عن الإضراب مرة أخرى
تناولت مادة سابقة في قاسيون موضوع الإضراب كأحد الأشكال التي يمكن أن تلجأ لها الحركة الشعبية ولكن ضمن شروط محددة في القلب منها وجود إجماع شعبي عليه، ويمكن الرجوع إلى هذه المادة عبر الرابط: «الإضراب وقطع الطرق دون إجماعٍ شعبي، يضر بالحركة ويعزلها».
المسألة لا تزال محل نقاشٍ بين أطر الشبان المنخرطين في الحركة. وقد ظهرت خلال الأيام الماضية آراء عاقلة تقول بأنّه ينبغي تحويل الإضراب إلى الشكل الرمزي، بحيث لا يتم تعطيل مصالح الناس وأشغالها، وبحيث لا تعزل الحركة نفسها عبر قَسم المنهوبين ضد بعضهم البعض، وأيضاً لتجنب استخدام المتشددين لهذه المسألة كذريعة لمهاجمة الحركة سياسياً والتشهير بها وقسم الرأي العام حولها.
بمقابل هذه الآراء، ظهرت آراء ضمن الحركة نفسها تعارض تحويل الإضراب إلى عملٍ رمزي، وتصر على استمراره وحجتها أنّ هذا سيبدو تراجعاً وسيظهر الحركة بمظهر الضعف!
الحركة الشعبية لا تتطور ولا تسير إلى الأمام إلا عبر توسيع الإجماع الشعبي عليها، وعبر التصويب المستمر لما تقوم به من أفعالٍ ونشاطات. والتمسك بأي سلوك أو شكلٍ أو شعار خاطئ بحجة «عدم التراجع»، هو أفضل وصفة للإساءة إلى الحركة ولإضعافها.
مرة أخرى ينبغي التذكير بالنقاط الأساسية التالية بما يخص فكرة الإضراب:
أولاً، كل تجارب التاريخ، والتجربة السورية على الخصوص، تقول إنّ «العصيان المدني» وكذلك «الإضراب» ينجح بتحقيق أهدافه فقط في حال حاز إجماعاً شعبياً كافياً. وعلى العكس من ذلك، في حال تم فرضه فرضاً من جانب قسم من الناس، فإنّه يأتي بنتائج عكسية ويقسم الناس على بعضها البعض. وحالة الإجماع الشعبي هذه ليست متحققة حتى اللحظة، وخاصة في هذه المسألة، أي مسألة قطع الطرق وإغلاق المؤسسات.
ثانياً، المجموعات التي ترى نفسها قيادة للحراك، والتي تدفع بهذا الاتجاه، عليها أن تعيد حساباتها وأن تتحلى بالتواضع وألا تتعامل مع نفسها وكأنها «مجلس قيادة ثورة» وتكرر بذلك التجارب المرة التي شهدناها في أماكن متعددة من سورية. يجب على هذه المجموعات أن تفتح النقاش مع الناس وأن تحاول إقناعهم وتتصرف بحكمة مع مخاوفهم المحقة، وخاصة منها المخاوف من تكرار المكرر وتجارب النسخ واللصق التي تحاول تكرار 2011 بنفس الأشكال والشعارات. فحتى اللحظة ورغم أنّ عدداً أكبر من الناس يشارك في الاحتجاجات إلا أنّ الحالة لم تتحول حتى اللحظة إلى حركة شعبية متكاملة، وعدم الاستماع إلى الناس والتعالي عليهم وعلى مخاوفهم سيعيق تطور الحركة ويعزلها بشكل سريع، وسيقود نحو خيبة أمل جديدة.
ثالثاً، ينبغي السؤال قبل كل شيء، على من يضغط قطع الطرق؟ على من يضغط إغلاق المؤسسات؟ هل يضغط على النظام؟ قطعاً لا، بل ولا يؤثر على المتشددين ضمنه لا من قريب ولا من بعيد. أكثر من ذلك فهو يعطيهم ذرائع إضافية لمهاجمة احتجاجات الناس إعلامياً وسياسياً والإساءة إليها. بالمقابل، فالمؤكد أنّ قطع الطرق وإغلاق المؤسسات يضغط على الناس، يضغط على الـ90% المنهوبين، وعلى الأشد احتياجاً بينهم الذين يعيشون يوماً بيوم، على أعمال المياومة المختلفة، وعلى أعمال البيع والشراء والنقل البسيطة. وهؤلاء ربما يحتملون يوماً ويومين وأسبوعاً من تعطل أعمالهم لكنهم لا يمكن أن يتحملوا أكثر من ذلك...
رابعاً: ينبغي الانتباه، ووفقاً للتجربة السورية، إلى أنّ قطع الطرق على الخصوص هو الحالة الجنينية لإنشاء «الحواجز»، والناس تعرف جيداً ما الذي تعنيه الحواجز وما الذي يعنيه استمرارها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1138