المسرحية الكوميدية الكاملة للثلاثي: جيفري، مالي، جولاني!
تحتل التصريحات المتبادلة بين روسيا وتركيا بخصوص إدلب القسم الأعظم من مساحة المشهد الإعلامي- السياسي الراهن المتعلق بسورية. يتضمن ذلك سيلَ «التحليلات» الجارف الذي يتمنى انتهاء أستانا وسوتشي، بل وحتى انفراط عقد ما بات الجميع يعرّفه كتحالف استراتيجي بين روسيا وتركيا.
ولأنّ المسألة المشار إليها تحتل غالبية المشهد، فإنّ لقطات عالية الأهمية، مرتبطة بتطورات الموقف الأمريكي من النصرة، تسقط «سهواً» ولا يتم إيلاؤها التحليل الكافي رغم أنّ هذه «اللقطات بالذات» -على ما نزعم- هي مركز المشهد وجوهره...
في هذا السياق، ظهرت يوم 20 شباط الجاري مقابلة مع زعيم النصرة أبو محمد الجولاني، أجرتها «مجموعة الأزمات الدولية – International Crisis Group» التي يترأسها روبرت مالي.
عمل مالي مساعداً ومستشاراً خاصاً لأوباما ضمن «حملة الحرب على داعش»، وشغل العديد من المناصب ضمن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بما فيها مساعداً خاصاً للرئيس كلينتون حول الصراع العربي-«الإسرائيلي»؛ أي أنّ التعامل معه كرئيس لمركز بحثي «مستقل» و«لا يمثل المؤسسة الأمريكية» - كما يعرّف عن نفسه - لا يمكن أن يتم إلا تحت تأثير جرعة زائدة، أو نتيجة ضربٍ من السذاجة غير المبررة.
لبيك جيفري!
الأخبار الجيدة، هي أنّ المسؤولين الأمريكيين الذين على رأس عملهم، وليس «المتقاعدين» فحسب، بدأوا بتقديم مساعدة ضخمة لكل من يهمه البحث والتقصي عن الأهداف والسياسات الأمريكية الحقيقية، وليس تلك الإعلامية والدبلوماسية. هذه المهمة كانت تتطلب - فيما تتطلب - متابعةً ودراسةً حثيثة لتقارير مراكز الأبحاث الأمريكية «المستقلة». الآن، بات المسؤولون الأمريكيون يعلنون صراحة، إلى هذا الحد أو ذاك، عن سياساتهم. المثال الأكثر أهمية، والمتعلق بموضوع مادتنا هذه، هو التصريح الشهير لجيفري يوم 30 كانون الثاني الماضي، (وهو التاريخ التقريبي ذاته الذي جرت فيه المقابلة المشار إليها هنا مع الجولاني!). في تصريحه يقول جيفري: «الولايات المتحدة تقرُّ بوجود إرهابيين في إدلب، وهناك مجموعة كبيرة من النصرة وهيئة تحرير الشام وهي متفرعة من القاعدة، وتعتبر منظمة إرهابية، ولكنها تركِّز بشكل أساس على قتال النظام السوري، وهم يدّعون أنهم مقاتلون وطنيون معارضون وليسوا إرهابيين، ونحن لم نقبل هذا الادعاء بعد، ولكن لم نر أنهم شكلوا تهديداً دولياً منذ فترة».
وضعنا علامات مميزة على أقسام من التصريح لإبرازها. ذلك سيساعدنا في التعامل مع لقاء الجولاني، الذي يبدو أنه، هو وروبرت مالي، اتخذا من تصريح جيفري دليلاً لهما خلال المقابلة؛ دليلاً هو عبارة عن «check list» عليهما تنفيذها خطوة وراء خطوة.
سورنة النصرة
قبل التركيز على لقاء الجولاني، بقي أن نشير إلى أنّ الحديث عن نزع الصفة الإرهابية عن النصرة التي أعلنت ولاءها للظواهري زعيم القاعدة في نيسان 2013، ليس حديثاً جديداً؛ بل هو حديث مكرر رافق تحولات النصرة ابتداءً من تغيير اسمها من جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام، ومن ثم قيامها بإعلان تكوين جديد تحت اسم هيئة تحرير الشام. مع كل تحول قامت به، كانت تظهر آراء وتحليلات تقول بأنّ النصرة يمكن لها أن تتحول بطريقة ما إلى فصيل غير إرهابي.
