كيف يمكن حماية الحركة الشعبية وتطويرها؟ 8 أفكار

أولاً: السلمية

أهم أداة من أدوات حماية الحركة الشعبية التي لا تزال في بدايات موجتها الجديدة، هو الإصرار على سلميتها إصراراً عنيداً مستمراً مهما تغيرت الظروف. والترجمة العملية لذلك تعني تحييد أية أدوار لمسلحين أو فصائل، بما في ذلك أية أدوار لعسكريين متقاعدين أو غيرهم. الكل أفراداً ومدنيين لهم الحق في الاشتراك في الحراك، ولكن يجب منع أيّ تدخل ذي طابع مسلح، حتى ولو جاء تحت ذريعة حماية الحراك، أو تشكيل لجنة عسكرية لتوحيد السلاح أو إلخ من الحجج والذرائع... فالتجربة السابقة قد علمت الناس، وبالدم، أنّ الحديث عن حماية المتظاهرين قد تحول إلى مقتلٍ لهم ولحركتهم.
الإصرار على السلمية يعني أيضاً استخدام البعد الشعبي للعمل على كبح ومنع أي ظواهر احتكاك واستفزاز وتصعيد وتخويف من تلك التي يجري العمل عليها من خارج الحركة أو من داخلها. وضمناً ينبغي عدم الانجرار وراء الشائعات التي تهدف إلى الاستفزاز والتحشيد والتخويف.

ثانياً: تحييد كذبة نقاط التفتيش

تندرج هذه المسألة ضمن التأكيد على سلمية الحركة، ولكنها تستحق بنداً خاصاً بها لخطورتها؛ حيث يقدم البعض طروحات بضرورة إقامة نقاط تفتيش على طرق رئيسية بذريعة أن الهدف من ذلك هو منع تجارة المخدرات. أولاً، المخدرات عادة لا تمر على الزفت، بل تمر في طرق تهريب بعيدة عن الطرق الرئيسية. ثانياً، ما يحاولون تسميته اليوم نقطة تفتيش، إذا ما تم تنفيذه، سرعان ما سيتحول إلى «حاجز»، وحين يصبح حاجزاً لن يكون «محمياً» بالسلاح فقط، ولكنه أيضاً سيرسم خطوط «مناطق نفوذ»... ما يعني أنه سيتحول إلى أداة في المعركة وذريعة في التخوين، وفوق ذلك كلّه، ومن التجربة السورية المرّة، فإنه سيتحول مع الوقت إلى مطرحٍ للفساد وللنهب ولمحاصرة أهالي المناطق التي يدّعي الدفاع عنها... لذلك كلّه ينبغي الوقوف بصرامة ضد أيّ أفكار من هذا النوع، وفضح أصحاب النوايا السيئة وتوعية أصحاب النوايا الحسنة.

ثالثاً: التأكيد على البعد الوطني

ليس هنالك مخرج لأي منطقة من سورية بمفردها، المخرج هو الحل الجامع الموحد على أساس القرار 2254، ولذا ينبغي التأكيد على البعد الوطني الجامع، ليس فقط عبر التأكيد على 2254، ولكن أيضاً عبر الإبراز المستمر للهوية الوطنية السورية الجامعة وفي الجذر منها الآباء المؤسسون لسورية، قادة الثورة السورية الكبرى ضد المستعمر الفرنسي. وإذا كان العلمان السوريان ذو النجمتين وذو النجوم الثلاث قد استخدما سابقاً لقسم السوريين المنهوبين ضد بعضهم البعض، فينبغي اليوم استخدامهما لتوحيدهما، ولذا فإنّ الإقرار بسوريّتهما معاً هو المخرج المؤقت إلى حين الوصول إلى الحل السياسي والدستور الجديد الذي يتوافق فيه كل السوريين على العلم والنشيد وإلخ.

رابعاً: العداء للصهيوني يجمعنا

ضمن البعد الوطني أيضاً، فإن السوريين اليوم منقسمون في مواقفهم من القوى الدولية والإقليمية المختلفة، ولكنهم يجتمعون في عدائهم للصهيوني، وهذا الأمر يجب إبرازه بكل شكلٍ وبكل وسيلة ممكنة، ليس فقط لأنه يجمع السوريين حقاً وفعلاً، بل ولأنّ الإصرار على هذا الجامع يقطع الطريق على المتشددين من كل الأطراف الذين يحاولون ركوب الحركة ودفعها للعمل ضد مصلحتها... ولأنّ العداء الشعبي والحقيقي للصهيوني، وليس الشعاراتي، هو مدخل أساسي في بناء سورية جديدة مستقلة موحدة وعزيزة.

