تسوية سورية- تركية.. لكسر العقوبات!
بالنسبة لعموم السوريين، في سورية وخارجها، فإنّ الجانب الإنساني المتعلق بكارثة الزلزال وبالآلام العميقة التي خلفتها، وكذلك بأزمتهم التي انفجرت منذ 12 عاماً، هو دائماً الجانب الأعلى قيمة وأهمية، على الأقل بشقه العاطفي والوطني. بالنسبة للأطراف السياسية، وخاصة المتشددين، وكذلك بالنسبة للقوى الخارجية وخاصة الغربية، فإنّ الجانب الإنساني هو الأقل أهمية، وهو مجرد أداة يجري استخدامها لتمرير السياسات.
ومع الزلزال، طفت على السطح مجدداً مسألة العقوبات الغربية والأمريكية خصوصاً، وضمناً القرار الذي اتخذته وزارة الخزانة الأمريكية يوم 9 شباط وبعدها البريطانيون، بما أسموه «تخفيف العقوبات استجابة لكارثة الزلزال»، والحقيقة أنهم أظهروا النية لتخفيف انتقائي للعقوبات لن يخدم عموم السوريين بقدر ما سيخدم أطرافاً معينة على رأسها المتشددون والفاسدون الكبار، هذا على الأقل ما ظهر واضحاً خلال الأسبوع الماضي.
بعد القرار الأمريكي بأيام، برزت مسألة المعابر مع تركيا وطريقة التعامل معها، ومن ثم ظهرت أيضاً «مواقف إنسانية» لقوى سياسية سورية أصرت على إسقاط أي ذكر لمسألة العقوبات... وهذا كلّه مجتمعاً يحتاج إلى فهمٍ على المستوى السياسي وليس الإنساني فقط.
تفسير سلوك واشنطن على أنّ وراءه دوافع إنسانية هو ضرب من العبث الذي لا أساس له، وحتى تفسير سلوكها بأنه تجنب للحرج، هو الآخر لا أساس له؛ فواشنطن لم يحرجها سابقاً قتل الملايين، وبمختلف الأدوات، حول العالم.
ينبغي التذكير أنّ مسألة العقوبات وفرضها وتخفيفها أو تشديدها بالنسبة للأمريكان، مقرونة بشكل عملي بما أسمته واشنطن «تغيير سلوك النظام»، وبما أسماه مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسن «خطوة مقابل خطوة»، واللذان يمثلان اسمين مختلفين لعنوان واحد، هو السعي الأمريكي لإطالة الأزمة السورية وتعميقها، وللعمل ضد مسار أستانا بالذات عبر تثبيت حالة تقسيم الأمر الواقع.
وإذا كان الملف الأساسي الموضوع على الطاولة ما قبل الزلزال هو ملف التسوية السورية التركية، والتي من شأنها فيما لو وصلت إلى نهاياتها أن تكسر بشكل كامل الحصار الاقتصادي على سورية، وأن تجعل العقوبات الغربية بلا قيمة عملية وبلا تأثير، وأكثر من ذلك، فإنه من شأنها أن تفتح الباب لتطبيق فعلي للحل السياسي عبر القرار 2254، فإنّه من المفهوم تماماً أنّ الغربيين والمتشددين من الأطراف السورية، قد سارعوا لاستغلال كارثة الزلزال كي يمرروا تحت ستارها سيرهم خطوات إضافية ضد مسار أستانا، وعلى طريق الـ «خطوة مقابل خطوة».
المطالبة برفع العقوبات هي مطالبة محقة وينبغي أن تستمر، ولكنها لا يجوز بأية حال من الأحوال أنْ تخلق أية أوهام، وعلى وجه الخصوص وهمين أساسيين: 1- أنّ رفع/ تخفيف العقوبات إنْ حصل فإنه سيؤدي لحل الأزمة، أو لتحسن حقيقي في أوضاع السوريين. 2- أنّ واشنطن يمكن أن ترفع العقوبات تحت الضغط ودون مقابل سياسي.
إنّ القاعدة الذهبية القائلة «إغضاب المستعمر أسهل من إرضائه»، ما تزال صحيحة تماماً، وهي صحيحة بخصوص العقوبات أكثر من أي وقت مضى. وينبغي علينا كسوريين أن ننطلق من أنّ العقوبات والحصار لن يتم رفعهما، وأنّه ينبغي كسرهما، وهذا بات ممكناً بالمعنى العملي عبر علاقتنا كسوريين مع دول أستانا، ومن خلالهم مع الصين والهند وكل الدول الصاعدة.
بهذه الطريقة فقط، يمكن معالجة الأزمات الإنسانية، ومعالجة الأساس السياسي العميق لتفاقمها واستطالتها، أي عبر الحل السياسي الشامل على أساس القرار 2254 وبالاستناد إلى أستانا والصين، وإلى تسوية سورية تركية، باتت بعد الزلزال أكثر إلحاحاً مما كانت قبله، وقطعاً ليس بالصفقات من تحت الطاولة مع الغرب الذي لن يرضى عن سورية إلا وهي مدمرة دماراً كاملاً لا قومة بعده.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1110