آخر تحولات النصرة كان في الشهر الأول من العام 2017 (إعلان تأسيس هيئة تحرير الشام)، أي قبل أكثر من ثلاثة أعوام. تناولت الصحافة والأوساط السياسية ذلك التحول لفترة قصيرة من الزمن، ثم غابت المسألة نهائياً من التداول أمام إجماعٍ واضحٍ أنّ التنظيم لا يزال إرهابياً والتغيير الذي طرأ ليس أبعد من تغييرٍ للاسم.
ورغم أنّ جبهة النصرة لم تقدم أي إشارات جديدة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ولا حتى إشارات مخادعة وسطحية من نمط تحويل الاسم، إلا أنّ الحديث عن سورنة النصرة عاد إلى الواجهة بالتزامن مع الضربات العسكرية التي تتلقاها، وبالتزامن مع اتضاح حقيقة أن اتفاق سوتشي بات موضع التنفيذ السريع والذي لا رجعة فيه.
يمكن في هذا الإطار، العودة مثلاً، إلى تحليل نشره مركز تشاتام هاوس البريطاني «المستقل» في الشهر الخامس من العام الماضي تحت عنوان «مراجعة للعلاقة التركية مع هتش».
«معالم في الطريق» إلى قلب واشنطن
على أساس خارطة الطريق التي رسمها جيفري ضمن تصريحه آنف الذكر، سارت المقابلة-المسرحية التي امتدت لأربع ساعات مع الجولاني.
في المقدمة، يقصف المركز البحثي قراءه بمعضلة ثنائية القطب لا حل لها إلا عبر رفع الصفة الإرهابية عن النصرة؛ يشرح المركز الخيارين المتاحين من وجهة نظره، ولكن بوصفهما الخيارين الواقعيين الوحيدين، واللذين لا مفر من اختيار أحدهما: إما إنهاء النصرة عبر عملية عسكرية وهو أمر سيسبب كارثة إنسانية غير مسبوقة، أو البحث عن صيغة للتفاهم معها.
اللقاء بأكمله، كما تصريح جيفري نفسه، هما أداتان مختلفتان للتأكيد على أن الخيار الوحيد هو التفاهم مع النصرة ورفع الصفة الإرهابية عنها. ولكي يصبح تسويق هذا الخيار ممكناً، لا بد من جملة تطمينات ووعود مقنعة قدر الإمكان يقدمها الجولاني ويتبناها الأمريكيون، أو يرسمها الأمريكيون ويلتزم بها الجولاني، لا فرق جدياً في حقيقة الأمر.
وفي هذا الإطار، ينبغي أن يبدأ اللقاء مع الجولاني بتقديم تبرير لإعلانه الولاء للقاعدة عام 2013، حيث يعبر الجولاني أنه لم يكن لديه خيار آخر لمواجهة داعش التي كانت تريد الاستيلاء على تنظيمه وإنهائه لصالحها. محاججة من هذا النوع تنتمي إلى صنف معروف: (بين السيئ والأسوأ، عليك دائماً أن تركز الضوء على الأسوأ؛ حينها سيصبح السيئ جيداً!).
الخطوة التالية هي التأكيد على وجود فارق عقائدي بين القاعدة والنصرة. بما أنه لن يكون مقنعاً بحال من الأحوال القول بأن النصرة فصيل غير ديني أو أنه فصيل علماني مثلاً... عليك البحث ضمن الصيغ الدينية عن تلك التي يمكن التعامل معها دولياً على أنها معتدلة. وهنا يستخدم الجولاني تعبيراً دقيقاً حين يقول: «أيديولوجياً، نعتمد الفقه الإسلامي كأي مجموعة سنية محلية أخرى في سورية». من المعروف لدى المتخصصين أنّ الجهادية السلفية لا تقنع بالقول بالفقه الإسلامي كمصدر للتشريع، ولا حتى بكونه مصدر التشريع (أي المصدر الوحيد دون مصادر أخرى). بالمقابل، تعتمد الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع، والفرق كبير على ما يشرح الفقهاء بين الفقه والشريعة؛ فالفقه توجهات وأخلاقيات ومقاصد عامة، بينما الشريعة ضوابط محددة تغلق الطريق على أي طابع مدني للدولة.
