يوحد أعداء القرار 2254 الداخليين والخارجيين، هو سعيهم وراء مصالح ضيقة هي بالضد تماماً من مصلحة الشعب السوري؛ سواء كانت تلك المصالح مجرد مصالح انتهازية على مستوى أشخاص مستفيدين من الأزمة ومن الإتجار بها، أو كانت تلك مصالح استراتيجية للقوى المعادية للشعوب على العموم، والتي لا مصلحة لها في استقرار وازدهار حقيقي لا في سورية ولا في محيطها الأوسع.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1141