النظرية الحزبية واللا حزبية
على هامش النقاشات حول مشروع برنامج حزب الإرادة الشعبية ننشر ما كتبه إبراهيم كرد وهو نقاش حول مفهوم التحزب الإيديولوجي، رغم عدم كونه نقاشاً مباشراً في مشروع البرنامج، إلا أنه يصب في فكر برامج الأحزاب ومعناها عموماً.
كل فلسفة أو إيديولوجيا هي متحزبة، وخاصة في المرحلة المعاصرة، ويدور صراع الإيديولوجيات السياسية والفلسفية بين الفلسفة المادية والمثالية، وهو صراع وتناقض بين الفلسفة في التحليل والمعالجة لجدلية الواقع المادي والفكري، أي بين القوى التقدمية الصاعدة، وبين القوى الرجعية في كل عصور التاريخ، هذا الصراع بين الفلسفة الديالكتيكية والميتافيزيقية، هو صراع المصالح الاقتصادية الطبقية في المجتمع بين القديم والجديد.
وينعكس هذا الصراع بشكل خاص في نضال الأحزاب والطبقات، وفي الأيديولوجيا.
السؤال: من يقود هذا الصراع بين الفلسفتين المتضادتين: هو الحزب المنظم للطبقة العاملة لإزالة الاضطهاد القومي والطبقي الاستغلالي.
ومن أجل صمود الجماهير والطبقة العاملة والشغيلة في مسيرة النضال، لا بد من حزب سياسي ثوري وفق قانون الديالكتيك الذي يستند إلى قانون المعرفة لرفع وعي الشغيلة إلى مستوى الطليعة الحزبية. وهو أجل الأعمال عمقاً وبعداً في الصراع.
لا بد من ثقافة فلسفية علمية حزبية لتكون مصباحاً للوعي الفردي والجماعي، ولكشف مجموعة العلاقات الاقتصادية والسياسية في المجتمع، وزرع الوعي الاجتماعي من خلال الحزب الثوري الطبقي، لكي تتمكن الجماهير والشغيلة من مجابهة الفلسفة الرجعية والتيوقراطية، وهي ثقافة وإيديولوجيا ميتافيزيقية تتبناها الرجعية لمجابهة قوى الاشتراكية العلمية من أجل تأمين مصالحها الطبقية، وهي أيضاً حزبية. يقول غوركي: أنا حزب لفلسفة تنبعث من الأرض، ومن أطوار العمل، ومن الضروري أن نسخر قواه لأجل الإنسانية. ويضيف أيضاً: في العالم فكرتان، واحدة: تنظر بجرأة في ظلام الحياة الغامضة وتسعى إلى حل هذا الغموض. والثانية: تقول بأن هذه الأسرار لا تفسر، وتعبدها خوفاً منها، وتؤمن بأن العالم مجهول إلى الأبد.
لذلك كل فلسفة وفكرة تتبناها أحزاب منها علمانية وميتافيزيقية أو اشتراكية هي حزبية. لذلك فإن نفي الحزبية في الصراعات الإيديولوجية الفلسفية يعادل تماماً تجريد الطبقة العاملة والشغيلة وحركة التحرر الاجتماعي والقومي من سلاحها، لصالح الرجعية والتيوقراطية والبرجوازية الطفيلية الليبرالية والفاشية المرتبطة مع الاحتكارات الاستعمارية التي تولد الحروب. أي لا بد من وضوح فكري فلسفي علمي، والنظرة التقدمية المتجددة وعياً وتنظيماً ونضالاً بقيادة حزب ثوري طبقي للجماهير.
أما النظرية اللاحزبية، ومحاربتها للنظرية الحزبية بشكل مكشوف أو خفي، تعد خرقاً واضحاً للمعايير العلمية بتفسير الظواهر الاجتماعية، أي نفي الصراع الطبقي وجدلية الواقع المادي والفكري.
إن من يدافع عن النظرية اللاحزبية، إنما يخدم مصالح الطبقة الحاكمة لإخفاء حقيقة جدلية الواقع التناحري، أي خداعاً ونفاقاً وتشويهاً لصراع الطبقات الاقتصادي والسياسي للجماهير والشغيلة والمثقفين الوطنيين والثوريين. فالنظرية اللاحزبية مفهوم رجعي متناقض مع المعايير الديالكتيكية العلمية والمادية التاريخية.
فأصحاب النظرية اللاحزبية يخدعون الناس والجماهير لإبعادهم عن الأحزاب الثورية العلمانيةـ وذلك لقتل الحس السياسي للناس، فهؤلاء أصحاب الرؤوس المشوشة يصطادون في الماء العكر لتوجيه الناس في اتجاهات لا تخدم مصالح الجماهير. بل تخدم مصالح رأس المال. وتفاهتهم تكشف عن السير المرعب ضد الإيديولوجيات الفلسفية العلمية في النظرية والعمل. لأنه لا يمكن أن توجد فلسفة إيديولوجية خارج الصراع الطبقي في المجتمع التناحري بين الطبقات.