لكي نوضح ما نقصده أكثر، وعلى سبيل المفارقة المضحكة، فإنّ الجولاني وفقاً لكلامه، لن يكون معتدلاً فحسب، بل ويمكن اعتباره تحت سقف الدستور السوري لعام 2012 الذي تتضمن مادته الثالثة: «الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع».
مقاتلون أجانب
ولكن حتى إذا قبلنا بالفرضية الهزلية التي تجعل من عمل الجولاني عملاً «تحت سقف الدستور السوري»، فثمة بعدُ مشكلاتٌ ينبغي حلها؛ هنالك مشكلة المقاتلين الأجانب ضمن النصرة، والذين ينتمون إلى جنسيات من حول العالم، ويشكلون نسبة وازنة، بالمعنى النوعي على الأقل، ضمن النصرة. هذه أيضاً يتبرع مركز روبرت مالي لحلها بأن يُضمّن المقابلة مقطعاً تقريرياً، يسرده من أجرى اللقاء بوصفه وقائع لا يرقى إليها الشك. وفي هذه السردية يقول: «خلال قيادته للتنظيم، ومع الوقت، همّش الجولاني أو طرد معظم الأصوات المتشددة وغير السورية في هتش، الذين عارضوا تحوله الأيديولوجي الواضح الذي جعله أقرب لنمط من الجهادية المحلية السورية، وليس الجهادية العابرة للحدود».
مزيد من المقاتلين الأجانب
إذا تابعنا ضمن الملهاة التي يمثل فيها كل من جيمس وروبرت وأبو محمد، وقلنا معهم بأنّ مشكلة المقاتلين الأجانب ضمن النصرة قد حُلّتْ أو أنها في طريقها إلى الحل على يد القائد الجولاني المظفر، ستبقى لدينا مشكلة تنظيمين كبيرين آخرين، يتكون أحدهما بمعظمه من الأجانب هو حراس الدين، والآخر بأكمله من الأجانب، والإيغور خصوصاً، هو الحزب الإسلامي التركستاني.
لا مانع هنا من أن يقفز روبرت إلى الخشبة ليمرر معترضة ذات مغزى لدى وصف تنظيم حراس الدين بالقول «وهو الفرع الرسمي للقاعدة في سورية»، بما يعني ضمناً أنّ النصرة ليست فرعاً رسمياً، وربما ليست فرعاً من الأساس؛ يحتاج المخرج أحياناً إلى التأكيد على بعض مقولات مسرحيته لمزيد من الإقناع.
بالعودة إلى التنظيمين ومشكلتهما، فإنّ الجولاني نفسه، الذي بدأت المقابلة بالتعاطي معه بوصفه هو المشكلة، سيتحول الآن إلى البطل المنقذ، وسيتمكن هو بالذات، ولا أحد غيره، من ضبط التنظيمين وإخضاعهما للغايات «السورية».
وعن هذا يقول الجولاني: «احتوينا حراس الدين»، وعن التركستاني يقول: «حربهم في الصين ليست حربنا، لكننا متعاطفون معهم وليس لديهم مكان يذهبون إليه. هم يحصرون عملهم بقتال النظام السوري، ونرحب بهم طالما يفعلون ذلك، وهم يفعلون».
