هل حقاً رفعت الولايات المتحدة العقوبات عن سورية مؤقتاً؟
(نُشر هذا المقال بالأصل بالإنكليزية على موقع CGTN - شبكة تلفزيون الصين العالمية)
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية قراراً في التاسع من شباط /فبراير [2023]، تزعم فيه أنها سمحت بتخفيف العقوبات المفروضة على سورية للأشهر الستة المقبلة، حتى الثامن من آب/أغسطس، كجزء من «جهود الإغاثة من الزلزال».
ويسمح القرار لـ«أطراف ثالثة» بنقل المساعدات إلى سورية دون خوف من العقوبات الأمريكية، ولكن على أنْ يكون القصد منها فقط مساعدة المناطق المتضررة من الزلزال. وعلى الرغم من أنّ برامج العقوبات المطبّقة على سورية لعدة سنوات - والتي يمثّل أكثرها شدّة كل من «قانون قيصر» (2019) و«قانون الكبتاغون» (2022) - تعطي «استثناءات إنسانية»، إلا أنها مشروطة بالموافقة الأمريكية.
ترجمة: قاسيون
سورية والعقوبات الأمريكية
وفقاً لموقع The Atlantic، فإنه حتى الثالث من أيار 2019، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية 7967 عقوبةً على مستوى العالم. وبحسب موقع وزارة الخزانة الأمريكية، لدى واشنطن 38 برنامج عقوبات فعّال عالمياً؛ وبعضها ساري المفعول منذ أكثر من 60 عاماً، مثل العقوبات على كوبا.
فيما يتعلّق بسورية، فإنّ أوّل برنامج عقوبات أمريكي ضدّها يعود إلى العام 1979، وما زال ساري المفعول. ولاحقاً، بدأ برنامج عقوبات في عام 2004 وما زال مطبقاً. وسورية ليست استثناءً، فالولايات المتحدة الأمريكية لم ترفع قَطّ أية عقوبة فرضتها، بما في ذلك ضدّ روسيا، الصين، إيران، بيلاروسيا، كوبا، فنزويلا، إثيوبيا، اليمن، العراق، لبنان، ليبيا، مالي، نيكاراغوا، جمهورية كورية الديمقراطية الشعبية، الصومال، السودان، زيمبابوي، وبلدان أخرى. هذا إضافة إلى برامج العقوبات غير الموجّهة ضدّ بلد بعينه، والمتعلقة بـ«الإرهاب» و«تهريب المخدرات»، والتي يمكن أن تؤثّر على أيّ بلد أو كيان أو فرد حول العالم.
التجربة التي مرّت بها سورية مؤخّراً مع العقوبات الغربية، ولا سيّما الأمريكية، على مدى السنوات العشر الماضية، هي تجربة مريرة. تدّعي الولايات المتحدة بأنّ العقوبات تهدف للدفاع عن المدنيّين السوريين وتغيير سلوك الحكومة السورية، ولكنّ الواقع والتاريخ يدحض هذين الهدفين المُعلَنَين كليهما.
إنّ الضحايا الرئيسيّين للعقوبات الأمريكية هم المدنيّون السوريّون العاديّون، والذين لم يتم تخفيف أزماتهم بواسطة "الإعفاءات الإنسانية" المزعومة. وفي هذا السياق، دعونا نرجع إلى بيان صحفي صدر عن ألينا دوهان، المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنيّة بالتدابير القسرية أحادية الجانب، في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، بعد زيارة لها استمرت 12 يوماً إلى سورية. فقد تحدّثت عن «العزل الشامل للبلد اقتصادياً ومالياً»، وأنّ «90 بالمئة من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر... وحذّرت من أنّ البلد يواجه هجرة ضخمة للعقول بسبب المصاعب الاقتصادية المتزايدة». وكشفت دوهان بأنّ أكثر من نصف البنية التحتية الحيوية مدمّرة أو متضرّرة بشدّة، وأنّ هناك «عوزاً خطيراً في الأدوية والمعدّات الطبّية المتخصصة». في غضون ذلك، لم تغيّر العقوبات من سلوك الأنظمة على مدى 60 عماً.
