فرانس 24: في مديح «جبهة النصرة»!
سعد صائب سعد صائب

فرانس 24: في مديح «جبهة النصرة»!

لم تعد مسألةً نادرة أن يقع المتابع للشأن السوري على مقالات وتقارير إعلامية غربية متنوعة، تسعى لنزع الصفة الإرهابية عن جبهة النصرة. الجديد هو كثافة هذه التقارير من جهة، ومن جهة أخرى تعدّيها للساحة الأمريكية؛ فطوال أكثر من خمس سنوات مضت كانت التصريحات والتلميحات والتقارير والمقالات التي تتبع نهج «سورنة النصرة» أي محاولة تقديمها كجهة سورية، وليس كمجموعة إرهابية، محصورة إلى حد بعيد بالحدود الأمريكية، ولكنها اليوم تتعداها لتخرج على التلفزة الفرنسية الرسمية.

محطات «أمريكية» أساسية في تبييض النصرة

بثت القناة الفرنسية الرسمية (فرانس 24) يوم أمس لقاءً مع صحفي مختص بالحركات الجهادية يعمل لحسابها، هو الصحفي وسيم نصر، والذي كان قد أجرى زيارة لإدلب التقى خلالها بالجولاني وبأبي ماريا القحطاني، وجال في إدلب ومحيطها.
قبل الحديث عن مضمون ما قاله نصر، وعما قالته فرانس 24 عملياً من خلال هذا اللقاء، من المفيد التذكير سريعاً بعدة محطات أساسية في عملية «سورنة النصرة». هذه المحطات كانت جميعها أمريكية صِرفة، بل إنّ الموقف الرسمي وشبه الرسمي الأوروبي كان يبدو معارضاً لتلك المحطات، ولكن جاء فيما يبدو الوقت الذي بات الانصهار فيه بالموقف الأمريكي من النصرة مسألة «ضرورية» أو «إجبارية»، من وجهة نظر الحكومات الأوروبية.

بين أهم هذه المحطات ما يلي:

أولاً: ضمن سلسلة التقارير التي يصدرها معهد راند الأمريكي المعروف، المتعلقة بسورية، والمسماة «سلام لأجل سورية»، كانت النسخة الرابعة التي تم نشرها في 30/11/2017 نقلةً نوعيةً. حملت النسخة الرابعة عنواناً هو «مقاربة من الأسفل إلى الأعلى»، وثبتت الأساس النظري للتعامل مع مناطق النفوذ المنفصلة في سورية بوصفه الطريق الوحيد للوصول إلى حل، وهو ما أسمته بالحل من أدنى إلى أعلى، وشمل التقرير صراحة إشراك «المجالس المحلية» في إدلب في هذه العملية، والتي كانت في حينه تابعة بجلها بشكل مباشر للنصرة... وسبق أن ناقشت قاسيون هذا التقرير بشكل أوسع.

ثانياً: التصريح الشهير لجيمس جيفري يوم 30/1/2020 (تم حذف رابطه الأصلي عن موقع الخارجية الأمريكية!) والذي قال فيه: «الولايات المتحدة تقر بوجود إرهابيين في إدلب، وهناك مجموعة كبيرة من النصرة وهيئة تحرير الشام، وهي متفرعة من القاعدة، وتعتبر منظمة إرهابية، ولكنها تركز بشكل أساس على قتال النظام السوري وروسيا، وهم يدّعون أنهم وطنيون ومقاتلون معارضون وليسوا إرهابيين، ونحن لم نقبل هذا الادعاء بعد، ولكن لم نر أنهم شكلوا تهديداً دولياً منذ فترة». وأتبعه بجملة تصريحات فريدة ضمن الفيلم الوثائقي «الجهادي» الذي أنتجته PBS الأمريكية عام 2021. بين هذه التصريحات ما يلي: «النصرة تشبه قوى المقاومة، أو حركات التحرر الوطني، أو غيرها من الحركات التي تستخدم الإرهاب أحياناً كتكتيك». و«هُم [أي النصرة] لا يلاحقون المدنيين». أبعد من ذلك، فقد قال صراحة بأن الولايات المتحدة لا تستهدف النصرة بأي شكل من الأشكال.

