حول الثورة الوطنية الديمقراطية المعاصرة في مشروع البرنامج
نشرت قاسيون في عددها رقم 1125 مداخلة للرفيق عماد بيضون في إطار نقاش مشروع البرنامج. ناقشت المداخلة عدداً من القضايا في المشروع أهمها: مفهوم «الثورة الوطنية الديمقراطية المعاصرة».
جوهر الفكرة التي تقولها المداخلة: هي أنّ هذا الهدف، أي الثورة الوطنية الديمقراطية المعاصرة، بات متخلفاً عن الواقع في سورية بعد 12 عاماً من انفجار الأزمة، وبعد تهتك دور البرجوازية في سورية بشرائحها المختلفة، وأنّ الهدف الذي يجب وضعه والذي يمكن تحقيقه هو الثورة الاشتراكية.
كيف ورد هذا المفهوم ضمن المشروع؟
من المفيد بداية، أن نورد هنا الاقتباسات الحرفية من مشروع البرنامج التي جاءت على ذكر الثورة الوطنية الديمقراطية المعاصرة، وهي كالتالي:
«... عملية الفرز هذه وعبر الحلّ السياسي، هي الطريق الوحيد لإنجاز الاستحقاقات التاريخية المطلوبة، والمتمثّلة في الحالة السورية بإنهاء الكارثة وباستعادة وحدة البلاد ووحدة شعبها واستقلالها وسيادة شعبها عليها، وصولاً إلى الثورة الوطنية الديمقراطية المعاصرة، ثورة تندمج فيها مهام الثورة الوطنية الديمقراطية بطابعها السياسي- الديمقراطي مع المهام الاجتماعية الطبقية العميقة».
«ثورةٌ كهذه هي استكمالٌ لمهام حركة التحرّر الوطني، وما يعني منطقتَنا بشكلٍ أساسيّ ضِمن هذا السياق، هو تحريرُ كامل الأراضي العربية المحتلّة، وعلى رأسها الجولان وفلسطين التاريخية، وحلُّ القضيّة الكردية على أساس تحقيقِ كاملِ الحقوق الثقافية والمدنيّة للسوريين الأكراد».
«... يحمل الموقف المتكامل أهميةً إضافية في عصر الثورة الوطنية الديمقراطية المعاصرة، باعتبارها المهمة الواجب تحقيقُها في بلدان العالم الثالث، وفي بلدنا سورية، باعتبارها ثورةً تندمج فيها المهام السياسية الديمقراطية الوطنية العامة، مع المهام الاقتصادية- الاجتماعية اندماجاً عميقاً».
الاقتباسات السابقة هي كل المواضع التي ذكرت ضمنها الثورة الوطنية الديمقراطية المعاصرة، وهي موزعة في قسمين من البرنامج: «الرؤية»، و«المرحلة ومهامنا».
المعاصرة!
أول ما ينبغي أن يلفت الانتباه، هو أنّ الحديث يجري عن ثورة وطنية ديمقراطية معاصرة؛ أي أنّ مشروع البرنامج يحدد عبر إضافة كلمة «المعاصرة» أننا أمام مفهوم جديد، هو ليس الثورة الوطنية الديمقراطية التقليدية، أي البرجوازية، وليس الثورة الاشتراكية. وأيضاً ينبغي عدم التعجل والاستسهال والتبسيط بالقول: إذاً هي مرحلة بين مرحلتين، أي هي طورٌ أعلى من الثورة الوطنية الديمقراطية (البرجوازية) وأخفض من الثورة الاشتراكية... هذا الفهم هو الذي تقدمه مداخلة الرفيق عماد في المادة المشار إليها.
لتأصيل الموضوع أكثر، ينبغي أيضاً الانتباه إلى أنّ هذا المصطلح- المفهوم، ليس بصياغته العامة فقط، ولكن بتفاصيله أيضاً، هو عملٌ تراكمي للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين. وهذا العمل مؤسس بدرجة كبيرة على فهم الأزمة الرأسمالية في طورها الراهن، وعلى فهم معادلة (مركز- أطراف) العالمية، أي فهم الاستعمار بصيغته الراهنة ودور منطقتنا وبلدنا فيه. وضمن هذا الفهم فإنّ بين أبرز أساسات المفهوم موضع النقاش، ما سبق أنْ قاله الحزب مراراً:
لم يعد ممكناً إنجاز أيّ نمو حقيقي، عالمياً وإقليمياً ومحلياً، دون إعادة توزيع حقيقية للثروة لمصلحة أصحاب الأجور.
وعليه كان أحد الشعارات والأهداف الأساسية التي رفعها الحزب وما يزال، هو «أعمق عدالة اجتماعية لأعلى نمو»، وتحقيق هذا الأمر نفسه هو أحد مندرجات مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية المعاصرة التي «تندمج فيها مهام الثورة الوطنية الديمقراطية بطابعها السياسي- الديمقراطي مع المهام الاجتماعية الطبقية العميقة».