المنظمات الإنسانية وواشنطن و«الجوار»
ضمن عملية التلميع والسورنة، لم يتبق سوى بعض الأدران التي ينبغي تنظيفها؛ يتضمن ذلك تعهدات بتسهيل أمور جمعيات المجتمع المدني وعدم الاعتداء على أي من أفرادها، كذلك عدم التدخل في الشؤون المدنية، وفوق ذلك كله عدم التعدي على أي من دول «الجوار»، وعلى رأسها بطبيعة الحال تأتي «إسرائيل». إذ ليس من المصادفة أن الفورين بوليسي نشرت يوم العاشر من الجاري مقالة عن إدلب لكاتبة «إسرائيلية» هي إيليزابيث تسركوف. تضمنت المقالة تصريحاً أخذته تسركوف من تقي الدين عمر المنسق الإعلامي لهتش. تسركوف نفسها كشفت في تغريدة على حسابها الرسمي على تويتر أن عمر وافق على إعطائها التصريح رغم معرفته بأنها تحمل الجنسية الإسرائيلية (لا يمكن أن ننسى في هذا السياق الاعترافات «الإسرائيلية» بمعالجة ما يصل إلى 1400 من جرحى النصرة في مشافيها وإرسالهم للقتال مجدداً في الجنوب السوري). أكثر من ذلك، لا مانع أن يُظهر الجولاني عتب الأحبة على الولايات المتحدة لأنها «أخطأت إذ حاولت دعم مجموعات ليس لها أي وزن حقيقي على الأرض»، ويمكن للمرء أن يكمل الجملة وحده: فالجولاني له مجموعة وازنة على الأرض وهو قبل غيره من يستحق دعم واشنطن. بالتأكيد لا بد قبل ذلك، من الاعتراف بين يدي الحاخام روبرت مالي بأنّ الجولاني أخطأ بما يخص الولايات المتحدة وبخصوص أشياء أخرى، و(لكن الظروف كانت صعبة وهي ظروف حرب).
فقرة المكياج
الفقرة الأخيرة التي لا بد منها بعد حمام ساخن، هي بعض مساحيق التجميل على وجه الجولاني بحيث يظهر في المشهد الأخير «معارضاً وطنياً» مكتمل الأركان، كما يريد له المخرج. المكياج تمثل ببعض الوعود بأن الجولاني منفتح على التعامل مع المعارضة بأشكالها. بل وأكثر من ذلك، منفتح ومتواضع: «نحن بحاجة للحوار مع المعارضة، ليست لدينا أية أوهام حول قدرتنا على حكم إدلب بمفردنا».
المشهد الختامي
كما في كل المسرحيات، ينبغي للحبكة أن تتصاعد بشكل متواتر وصولاً إلى الذروة. وفي الذروة، يأتي الحل.
يسأل مركز الحاخام مالي الجولاني عن واقعية مطالبه بتغيير النظام. يجيب الجولاني: «إذا كنت تسألني أن أكون واقعياً وأن أقبل بعدم وجود إرادة دولية للدفع باتجاه تغيير النظام، فإنّ على العالم أن يكون واقعياً ويقبل بأنّ أكثر من نصف تعداد السوريين، حوالي 12 مليون شخصاً، اختاروا عدم العيش تحت سيطرة النظام».
لا أعلم إن كان من المناسب أن يهدر التصفيق بعد هذه الخاتمة، وذلك مع تعتيم تدريجي للإضاءة على مشهد الجولاني واقفاً في مربع بريخت الذهبي (في مقدمة المسرح من الجهة اليسرى)، ومن ثم تسدل الستارة. ولكن ما أعلمه بالتأكيد أن ثمة شيئاً بعدُ يجب قوله قبل إغلاق الستارة؛ هذه النهاية لا ينبغي أن تبقى مفتوحة، ينبغي أن تكون واضحة ومفهومة، حتى لو لم يرد المخرج أن نفهمها كاملة، للجمهور أيضاً الحق في تشغيل عقله وتفسير ما يراه...