ثالثاً: مقابلة «مركز الأزمات الدولية» الأمريكيICG ، مع الجولان، والتي تم نشرها في 20 شباط 2020، أي بعد ثلاثة أسابيع من تصريح جيفري آنف الذكر، وكانت أول مقابلة بهذا المستوى الإعلامي مع الجولاني من قبل وسيلة غربية، وتمركزت المقابلة بأكملها، كما أوضحت قاسيون في حينه، حول ميل النصرة نحو التخلص من صفتها الإرهابية، وقيامها بأفعال ملموسة بهذا الاتجاه وفقاً لـICG.

رابعاً: تقرير لمعهد واشنطن عن طريقة تعامل «ثلاث حكومات سورية مع كورونا»، إحدى هذه «الحكومات» وفقاً للمعهد هي حكومة الإنقاذ التابعة للنصرة، والتي «فازت» بالمرتبة الأولى وفقاً لتقدير المعهد نفسه من حيث حسن تدبيرها في التعامل مع كورونا. تم نشر التقرير بتاريخ 1 نيسان 2020.
خلال السنتين الماضيتين، بات إحصاء المقالات والتقارير والتصريحات التي تصب في الطاحون نفسه أمراً عسيراً لكثرتها. والمستجد كما أشرنا ابتداءً هو الدخول الرسمي للإعلام الأوروبي على الخط نفسه... (مع استثناء الإعلام البريطاني بطبيعة الحال، والذي كان مواكباً للأمريكي في محاولات تبييض النصرة. كمثال على ذلك: تقرير تشاتام هاوس الصادر في الشهر الخامس 2019 بعنوان «مراجعة للعلاقة التركية مع هتش».

تقرير فرانس 24

يمكن إجمال النقاط الأساسية التي جرى ذكرها في تقرير فرانس 24 المشار إليه حول النصرة والمنشور يوم أمس، بما يلي:
«في مناطق النصرة يتم رفع علم الثورة السورية، وهذا لا يمكن أن يحدث في مناطق يحكمها الجهاديون» = النصرة لم تعد جهادية.
«لم أر مسلحين، فقط حاجزان عاديان» = الطابع المدني هو الغالب على النصرة ولا تفرض نفسها بالسلاح على الناس.
«لا توجد أعلام سوداء ولا لباس أفغاني» = النصرة لم تعد جهادية، والدليل أنّ المظاهر الإرهابية ليست ظاهرة للعيان!
«هنالك نساء تقود السيارات، وهنالك مقاهٍ، ويمكنك أن تسمع موسيقى وأغاني الثورة» = النصرة لم تعد جهادية ولا إرهابية...
«النصرة حركة إسلامية متشددة، ولكنها ليست جهادية عالمية كحال القاعدة، أو داعش».. «بل هي تحارب داعش والقاعدة»..
وطبعاً هنالك الرسالة حول «حماية الأقليات» والتحسن التدريجي للتعامل معهم، والمثال هو: المسيحيون.
وإذاً، في لقاءٍ مدته 12 دقيقة، تُقال عبارة «النصرة لم تعد إرهابية»، ربما بأكثر من عشر طرق مختلفة، ناهيك عن قولها بشكل صريح.

والهدف؟

ليس هنالك الكثير لنضيفه على ما سبق أن قالته قاسيون حول استهدافات الأمريكان والصهاينة من محاولات تبييض النصرة، وبشكل أساسي كأداة في إعاقة الحل السياسي.
ما يمكن إضافته اليوم، هو أنّ الولايات المتحدة، وأمام التفاعلات الجارية بخصوص سورية، وعلى رأسها مضي أستانا نحو تسوية سورية تركية، بالتوازي مع مضي الدول العربية الأساسية في الخروج من معادلة الأمريكي اتجاه سورية، وبدء ملامح تعاون بين مسار أستانا وبين هذه الدول وفي مقدمتها السعودية، وفي إطار الحل السياسي والقرار 2254... أمام هذه التفاعلات، تكثف الولايات المتحدة استخدام كل الأدوات بين يديها التي تريد بها تخريب هذه المساعي... وبين أهم هذه الأدوات النصرة نفسها، إضافة إلى محاولة الالتفاف عبر بعض الدول العربية غير الأساسية، وخاصة دول التطبيع مع الكيان الصهيوني، وكذا عبر تشديد العقوبات...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1122
آخر تعديل على الأحد, 14 أيار 2023 22:32