افتتاحية قاسيون 1048: ما زالت تدور!

افتتاحية قاسيون 1048: ما زالت تدور!

تنتشر في الفترة الأخيرة اجتهاداتٌ «جديدة» هي تنويعات على مقولة السادات: «99% من الأوراق بيد أمريكا»، من قبيل أن: «أمريكا تمهل ولا تهمل»، وأنّ الصفارة لا تزال بيد «الحَكم الأمريكي»، يقرر قواعد اللعبة ومتى تبدأ ومتى تنتهي! ولكن كما قال غاليليو بعد محاكمته بتهمة الهرطقة لأنه أصرّ أنّ الأرض هي التي تدور حول الشمس، لا العكس: «مع ذلك، فإنها تدور»...

ليس خافياً أنّ الوضع السوري تحوّل إلى أحد ملفات الصراع الدولي والإقليمي الأساسية بين قطبين واضحين: (روسيا والصين وحلفائهما من جهة، والغرب وأزلامه من جهة أخرى)؛ ولذا فإنّ فهماً حقيقياً لطبيعة واتجاهات هذا الصراع، هو مدخلٌ لا بديل عنه لرؤيةٍ واقعيةٍ للحاضر، ولاستشرافٍ علميٍ للمستقبل القريب والمتوسط.

الوقائع الكارثية التي يعيشها السوريون، تساعد مؤقتاً على تمرير طروحات أزلام الغرب، (خاصة مع دعم «المتعاقدين مع الغرب من الباطن»، بمن في ذلك أنظمة المنطقة المصمَّمة لتؤدي أدوار القمع والنهب، لجيوبها وجيوب المركز الغربي، وذلك بغض النظر عن أيّ الشعارات تلقي على رؤوس الناس)... وهذه الوقائع نفسها، تسهم إلى هذا الحد أو ذاك، في إغلاق الأفق أمام عيون السوريين، وفي إحباطهم وتيئيسهم...

من المفيد هنا الإشارة إلى بضع وقائع كبرى، وعنيدة، متعلقة بالصراع الدولي، وخاصة مع الصين وتحالفاتها:

• إذا كان الغرب قد سيطر خلال خمسة قرون معتمداً على الطرق البحرية، وعلى منع التواصل البري بين دول «العالم الثالث»، فإنّ بكين اليوم- وإلى جانب مشروعها العملاق (الحزام والطريق)- تملك ثلثي خطوط القطارات فائقة السرعة في العالم، في حين لا تملك واشنطن منها ما يستحق الذكر.
• تفوّقت بكين منذ سنوات في حجم الناتج الحقيقي المقاس بالقدرة الشرائية، وفي وزن الصناعة والزراعة ضمن هذا الناتج، وذلك بعد ربع قرن من نسب نموٍ تراوحت بين 6-9%، في حين كانت نسب النمو في واشنطن بين 2-3%.
• ارتفعت الأجور الحقيقية في الصين أربعة أضعافٍ خلال ربع قرن، منتشلة ما يزيد عن 600 مليون صيني من تحت خط الفقر، ما يعكس سياسة لتوزيع الثروة التدريجي من فوق إلى تحت، في حين بقيت الأجور الحقيقية على حالها في الولايات المتحدة خلال الفترة نفسها، وتضخمت ثروات القلة المتنفذة في اتجاه معاكس.
• في حين تعاملت واشنطن مع أزمات الرهون العقارية والأزمات المالية المتعاقبة، عبر إنقاذ البنوك والشركات الكبرى، وعبر طباعة العملة بلا تغطية، وتالياً تضخيم فقاعة الدَّين بشكل كارثي، فإنّ الصين قدّمت نموذجاً معاكساً عبر تعاملها مع إيفرغراند وغيرها من الشركات، حيث يتم تحميل الأزمات لمن هم «فوق» لحماية من هم «تحت».

إذا كانت الإمبراطوريات الكبرى عبر التاريخ قد انهارتْ كلّها في ذروة عدوانيتها وتمددها وشراستها، فليس ذلك مصادفة على الإطلاق؛ بل هو قانون موضوعي يبدأ من حقيقة أن كلّ سياسةٍ خارجية، إنما هي تعبيرٌ عن الوضع والسياسة الداخلية. وبهذا المعنى، فإنّ اشتداد شراسة أيّة إمبراطورية واندفاعها العدواني خارج أراضيها، ليس في النهاية إلا تعبيراً عن عمق أزماتها الداخلية... وهذا بالضبط وضع الإمبراطورية الأمريكية هذه الأيام.

اشتداد الصراع واستعصاؤه في الشرق الأوسط عموماً، وفي سورية خصوصاً، نابعٌ من أن نتيجته ستشكل مفترق طرق ضمن مجمل الصراع الدولي القائم، والذي تبدو نتيجته واضحة منذ الآن.

الحفاظ على وحدة سورية والانتقال بها نحو استقرارٍ فعلي ونحو نظام جديد بكل الأبعاد، بات خطوةً لا بديلَ عنها في الانتقال نحو عالم جديد بأفقٍ مفتوحٍ على اتساعه... وهذا كلّه يمر ليس عبر الصراع الدولي والإقليمي فحسب، بل وبالضرورة أيضاً عبر نضالٍ أكثر حزماً وصلابةً للقوى الوطنية الديمقراطية السورية نحو حلٍ سياسي شاملٍ على أساس القرار 2254، وبالضد من المصلحة الغربية ومن مصلحة النخب المتحكمة وذات المصلحة في إبقاء البلاد مستنقعاً للفوضى والنهب والتخريب.

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1048
آخر تعديل على الأحد, 12 كانون1/ديسمبر 2021 20:15