قبل إسدال الستارة
بعيداً عن الهزل، نستذكر هنا ما كان قاله جيفري يوم 14/11/2018، أي قبل أكثر من عام: «نعتقد أنه لا يمكن تحقيق هزيمة دائمة لداعش دون تحقيق تغيير جوهري في النظام السوري». نقارن قوله هذا بما يقوله هذه الأيام: «لا نطالب بتغيير النظام، بل بتغيير سلوكه». ولكي تكتمل الصورة، نضيف لهذه المقارنة غرفة اعتراف الحاخام مالي التي تستضيف الجولاني في هذه الأثناء، والتي وصلت إلى النتيجة نفسها: المسألة ليست في تغيير النظام، ولكن هنالك نصف السكان لا يريدون العيش تحت سيطرته. هل تبدو المعادلة صعبة التفسير؟
التفسير يتمثل بكلمة واحدة: التقسيم، تكون سورية التي نعرفها ثلاثة أقسام على الأقل؛ قسم يبقى فيه النظام، قسم في الشمال الشرقي تحت إشراف الأمريكيين، وثالث تحت ولاية القائد المظفر الخارج حديثاً من مطّهر دانتي: أبو محمد الجولاني.
هل يمكن للتقسيم أن يتحول إلى واقع؟ كلا، هذا أمر مستحيل في ظل التوازن الدولي القائم، وفي ظل الرفض الإقليمي (عدا الصهيوني وبعض أتباعه). وإذاً؟
المسألة بوضوح هي ما يلي: ينبغي الحفاظ على النصرة، ينبغي الحفاظ على وضع خاص للشمال الشرقي ومنعه من التقارب مع دمشق تحت أي ظرف كان، ينبغي الحفاظ على طبيعة النظام القائم دون أي تغيير. وبكلمة واحدة ينبغي الحفاظ على شروط استمرار الحرب واستمرار الأزمة، بل وإيصالها إلى إنتاج دينامياتها التدميرية الذاتية، بحيث لا يتكلف الأمريكان إلا الحد الأدنى للحفاظ على النار مشتعلة.
اللهاث وراء إعادة تأهيل النصرة هذه الأيام –بما في ذلك عبر مسرحيات هزلية من النمط أعلاه- قبل أن يتم الإجهاز عليها نهائياً عبر تنفيذ سوتشي، يحمل أهمية كبرى لواشنطن؛ لأنّ سقوط أي أثفية من الأثافي الثلاث التي ذكرناها أعلاه، سترفع الشعب السوري عن النار الأمريكية الحارقة، وستسمح بالمضي بشكل فعلي باتجاه تنفيذ كامل للقرار 2254.
مسرح كوني ومسرحية كونية
نزعم أنّ كل ما جاء في هذه المادة، ليس أكثر من فصلٍ واحد ضمن مسرحية كونية أكبر، ليس هذا محل التمحيص في فصولها. مع ذلك لا ضير من إشارة سريعة إلى جانب من جوانب حبكتها.
مع رفع منظمة مجاهدي خلق عام 2012 من قائمة الإرهاب الأمريكية، وما نراه هذه الأيام من اقتراب عقد سلام بين الأمريكيين وطالبان، وكذلك محاولة إنقاذ النصرة عبر «سورنتها»، كل ذلك وغيره، يشير إلى تحولٍ ضخم في سياسة واشنطن في حربها المزعومة على الإرهاب. عنوان ذلك التحول هو الانتقال من الحرب على جماعات إرهابية إلى الحرب على «دول إرهابية» (ينبغي أن نتذكر دائماً الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية 2018: «يمثل التنافس الاستراتيجي بين الدول –وليس الإرهاب- الشاغل الأساسي للأمن القومي للولايات المتحدة»). بهذا المعنى، فإنّ الجماعات الإرهابية التي كانت ذريعة للتدخلات الأمريكية حول العالم، ستعود إلى لعب دورها الأول الذي نشأت على أساسه: (جماعات محلية من "مقاتلي الحرية"، تحارب نفوذ أعداء الولايات المتحدة- الاتحاد السوفياتي والصين في حينه، وروسيا والصين اليوم). في الوقت ذاته، تتحول مجموعة من الدول إلى دول إرهابية، وعلى رأس القائمة ستكون كل من روسيا والصين وإيران، بل وحتى السعودية وتركيا وغيرها... (لا ينبغي أن نغفل في هذا السياق قانون جاستا الذي أقره الكونغرس الأمريكي عام 2016 والذي أعطى الأمريكي الحق لنفسه بموجبه، في اختراق سيادة الدول التي يعتبرها «راعية للإرهاب»)...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 954