خامساً: الكرامة والجوع

ينبغي عدم الخضوع للإرهاب الفكري الذي تتم ممارسته عبر وسائل الإعلام من جانب متشددي المعارضة، الذين يفرقون بين ما يسمونه «ثورة كرامة» و«ثورة جوع»؛ لأنّ هؤلاء إما مغفلون وحمقى، وإما متعالون متكبرون على جراح الناس، وإما أصحاب نوايا سيئة، ولا شيء آخر. وينبغي الانتباه خصوصاً إلى فكرة النوايا السيئة لأنها الجوهر المحرك لكلام من هذا النوع. ما يجمع 90% من السوريين هو أنهم منهوبون وأنّ النظام الاقتصادي الاجتماعي القائم، وفي مختلف مناطق النفوذ، يعمل ضد مصالحهم ولمصلحة تجار الحرب والفاسدين الكبار. محاولة إلغاء البعد الاقتصادي الاجتماعي، يعني العمل على منع توحيد هؤلاء الـ90%، ويعني ضمناً تقسيمهم وضربهم ببعضهم البعض، وهذا ما عمل عليه المتشددون في كل من النظام والمعارضة طوال السنوات الماضية. ولذا ليس مسموحاً اليوم أن يتم تكرار المسرحية الهزلية نفسها. المطالب الاقتصادية الاجتماعية هي مطالب سياسية في الجوهر، ولا ينتقص منها ومن أهميتها إلا النصابون الذين يريدون امتطاء الحركة لتحقيق عملية «تداول سلطة» أو «تقسيم سلطة» تكون نتيجتها إحلال ناهبين جدد محل الناهبين القدامى... ولدى السوريين مثال ملموس على هؤلاء أنفسهم الذين ينظرون بتعالٍ لما يسمونه «ثورة جوع» في المناطق التي يسيطرون عليها... فهم يكررون نفس السلوك الفاسد وحواجزهم مثل كل الحواجز الأخرى، تؤدي نفس الوظائف... فهل تحققت كرامة الناس في مناطقهم؟ لا، وهل تمت حماية الناس في مناطقهم من غائلة الجوع، أيضاً لا... إذاً، تمسكوا بالمطلب الاقتصادي الاجتماعي ولا تخجلوا به، من عليه أن يخجل هو من سبب الجوع والفقر والقهر، وليس من وقع عليه...

سادساً: لا تتركوا الإعلام يتحكم

إنّ التحرك على الأرض وحده ليس كافياً لحماية الحركة وتطويرها، بل يجب على الفاعلين على الأرض أن يراقبوا وسائل الإعلام المختلفة، بما فيها صفحات الفيسبوك وقنوات التلفزيون، وأن يحاسبوها على التخريب الذي تقوم به، وعلى عملها على إظهار أشياء والتركيز عليها وإخفاء أشياء أخرى... على سبيل المثال، ودون ذكر مباشر لاسم إحدى الصفحات التي تصور نفسها أحد منابر الاحتجاج، قام مسؤولو الصفحة بإجراء مقابلة قصيرة مع أحد المتظاهرين، وعبّر هذا المتظاهر خلال المقابلة عن أنّ السوريين يريدون خروج كل القوات الأجنبية من سورية، وعلى رأسها الاحتلال «الإسرائيلي» من الجولان السوري المحتل. قامت الصفحة المعنية بحذف 10 ثوانٍ فقط هي التي قال فيها الشاب هذا الكلام. هذا يعني أنّ من يديرون هذه الصفحة، إما أنهم يعملون لدى المتشددين في النظام ويريدون تخوين الحركة ومنع إظهار بعدها الوطني، أو يعملون لدى «الإسرائيلي»، وليس هناك أي احتمالٍ ثالث... مثل هؤلاء ينبغي إبعادهم نهائياً عن أي موقع تأثير على الحركة، ويجب فضحهم وعزلهم، لأنهم أعداء للناس وأعداء للحركة...

سابعاً: النفس الطويل ومنع استنزاف الناس

ينبغي للحركة أن تتحلى بالنفس الطويل، وألا تقبل بالأقاويل التي تروج أنّ أي يوم انقطاع في الحركة أو في «الإضراب»، سيعني موت الحركة. هؤلاء لا يؤمنون بالناس ولا بقدرتهم على التغيير، ويتعاملون وفق منطق «قربت» و«خلصت»، ولا يستندون إلى أنّ الحركة عليها أن تأخذ وقتها في التطور، وأهم أداة في تطورها هي عدم جرها إلى التناقض مع أولئك الذين لا يشتركون فيها لسبب أو لآخر، وأيضاً عدم استنزاف المشتركين فيها؛ فهؤلاء لديهم عائلات وأشغال وأرزاق بالكاد يستطيعون إعالتها وتحصيلها، ولذا ينبغي أن تقوى الحركة بتوسيع صفوفها وبتنظيمها وبتنويع أشكالها وليس عبر «التناحة» خاصة إذا كانت بجهود الآخرين وليس بجهود «المتنحين» أنفسهم، كما هي حقيقة الأمر من داخل الحركة!

ثامناً: تصويب الشعارات

ينبغي أن يكون واضحاً أنّ أجزاء كبرى ممن لم يشتركوا في الحركة حتى اللحظة منقسمون بين متعاطف ومتردد وخائف ورافض. هؤلاء، من أبناء الـ90%، ينبغي النقاش معهم وأخذ آرائهم على محمل الجد، وليس التعالي عليهم وفق منطق «مجلس قيادة الثورة»، حيث هنالك «ثوار»، أبطال وشجعان، وبقية الناس جبناء ومتخاذلون... هذا الكلام بعيد كل البعد عن حقائق الأمور، فمن لا يشاركون حتى اللحظة ليسوا أقل شجاعة من المشاركين، وليسوا أقل وطنية بحالٍ من الأحوال، ولكنّ تكرار شعارات وأشكال 2011 يجعلهم يستنفرون ضد الحركة، أو على الأقل يخشونها ويخشون مآلاتها، ومعهم كل الحق في ذلك، لأنّ من يجرب المجرب عقله مخرب، ولذا فإنّ أهم حماية للحركة هي توسيع صفوفها، وتوسيع صفوفها يتم بتصويب الشعارات التي ترفعها، والهتافات التي تقولها... ولا يقولن أحد إنّ شعارات معينة قد سادت ولا يمكن تغييرها. هذا كلام عاجزين، وليس كلام ثوريين حقيقيين. الثوري الحقيقي يصوب الأخطاء بشكل مستمر لأنه يعلم أنّ السير قدماً يحتاج بشكل مستمر إلى تصويب الأخطاء، وبغير ذلك فإنّ الحركة لا يمكنها أن تتطور، وهذا يحتاج شجاعة حقيقية أخلاقية وسياسية ووطنية للقيام به... وهو قابل للتحقيق.