افتتاحية قاسيون 1054: لمن تُقرع الطبول؟

افتتاحية قاسيون 1054: لمن تُقرع الطبول؟

يعيش العالم بأسره هذه الأيام على وقع قرع طبول الحرب في أوكرانيا؛ فبالإضافة إلى موجة التصريحات الرسمية الغربية، بما فيها حول الإجلاء السريع للدبلوماسيين الغربيين من كييف، تذهب وسائل الإعلام الغربية للحديث عن أن العالم بات على بعد أيام وربما ساعات من اشتعال الحرب!

بالتوازي، تستمر التواصلات ذات الطابع الدبلوماسي بين روسيا والولايات المتحدة والناتو، وبين الغربيين أنفسهم، في الوقت الذي يستمر فيه التحشيد على الأرض، في أوكرانيا وعلى حدودها، وكذا المناورات العسكرية المتعددة المجالات.

ما يلفت النظر في مجمل التغطية الغربية للحدث، هو أنّ التركيز يتمحور حول أنّ المسألة برمتها تتعلق بأوكرانيا، وبأوكرانيا فقط. وذلك في إنكارٍ وتعامٍ تامٍّ عن حقيقة التفاوض الجاري بين روسيا والولايات المتحدة، وعن موضوع ذلك التفاوض...

ففي حين تنحصر الدعاية الغربية في تصوير ما يجري على أنّه «نية روسية مبيتة لشن هجوم على أوكرانيا، والناتو يعمل منقذاً لأوكرانيا»، فإنّ التفاوض الحقيقي يجري ليس على رفض روسيا انضمام أوكرانيا للناتو فحسب، بل وحول مطالبة روسيا المعلنة للولايات المتحدة وللناتو بالتراجع الكامل عن كل عمليات التوسع شرقاً التي قاما بها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وحتى الآن!

الطريف في المفاوضات الجارية، هو ما جرى الكشف عنه مؤخراً على لسان المسؤولين الأمريكيين والروس على حد سواء، من أنّ الأمريكيين قد طلبوا إبقاء الرد المكتوب- الذي تقدموا به رسمياً حول مطالب روسيا الأمنية- طي الكتمان، وألّا يتم الكشف عنه، لأنّ إبقاءه سرياً «ضروري لنجاح المفاوضات».

ضمن المشهد بصورته الواسعة، يمكن أن نرى عنصرين واضحين، يمكن عبر جمعها تقصي حقيقة الوضع، ولو بشكل أولي:
1- المطالب الروسية علنية ومكتوبة، وتقول بالرجوع إلى «الحدود العسكرية» ما قبل عام 1991، مع إيحاءات تحملها تصريحاتهم الرسمية توحي بنقل المعركة الى مستوى أعلى وأخطر.
2- الرد الأمريكي الفعلي على تلك المطالب ما يزال «سرياً»، في حين أنّ الرد العلني، ورغم التهويل والتهديد، لم يتجاوز، وعلى لسان البيت الأبيض، التهديد بمزيد من العقوبات الاقتصادية.

رغم أنّ احتمالات مزيد من التصعيد العسكري لا تزال قائمة، وكذلك لا يمكن لأحد أن يستبعد بشكل مطلق احتمال الانزلاق إلى جنون الحرب، إلّا أنّ مختلف المؤشرات، تدل على اتجاه مختلف...

ملخص المسألة، أنّ لحظة التوتر القصوى التي يعيشها العالم هذه الأيام، هي تكثيف لمجمل التغييرات التي جرت خلال العشرين عاماً الماضية، من صعود الصاعدين وفي مقدمتهم الصين وروسيا، وتراجع المتراجعين بزعامتهم الأمريكية... تغييرات كان الغرب يتراجع فيها يوماً وراء الآخر دون أن يعترف بتراجعه ودون أن يقبل بذلك التراجع.

وما نشهده الآن هو لحظة انعطافٍ تاريخية ستأخذ وقتها، يتكثف فيها غضب الغرب من الوقائع الجديدة، عبر وصوله إلى أقصى حدود التصعيد الممكنة، ولكن يتكثف فيها أيضاً إرهاقه من تلك الوقائع في الوقت نفسه... وتالياً، إقباله على المساومة، «بالسر» بدايةً، ومن ثم بالعلن، تمهيداً للانتقال لمرحلة القبول المعلن بالوقائع الجديدة.

 (English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1054
آخر تعديل على الأحد, 23 كانون2/يناير 2022 19:31