افتتاحية قاسيون 1052: الجولان السوري مؤشرات التعقيد والحل
مع توقيع ترامب في آذار 2019 اعترافاً أمريكياً بالجولان السوري المحتل «جزءاً من إسرائيل»، بات واضحاً أنّ السياسة الأمريكية و«الإسرائيلية» بما يتعلق بالجولان وبالتعامل مع مجمل المسألة السورية، كانت قد دخلت طوراً جديداً.
من المعلوم أنّ «الكنيست الإسرائيلي» كان قد أقر عام 1981 «قانوناً بضم الجولان»، وذلك بعد 14 عاماً من احتلاله. ولم تعترف أية دولة من حينه بهذا الضم، وصدرت من الأمم المتحدة بشكل سنوي قرارات ترفض هذا الضم. حتى واشنطن نفسها لم تعترف به رسمياً طوال 38 عاماً، إلى أن جاء الاعتراف مع ترامب، والذي لم تتراجع عنه إدارة بايدن بطبيعة الحال.
بالتوازي، فقد شهدنا ابتداءً من هذا الاعتراف نشاطاً صهيونياً محموماً بما يخص الجولان. وتصاعد هذا النشاط خلال الأشهر الأخيرة بشكل كبير؛ من التصريحات المتكررة للابيد وبينيت ومسؤولين آخرين حول الموضوع، والتي غدت شبه يومية في الأسابيع الأخيرة، مروراً بمحاولة تمرير مشاريع العنفات الريحية، ومشاريع المياه وإزالة الألغام وآثار الحرب، ووصولاً إلى الإعلان مؤخراً عن خطة استيطانية غير مسبوقة تهدف لمضاعفة عدد المستوطنين بحلول عام 2030، بزيادة حوالي 23 ألف مستوطن إلى ما يقدر حالياً بـ20 ألفاً ضمن المستوطنات التي أقيمت خلال الخمسين سنة الماضية، مقابل ما يزيد على 30 ألف سوري ما يزالون على أرضهم المحتلة ومتمسكين بهويتهم.
أحد مداخل تفسير هذا السلوك الصهيوني هي كلمات نفتالي بينيت نفسه، في تشرين الأول الماضي حول الخطة المزمع إقرارها بخصوص الجولان، والتي وضعت الهدف التالي: «نعمل حالياً على استكمال الخطة التي ستغير وجه الجولان»، ما يعكس قناعة عميقة بأنّ هوية الجولان لم تتغير رغم مضي أكثر من 50 عاماً على احتلاله، وأنّ «إسرائيل» وبعد أكثر من نصف قرن تضع أمامها مهمة تغيير وجهه، وخلال فترة قصيرة!
التفسير الأهم لهذا الانعطاف يبدأ بالضبط من استيعاب كل من الأمريكيين و«الإسرائيليين» لحقيقة التراجع الأمريكي العام، ولضرورات الانسحاب الأمريكي من مجمل المنطقة، والذي سيكون أهم المتأثرين به هو القاعدة الأمريكية الأساسية التي ستخلفها واشنطن وراءها؛ «إسرائيل».
وبتفصيل أكبر، فإنّ الانسحاب الأمريكي سيترافق مع إعادة رسم لمجمل المنطقة على أساس التوازنات الفعلية الجديدة، بما في ذلك إنهاء الاستعصاء السوري، وفتح باب الحل السياسي الشامل.
وهذا الأمر يفترض من وجهة النظر «الإسرائيلية» التحصن المسبق اتجاه المستقبل القريب عبر تعقيد شروط الانتقال نحوه، أي عبر تعقيد شروط وظروف الحل السياسي في سورية، والتي تعلم جيداً أنها ستصل عند مرحلة محددة إلى إنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» للجولان.
بكلامٍ آخر، فإنّ «إسرائيل» وبينما تعمل بالتخادم غير المباشر والمباشر أحياناً مع رافضي الحل السياسي ورافضي القرار 2254، فإنها تتحصن لاحتمال تنفيذه عبر تعقيد ورفع تكلفة خروجها من الجولان، لعل وعسى يتحول هذا الخروج إلى ورقة في المساومة على مستقبل سورية نفسها.
تنفيذ القرار 2254 كاملاً، لم يعد بوابة لإنهاء الأزمة فحسب، بل وبات ضرورة في قطع الطريق على التعقيدات التي تختلقها «إسرائيل»، ولتسريع استعادة الجولان السوري المحتل إلى السيادة السورية. والعمل الصهيوني المحموم بما يخص الجولان، هو نفسه أحد أهم المؤشرات على المرحلة التي وصلنا إليها بما يتعلق بعملية التغيير المستحقة في سورية، وابتداءً من الانتقال السياسي المتوافق عليه سورياً والمقاد سورياً...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1052