ما هو الهدف الحقيقي؟
وفقاً لذلك، فإنّ القرار الجديد للخزانة الأمريكية ليس سوى استعراض إعلامي لتخفيف الحرج عن الولايات المتحدة الأمريكية. كما أنّه ينبغي إمعان التفكير في دوافع هذا القرار، كما في «قانون الكبتاغون»، والذي اقترح «مركز دراسات قاسيون» بأنّه يهدف إلى «إدامة الفوضى والعمل ضدّ أستانا». إنّ غاية الولايات المتحدة الأمريكية هو أن تعيد تدخّلها القسري، عبر الجانب الإنساني، بشمال شرق وشمال غرب سورية، بهدف العمل ضدّ أفق تسوية سورية-تركية، والتي تعمل عليها روسيا وإيران وتركيا منذ شهور، والتي من شأنها أن تقلّص إلى حدّ كبير نفوذ واشنطن في سورية.
على الرغم من أنّ تدخّل واشنطن العسكري السافر والمباشر في سورية، لم يبدأ حتى أيلول/سبتمبر 2014، تحت يافطة "التحالف الدولي لهزيمة داعش"، إلا أنّ تدخّلها كان قد بدأ منذ بداية الأزمة في سورية عام 2011، بل وربما قبلها. وشمل التدخل مجالاتٍ عديدة، بما فيها الدعم العسكري لأقسام معينة من المتمرّدين السوريّين، وكذلك الدعم الإعلامي والسياسي، وضمناً في مجلس الأمن الدولي، حيث كان النموذج المطلوب لسورية هو تكرار النموذج الليبي، والذي أحبطه الفيتو الروسي-الصيني المزدوج في تشرين الأول/أكتوبر 2011.
ويمكن تلخيص هدف الأدوات المتنوّعة التي تستعملها واشنطن في سورية، بكلمات المبعوث السابق إلى سورية، جيمس جيفري: «فلنجعلها (سورية) مستنقعاً للروس»، وكذلك قوله: «الجمود (الطريق المسدود) هو الاستقرار». وبالتالي، فإنّ المطلوب من جانب الولايات المتحدة هو ليس حلاً للأزمة السورية، بل إدارة الأزمة وضمان استمرارها زمناً طويلاً.
على ما يبدو فإنّ هدف واشنطن هو الإبقاء على هيمنتها في العالَم وأن تستمرّ حرب الجميع ضدّ الجميع؛ وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط. إنّ الولايات المتحدة لا تسعى إلى استقرار سياسي حقيقي، ذلك أنّ الوجود الأمريكي والنفوذ الأمريكي في الإقليم لطالما استند إلى الفوضى، ومن دون الفوضى سوف يتهاوى بسرعة.
إنّ مصطلح «أزمة» باللغة الصينية هو توليفٌ من مصطلحين: «الخطر» و«الفرصة». وهذا ينطبق على الأزمة الناجمة عن الزلزال في سورية وتركيا، نظراً إلى الخطر والألم اللذين يوحّدانهما، وكذلك الفرصة النادرة للتحرك أسرع في تسوية العلاقات بينهما.
بالإضافة إلى ذلك، تشكل الحدود السورية-التركية الحدود الأطول لكلّ واحدةٍ منهما مع جاراتها، فهي تمتد لأكثر من 900 كيلومتر، وتشكل الممرّ الأوسع الممكن لكسر العقوبات والحصار المفروض على سورية، في حال التوصل إلى تسوية. ولذلك، تهرع واشنطن لاستخدام شتّى السبل التي تحت تصرّفها لتقاتل ضدّ هذه الفرصة، بما في ذلك عبر العمل ضدّ كسر الحصار والعقوبات عبر الإيحاء ضمنياً بأنّ العقوبات لا تعرقل الإغاثة الإنسانية.
المصدر: Did the U.S. really lift sanctions off Syria temporarily? كما نشر بالأصل على موقع CGTN، وأعيد نشره بالإنكليزية على Kassioun
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 000