حول الأحلام بعودة ثنائية «مصغرة-أستانا»...

حول الأحلام بعودة ثنائية «مصغرة-أستانا»...

يلاحظ المتابع للنشاط الأردني المتعلق بالأزمة السورية، حرص المسؤولين الأردنيين على الإشارة دائماً إلى أنّ نشاطهم هذا يتم بالتنسيق مع الغرب، وبالدرجة الأولى مع واشنطن ولندن.

يوم الجمعة الماضي، 5 أيار، وخلال لقاء له مع قناة СNN الأمريكية لنقاش نتائج الاجتماع الوزاري الذي جرى في عمان يوم الأول من أيار، يقول وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي: إنّ الأردن «قد ناقش المبادرة [الأردنية] مع الولايات المتحدة، وهم شركاؤنا وحلفاؤنا، ونحن نعمل عن كثب معاً، كما فعلت دول عربية أخرى». في اليوم نفسه، 5 أيار، تم الإعلان عن اتصال هاتفي بين الصفدي وبلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، وأنّ الموضوع السوري قد تم بحثه.

في 25 شباط الماضي، وبعد بدايات الحديث الأردني عن «مبادرة أردنية»، برز خبر اتصال أجراه الصفدي مع جيمس كليفيرلي وزير الخارجية البريطاني، وقال الخبر: إنّ الوزير ناقش مع نظيره «المبادرة الأردنية المستهدفة التوصل لحل سياسي للأزمة السورية عبر انخراط عربي- سوري مباشر، ووفق منهجية خطوة مقابل خطوة».
ما أشرنا إليهما هما مثالان من عدة أمثلة يمكن تجميعها على محاولات الأردن إظهار النشاط العربي المستجد المتعلق بسورية، بوصفه نشاطاً منسقاً بالكامل مع الأمريكان والبريطانيين. وهذا الأمر فيه جانب من الصحة بكل تأكيد؛ فكل من الأردن والإمارات تنسقان مع الولايات المتحدة ومع بريطانيا، ولا غرابة إن كانتا تنسقان مع تل أبيب أيضاً في كل تحركاتهما المتعلقة بسورية. ولكن في الوقت نفسه، فإنّ الإيحاءات الأردنية تُحاول المبالغة في مركزية دور عمان ضمن المسألة، وضمناً المبالغة في مدى تحكم الولايات المتحدة بمحصلة الجهد العربي الراهن اتجاه سورية.
والأردن طبعاً ليست وحدها من يروج في هذا الاتجاه، ولكن ينضم إليها «الموظفون الإعلاميون» أو بعبارة أوضح «الأقلام المأجورة» لدى المتشددين في كل من النظام والمعارضة، والذين تظهر تعليقاتهم ومقالاتهم في صحف عربية وأجنبية متعددة.

المقولات الأساسية التي يروجونها تتلخص فيما يلي:

يقولون: «العرب يحاولون تجميع قواهم لتشكيل وزنٍ مقابل ومضاد لوزن أستانا (روسيا، تركيا، إيران) في سورية».
يقولون: «يجري تحريك الدول العربية بالريموت كونترول الأمريكي-الإسرائيلي للتصدي لأستانا في سورية، ولمنعها من الاستئثار بالحل».
يقولون: «الدول العربية تقدم مخرجاً للنظام من «الضغوطات» التي يتعرض لها من ثلاثي أستانا، وخاصة فيما يتعلق بالتسوية السورية-التركية».
يقولون: «النظام السوري في أكثر أوضاعه، راحة لأنّ كل الخيارات أمامه مفتوحة، وهو وحده من يقرر بأي اتجاه يريد الذهاب، وبأي ثمن».
إذا حاولنا توسيع زاوية النظر قليلاً، وعدم الوقوف كثيراً عند التفاصيل والتصريحات؛ لوجدنا أنّ هنالك من يحاول تقديم المسألة وفقاً لرسمة قديمة هي رسمة مجموعة مصغرة غربية مقابل مجموعة أستانا.
هذه الوصفة، وبالذات ضمنها قدرة الأمريكان على رصّ الدول العربية الأساسية في صفهم، قد سمحت بتمديد الأزمة وتعميقها لسنوات عديدة. وهي التي سمحت في المقام الأول باتخاذ قرار تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية كمرحلة أولى ضمن عملية تدويل الأزمة السورية. هذه الوصفة نفسها، سمحت بالفعل بتأجيل الحل السياسي وبتأمين الهوامش للمتشددين من السوريين، والتي استخدموها للقفز بين الأطراف المختلفة بما يخدم منع الحل السياسي، ومنع تنفيذ بيان جنيف، ثم 2254 لاحقاً.
الجديد، هو أنّ هذه الوصفة انتهت مرةً وإلى الأبد، ولم يعد من الممكن بحالٍ من الأحوال إعادة إنتاجها؛ فحتى وإنْ كان الأردن ومعه الإمارات جاهزين للعمل كجزء من الوصفة، فإنّهما لا أكثر من توابل فيها، وليسا عناصر أساسية أو مؤثرة بقدر مُعتبر يسمح بالاستناد إليهما لإنجازها.
العناصر الأكثر تأثيراً، وبالدرجة الأولى السعودية، ومعها مصر، ليستا جزءاً من طبخة أمريكية أو بريطانية لسورية، على الأقل منذ عامين وحتى الآن؛ فمع التسوية السعودية الإيرانية، ومع التراكم الهام الذي تم تحقيقه في العلاقات السعودية الصينية والسعودية الروسية، فإنّ السعودية ليست بوارد العمل ضمن الأجندة الأمريكية- «الإسرائيلية» في سورية، ذلك أنّ هذه الأجندة واضحة كل الوضوح: التقسيم والتفتيت وتمديد الحرب تحت مسمى «خطوة مقابل خطوة»، وبغرض إطالة عمر «المستنقع»... وليس مهماً نهائياً من وجهة النظر الأمريكية، من هو الموجود في السلطة في كل منطقة من مناطق سورية، المهم هو أن يستمر الكل ضعيفاً، وأن يستمر الكل بالقتال، وأن تكون واشنطن هي مديرة ساحة القتال والمتحكمة بها، ومعها الكيان الصهيوني بأشكال غير مباشرة، وبأشكال مباشرة ومعلنة في مرحلة قادمة كجزء من أدوات حماية الكيان نفسه، في ظل الانسحاب الأمريكي القادم بكل تأكيد، ليس من سورية فحسب، بل ومن كامل المنطقة.
لا شك أنّ كلاً من السعودية ومصر والأردن، كانوا أعضاء في المجموعة المصغرة الغربية، المجموعة التي تبخرت عملياً، بشكل أساسي بسبب ارتفاع حجم التناقض الأمريكي التركي عموماً، وحول سورية ضمناً. ولا شك أنّ أي اجتماعٍ عربي بخصوص سورية، وإذا ما استخدم المرء أدوات القياس التي كانت صالحة قبل سنتين أو أكثر، فإنّه سيستنتج أنّه اجتماع يتم بإدارة وإرادة أمريكية.
ولكن الواقع تطوّر بشكل كبير وسريع خلال السنتين الماضيتين، وباتت أدوات القياس السابقة عتيقة، وتعطي نتائج خاطئة تماماً.
الحق، أنّ ما جرى بخصوص التناقض بين المصغرة وأستانا، يمكن تلخيصه بما يلي:

أولاً، منذ 2017 وحتى الآن

دور أستانا مستمر في الصعود وتحقيق الإنجازات على الأرض؛ ابتداءً من مناطق خفض التصعيد التي استطاعت تحقيق وقف إطلاق نار شامل وحقيقي في أواخر 2019، ومروراً بالانتقال التدريجي نحو لعب دور واضح بالإطار السياسي عبر مؤتمر سوتشي مطلع 2018 والعمل على تشكيل اللجنة الدستورية، ووصولاً إلى الدور الراهن في العمل المشترك والمنسق لتحقيق تسوية سورية تركية، تكسر العقوبات الغربية والدور الغربي ضمناً، وتفتح بالتوازي باب التنفيذ الفعلي للحل السياسي، بغض النظر شاء الغرب ذلك أم لم يشأ. بالتوازي، فإنّ دور المصغرة كان في انحدار مستمرٍ، منذ لا ورقة تيلرسون وبعدها لا ورقة بومبيو، ووصولاً إلى هستيريا جيمس جيفري وجويل ريبورن في العمل علناً على سياسة «المستنقع».

ثانياً، منذ 2020 وحتى الآن

بالتوازي مع تقدم الدور السياسي لأستانا، بدأ بشكل واضح تحلل المجموعة المصغرة الغربية، والذي عبّر عن نفسه في غياب تركيا عن الاجتماع الذي عقد في 24 من الشهر الأول هذا العام في جنيف، وحضره إلى جانب الولايات المتحدة، كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهم بمجموعهم المكون الغربي ضمن المصغرة، الذي بقي وحيداً فيما يبدو دون تركيا، وحتى دون مشاركة الدول العربية المحسوبة على المصغرة.
كذلك، فإنه منذ وصول بايدن إلى الرئاسة في الولايات المتحدة، وتحت غطاء رد الفعل على الغطرسة الأمريكية في التعامل مع السعودية، تم إنجاز تحول سريع محضرٍ مسبقاً وبعناية في بنية العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية للسعودية، وبالتشارك مع كل من روسيا والصين؛ ظهر ذلك بشكل شديد الوضوح مع التسوية السعودية الإيرانية برعاية صينية، ولكن ظهر قبل ذلك في عدد كبير من المناسبات والمواقف المفصلية، كالمواقف ضمن أوبك+، والموقف من الأزمة الأوكرانية، وكذا الموقف الضمني بما يخص «ناتو عربي» و«اتفاقات أبراهام»، وهما المشروعان اللذان استلم كل من الأردن والإمارات على التوالي دور وكيل الإعلانات لهما.
هذا التحول في طبيعة تموضع السعودية، وهي الوزن العربي الأثقل، ومعها فيما يبدو مصر اللتين باتت تربط بينهما جملة تفاهمات تظهر في السلوك العلني على الأقل اتجاه عدة أزمات وملفات أساسية في المنطقة والعالم... نقول: إنّ هذا التحول يضفي ملمحاً من البؤس على التمثيلية الأردنية الأمريكية التي تحاول الادعاء بأنّ النشاط العربي مدار أمريكياً، أو على الأقل منسق مع الأمريكان، وبالضد من أستانا... وهذا، ولا شك، يقع في إطار أماني المتشددين السوريين، الذين يأملون في استمرار الهرب من الاستحقاقات الوطنية الخاصة بسورية، وعلى رأسها التغيير السياسي، وضمناً مسائل اللاجئين والمعتقلين والمخدرات وغيرها وغيرها...

محصلة

المحصلة العامة للحراك العربي المستجد اتجاه سورية ستكون إيجابية، بالضبط لأنّ وزن وكلاء الأمريكي- البريطاني- «الإسرائيلي» ضمنها هو الوزن الأقل، ولأنّ الأجواء الإقليمية والدولية تسمح بتخيّل أنّ تعاوناً مباشراً بين أستانا والدول العربية الأساسية في الملف السوري بات ممكناً وضرورياً لكل الأطراف الراغبة وذات المصلحة بالحل...

(النسخة الإنكليزية)

1121-20

معلومات إضافية

العدد رقم:
1121
آخر تعديل على الثلاثاء, 09 أيار 2023 11:09