فلننظر للواقع...
إذا وضعنا التسميات كلها جانباً، وحاولنا النظر إلى الواقع السوري، ومعه بطبيعة الحال الواقع الإقليمي والعالمي، لتحديد المهام الواجب تنفيذها لمصلحة أصحاب الأجور (أي الشعب السوري = أكثر من 90% من السوريين)، ضمن الـ 5 سنوات القادمة (وهو الإطار الزمني الأقصى الذي يتم وضع أي مشروع برنامج للتعامل معه)، إذاً لوجدنا أننا أمام مهمتين كبريين مترابطتين ومتداخلتين، وتتفرع عنهما كل المهام الأخرى:
مهمة سياسية- ديمقراطية: تتمثل باستعادة وحدة البلاد ووحدة شعبها وإنهاء الوجود الأجنبي، بما في ذلك استعادة الجولان السوري المحتل، والانتقال السياسي نحو نظام جديد قادر على تحقيق هذه الأهداف، وعبر الحل السياسي والقرار 2254 الذي يقول بتفاوض وحوار يشمل كل المكونات السياسية، والتي بمعظمها تمثل شرائح متعددة من البرجوازية المحلية والدولية... (أي أن تلك البرجوازية ستكون حُكماً شريكاً له وزنه في السلطة على الأقل ضمن المرحلة الانتقالية... هل يمكن أن تكون البرجوازية شريكاً ذا وزن في سلطة اشتراكية؟!). بهذا المعنى، وإذا أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع الناس، وألا يكون رفعنا للشعارات أمراً شعاراتياً بالطريقة التجارية السائدة، فإنّ رفع شعار الثورة الاشتراكية للتطبيق الآن، سيعني ضمناً: أننا ضد الحل السياسي، وضد القرار 2254! لأنّ ثورةً اشتراكية تعني بوضوح استلام الطبقة العاملة وممثليها وممثلي أصحاب الأجور للسلطة، وهذا ما لا يمكن تحقيقه ضمن الأجل الافتراضي للبرنامج أي حوالي 5 سنوات قادمة.
مهمة اقتصادية- اجتماعية: تتمثل في إعادة البلاد للحياة، بما يتضمنه ذلك من إعادة إعمار، وعودة قسم على الأقل من اللاجئين وخاصة الكفاءات، وإعادة توزيع الثروة (أي العدالة) بما يكفي على الأقل لتحقيق مهام النمو وعودة الدورة الاقتصادية، وإعادة توحيد البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. فلنتذكر أنّ الثورة الاشتراكية لا يمكن أن تتم دون توفير حاملها المادي والاجتماعي؛ وعملية إعادة توحيد البلاد، وإعادة الإعمار وإعادة توزيع الثروة وعودة قسم من اللاجئين وإلخ، هي مفردات أساسية ولا غنى عنها في تأمين الحامل المادي والاجتماعي للثورة الاشتراكية في سورية، ناهيك عن الحامل التكنولوجي لها... وناهيك عن أنّ الثورة الاشتراكية، بل وأية ثورة من أي نوع، في عصرنا هذا، وبحكم درجة التشابك الهائلة لكامل المنظومة العالمية، باتت أبعد بكثير من مجرد الاستناد إلى العوامل الداخلية في الدولة المعنية...
عودٌ على بدء
مرة أخرى، ينبغي الانتباه إلى أنّ مقاربة مفهوم «الثورة الوطنية الديمقراطية المعاصرة» وكأنه مفهوم رياضي بسيط يمكن توصيفه باستخدام إشارات (أكبر من) و(أصغر من)، أي بوضعه بين الثورة البرجوازية والثورة الاشتراكية، هي مقاربة محكومة بالفشل؛ لأنّ هذا المفهوم الذي يطرحه مشروع البرنامج، وإذ يستند إلى النظرية، إلا أنه مشتق من الواقع ومتطلباته، وليس من الوصفات النظرية الموجودة في الكتب. وبالمعنى النظري، إذا أردنا التبسيط، فهي (أي المعاصرة) تتعامل مع مهامٍ ينتمي قسم منها لمهام الثورة البرجوازية، وقسم ثانٍ لمهام الثورة الاشتراكية، وقسم ثالث لمهام جديدة ملموسة يفرضها الواقع الجديد العالمي والإقليمي والمحلي.
ختاماً، فإنه ربما يكون من المفيد ضمن مشروع البرنامج أن يتم توسيع شرح مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية المعاصرة لتجنب التبسيط وسوء الفهم، وخاصة منه التبسيط باستخدام إشارات (أكبر من) و(أصغر من). وأن يتم التوسيع بالاستناد إلى أدبيات الحزب نفسه خلال الفترة المنصرمة؛ إذ لا حاجة لإعادة اختراع العجلة ضمن مشروع البرنامج.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1127