افتتاحية قاسيون 1111: ماذا بعد الزلزال؟
مرّت حتى الآن ثلاثة أسابيع على فاجعة الزلزال. وبينما يتراجع حضور الكارثة بشكل تدريجي إعلامياً وسياسياً، يتكشَّف الواقع كلَّ يوم عن أعماق جديدة للكارثة، وعن آلام ومعاناة هائلة تسحق عظام (الناجين) إنْ كان يصحّ وصف من لم يقتلهم الزلزال بأنّهم ناجون.
المنظومة القائمة، بليبراليتها المتوحّشة وفسادها الكبير، كانت قبل الزلزال عاجزةً عن حلّ أيّة مشكلة من مشكلات المجتمع، والآن لا تكشف العجز فقط، بل وغياب الإرادة الحقيقة في تضميد جراح الناس ومساعدتهم؛ فالحكومة ما تزال في مرحلة دراسة التداعيات، وتشكيل اللجان المعنيّة بتشكيل لجان وهكذا، والإجراءات الفعلية، بل حتى الوعود بإجراءات فعلية تكاد تكون غائبة تماماً، على الأقل إذا نظر المرء إلى الإجراءات التي تتّخذها الدول التي ضربتها كوارث الزلازل هذه الفترة، وبينها تركيا.
إنّ على رأس الإجراءات الواجب تنفيذها، والتي يمكن تنفيذها، وتوجد موارد لتنفيذها، هي ما يلي:
أولاً: توفير السكن البديل المجاني لكلّ من تهدَّم بيته.
ثانياً: دفع تعويضات حقيقية لأسر ضحايا الزلزال، وخاصةً للأسر التي فقدت معيليها.
ثالثاً: تعويض الخسائر المادية المختلفة التي ترتّبت عن الزلزال.
رابعاً: المحاسبة العلنية للمجرمين من الفاسدين الكبار الذين تربّحوا من دماء الناس عبر البناء المخالف للشروط، والذي تثبته الوقائع، بما فيها أنّ الأبنية حديثة البناء، بجزء هام منها، كانت الأكثر تضرّراً، والأكثر تهدُّماً، وأنّ الأبنية الأقدم كانت أعلى مقاومة، وكذلك أنّ الأبنية التي بناها القطّاع العام كانت بالغالب أصلب بكثير من تلك التي بناها القطاع الخاص.
خامساً: على الحكومة أنْ تعلن أمام الشعب السوري بشكل واضح وشفّاف عن كلّ أنواع المساعدات التي تتلقّاها، أولاً بأول، وعن أوجه صرفها، وبشكل موثَّق، لأنّ مَن أفلتَ مِن تحت ناظرِه مجرمو البناء المخالف للشروط، ليس مؤتمَناً على المساعدات وكيفية صرفها.
سادساً: تأمين قروض مجزية للمتضرّرين بشكلٍ فوري وبفوائد صفرية، وإمكانية سداد ميسَّرة وطويلة الأجل.
سابعاً: الانتهاء مرّة وإلى الأبد من التعامل الفوقي مع المتضرِّرين، وكأنهم موضع إحسان وتصدُّق، وكأنّهم متسوِّلون. هؤلاء أصحابُ الحق، وأصحابُ الأرض، بالمعنى القانوني والسياسي والوطني.
الإمكانية النظرية لتحقيق هذه الاستهدافات كلّها، وأكثر منها، هي إمكانية واقعية. ومدخلاها الأساسيّان هما: وضع اليد على أموال وأعناق الحرامية الكبار الذين نهبوا السوريّين عبر عقود، وراكموا عشرات وربما مئات مليارات الدولارات. والمدخل الثاني هو: التوجُّه نحو الشرق قولاً وفعلاً، للتعاون معه بشكل حقيقي لإعادة إعمار البلاد ضمن مشاريع عملاقة متكاملة.
حتى ضمن الوضع القائم يمكن تنفيذ قسم أساسي من هذه الاستهدافات في حال توفّرت الإرادة السياسية الحقيقية لذلك.
تحويل الإمكانية النظرية إلى واقع عملي، وعدم انتظار تجريب المجرَّب، له مدخلٌ واحد: التغيير الجذري الشامل عبر الحل السياسي على أساس القرار 2254 بوصفه الحلَّ الإسعافي الناجع الوحيد، وبوصفه في الوقت نفسه، بابَ الحلّ الشامل طويل الأمد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1111