فأصحاب النظرية اللاحزبية وبكل خبثٍ، يشوشون السياسة ويحرفون الحقيقة وجدلية الواقع المادي والفكري.
قال لينين:
إن من يدافع عن النظرية اللاحزبية دون أن يعي ذلك، إنما يدافع ويخضع لمصالح الحزب المسيطر والحاكم، وهو ضار بشكل مستور.
ولكن الجماهير غير المنظمة، غير مؤهلة للنضال السياسي، وقد تتحول إلى لعبة في أيدي السياسيين الطفيليين والتيوقراطيين والديكتاتورية لخدمة مصالحهم، وهي وسيلة تحمل في طياتها عواقب وخيمة خداعاً وتضليلاً واحتكاراً للسلطة، وهذه العواقب تخلق الأزمات في المجتمع الذي تحكمه الأقلية، وتكثر البطالة، ويزداد الاضطهاد، وتباع العدالة في الأسواق، ويؤدي ذلك إلى ضعفٍ اقتصادي، ومن ثم إلى الأزمة السياسية للطبقة الحاكمة، ويزداد دور البرجوازية الطفيلية والتيوقراطية بين الجماهير اللاحزبية واللاواعية سياسياً. لذلك أي نشاط عملي سياسي بدون نظرية سيكون النشاط ميتاً وستكون المعرفة ميتة.
ولا بد للحزب من أن يسترشد بالنظرية العلمية كدليل للعمل والفعل لتنوير الجماهير ونشر المعرفة والثقافة لمعرفة عمليات العالم في وجودها الحي كوحدة متضادات، والخيط الأحمر للحزب هو الاقتصاد السياسي وأصول الفلسفة العلمية المادية، وبالتأكيد، يكون الحزب الثوري نبع الثقافة والوعي الاجتماعي لمعرفة الواقع وتفسيره لتغييره. ولا تمتلك النظرية اللاحزبية مثل هذا النبع، أما المعرفة الحزبية المتناغمة مع التثقيف الذاتي ومع المنهج المادي، فهي من تستطيع توعية الجماهير. لكيلا يكونوا أسرى الجمود في الحركة المطلقة، أو ما يسمى بحزب الحركة، وهو الدور الفعال.
لأن الثقافة التقدمية التي تهدف إلى إزالة الاضطهاد، ووصولاً إلى الانعتاق الاجتماعي كبنية إيديولوجية فلسفية هي حزبية في الواقع، تتغلغل كقوة فاعلة في أنسجة المجتمع، ولكن لا يمكن لأي حزب ثوري مثقف ومنظم ومناضل أن يلعب الدور القيادي إذا لم ينشر هذه التوعية بين الجماهير، وكذلك لا يلعب الحزب الدور القيادي ما لم يساعد العمال على تنظيم أنفسهم ليصبحوا قوة مادية شعبية للنضال ومحاربة الأوهام والخرافات التي تنشرها الفلسفة الميتافيزيقية، أو أصحاب ضيق الأفق الفلسفي.
ولمعرفة حركة المادة التاريخية والمنطقية، على القيادة الطليعية في حزب الطبقة العاملة، نشر التثقيف الضروري للجماهير بعيداً عن الانتهازية. وأن نفكر بما هو ممكن وقابل للتحقيق، وما هو غير ممكن وغير قابل للتحقيق، وألا نجعل من رغباتنا حقيقة واقعية.
بما أن الحركة دائمة في الحياة ولا تتوقف بالمطلق، تظهر في النشاط العملي والنظري أفكار جديدة وإيديولوجيات جديدة، أساسها التطور الاقتصادي السياسي. وعلى الحزب المناضل وجمع المناضلين من أجل الحياة الأفضل- وهم ممثلو الاشتراكية العلمية كجزء من الحضارة الإنسانية- عليهم تسليح الجماهير والشغيلة بأصول الفلسفة الماركسية اللينينية، والتي تشكل أداة تحليل للواقع المادي والفكري وجدليته. في ظل الأزمات والتوتر السياسي الذي يؤدي إلى كارثة إنسانية.
قال لينين: كان ماركس وانجلز في الفلسفة حزبيين. وتخشى البرجوازية من فلسفة العمال وتحاربها، لأن الفلسفة تأخذ طابعاً طبقياً، وهناك فلسفة غامضة ومضرة.
قال ديكارت: هناك فلسفة واضحة ومفيدة.
وقال لينين: لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1127