افتتاحية قاسيون 1076: سورية في سباق مع الزمن!
تتعمق وتتكاثر على أساسٍ يوميٍ، الأزمات الخانقة والمميتة التي يعيشها السوريون؛ من أزمة الأجور التي باتت قيمتها الشرائية رمزيةً مقارنة بمتطلبات الحد الأدنى لمستوى المعيشة، إلى الأوضاع المأساوية للكهرباء والإنتاج والمحروقات والخبز والمياه والتعليم والصحة، ووصولاً إلى استمرار تجريف واقتلاع الشعب السوري من أرضه، استناداً إلى هذه الأزمات التي تطول قائمتها لتشمل كل جوانب الحياة، دون أية استثناءات تقريباً.
إذا نظرنا إلى تطور هذه الأزمات عبر السنوات العشر الماضية، وبالاستناد إلى الأرقام، فإنّ الاستنتاج الواضح، هو أنّ هذه الأزمات ليست مستمرة فحسب، بل وتزداد شدة بشكل متسارع، وكأنما البلد في حالة سقوط حر، تزداد سرعة سقوطها مع كل جزء إضافي من الثانية في عملية السقوط... بل وأسوأ من ذلك أنّ للسقوط الحر تسارعاً ثابتاً، في حين إنّ تسارع السقوط في سورية هو نفسه يزداد مع مرور الوقت.
بين أكثر الأرقام تعبيراً عن حجم الكارثة، الفارق الهائل بين الحد الأدنى للأجور (93.000 ل. س) والحد الأدنى لمستوى المعيشة (1.787.000 ل. س)، وذلك وفقاً لحسابات شهر نيسان الماضي، والحساب اليوم سيعطي نتائج أسوأ. أي أنّ الحد الأدنى للأجر الشهري يشكل 5% فقط من الحد الأدنى لمستوى المعيشة؛ أي أنه يكفي معيشة أسرة من 5 أشخاص على الحد الأدنى، لمدة يوم ونصف!
ليس الوضع بأفضل إنْ نظرنا في الأرقام الأخرى، ابتداءً من الارتفاع المطرد لفترة تسليم جرة الغاز اليومي، التي وصلت حدّ 100 يوم، وارتفاع سعرها، مروراً بتخفيض كميات ونوعية الخبز وصعوبة الوصول إليه، وليس انتهاءً بتخفيض مخصصات المواصلات العامة من المحروقات، وكذا تخفيض حصة المازوت المدعوم للتدفئة المنزلية... وغيرها من المصائب التي تقع على رؤوس السوريين بشكل يومي.
إنّ انتهاء طور العمليات العسكرية أواسط 2019، لم يُنهِ تدفق الأزمات، بل إنّ تسارعها قد اتخذ منحنىً حاداً منذ تلك اللحظة تقريباً؛ وإنْ كان هنالك من يحاول تبرير الأمر بعقوبات قيصر، فإنّ قيصر هو جزء من المشكلة لا شك، لكنه ليس المشكلة كلها؛ المشكلة تكمن في استمرار السياسات الليبرالية نفسها، ولكن مع طور أكثر توحشاً في عمليات رفع الدعم، وفي عمليات التماشي غير المعلن مع وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، ومع الاستمرار بالتلفظ رياءً بمسألة التوجه شرقاً، بالتوازي مع استمرار التبعية للدولار وللمنظومة الغربية اقتصادياً، دون أية إرادة سياسية حقيقية للاستفادة من الظروف الدولية الجديدة.
وفوق ذلك كلّه، تستمر معاناة تمزيق الأمر الواقع، ومعها احتمالات الانفجار المستترة وراء كل زاوية من زوايا البلاد، إضافة لاستمرار عمليات تجريف السوريين من أرضهم بفعل كل العوامل السالفة الذكر.
إنّ «المؤامرة» الحقيقية ليست في الأعمال العسكرية فحسب، بل أهم من ذلك باستمرار هذه الأزمات وتعمقها وتسارعها، والذي يمكنه أن يوصل البلاد بسرعة إلى نقطة اللاعودة.
والترياق الوحيد لإنهاء كل هذه الظواهر السلبية، هو الحل السياسي الشامل على أساس القرار 2254، أي أنّ التمظهر الملموس للـ «المؤامرة» اليوم، هو تعطيل الحل السياسي، سواء كان ذلك بدافع من المصالح الأنانية والضيقة للمتسلطين وتجار الحروب، أو بدفع وتقاطع مع مصالح الأعداء التاريخيين لسورية، الغربيين عموماً، والصهاينة خصوصاً.
تنفيذ 2254 اليوم، هو الترياق، وليس هنالك لدى أحد القدرة على حساب الوقت الفاصل بين البلاد وشعبها، وبين نقطة اللاعودة... ولذا فإنّ حث الخطى نحو الحل، بما يتطلبه من تحييد المتشددين، بات ضرورة وطنية قصوى، يسمح بتحقيقها الظرف الدولي الجديد، بعيداً عن الغرب ونفاقه وتخريبه، وعملائه من مختلف الأطراف...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1076