الأردن… مائة عام من التطبيع ... ما هو الدور التاريخي للإمارة/المملكة؟ وما هو الدور الحالي اتجاه سورية؟

الأردن… مائة عام من التطبيع ... ما هو الدور التاريخي للإمارة/المملكة؟ وما هو الدور الحالي اتجاه سورية؟

تزايد الحديث خلال الشهور الماضية عما يجري تسميته بـ«التطبيع مع النظام»؛ والمقصود تقارب أنظمة عربية مع النظام السوري، وخاصة: الأردن والإمارات.

بدأت الحكاية مع زيارة العاهل الأردني إلى واشنطن مطلع الشهر السابع ولقائه مع بايدن، وما تلى ذلك من «تسريبات» عن مقترح تقدم به إلى الرئيس الأمريكي، يتضمن طلباً لتهريب خط الغاز «العربي» من عقوبات قيصر. جرى تصوير الملك الأردني منذ تلك اللحظة على أنه «قائدٌ» لعملية إقليمية تخص سورية، وبالتوافق مع الغرب.
في مادة سابقة بعنوان «الخطة ألفا- النسخة الثانية... لماذا «التطبيع مع النظام»؟ ولماذا «التطبيع»؟»، بحث مركز دراسات قاسيون في الاستخدام غير البريء لهذا التعبير، خاصة فيما يتعلق بمعنى «التطبيع» في القاموس السياسي العربي، أي: التطبيع مع «إسرائيل».
وأشرنا في المادة السابقة إلى الدور التاريخي للأردن في موضوع التطبيع مع الكيان. في هذه المادة، سوف نراجع هذا التاريخ بمزيد من التفصيل عبر إلقاء نظرة على بعض الأحداث المهمة على مدار المئة عام الماضية، على الرغم من إمكانية ملء مجلدات بأكملها بالأحداث والتفاصيل التي تصب في الاتجاه نفسه... وما يهمنا في الأمر، هو وضع الدور الذي يلعبه النظام الأردني بما يخص سورية هذه الأيام ضمن سياق تاريخي واضح يسمح بإزالة أية أوهام من تلك التي يجري إلقاؤها على رؤوس الناس بشكل يومي، وبالأطنان...

تشرشل والأربعون حرامي

بعد الحرب العالمية الأولى، وفي ظل جملة من الأحداث التي تخص منطقتنا وبينها: إخراج العثماني من بلاد الشام كنتيجة مباشرة للحرب، إضافة إلى الدور الذي لعبته «الثورة العربية» ضد الإمبراطورية العثمانية. بالتوازي كانت تجري مراسلات حسين- مكماهون مما قبل 1916. وبين المفاصل شديدة الأهمية في ذلك العصر، اتفاقية سايكس بيكو (1916)؛ ووعد بلفور (1917) – وكذلك قيام الفرنسيين والبريطانيين بإنشاء «إدارة أراضي العدو المحتلة» في سورية أو سورية الكبيرة تحت الحكم العثماني.

1047-10

في كانون الثاني 1921، تم تعيين ونستون تشرشل وزيراً للدولة لشؤون المستعمرات، وكانت إحدى أولى مهامه: إيجاد حل للاضطرابات في المستعمرات التي هي اليوم العراق والأردن وفلسطين. قام تشرشل بتعيين توماس إدوارد لورنس (الذي بات يعرف لاحقاً بـ لورنس العرب) مستشاراً خاصاً له للشؤون العربية، وكان ضابطاً في الجيش في المنطقة من 1914 إلى 1918 وكان مقرباً جداً من سلالة الحسين في الحجاز، وخاصة الأمير فيصل، أحد أبناء حسين بن علي، شريف مكة وملك الحجاز لاحقاً.
وفي هذا السياق، طلب تشرشل من لورنس أن يقوم بما يلزم من استعدادات لعقد اجتماع خبراء، والتركيز فيه على قضية الانتداب البريطاني على العراق والأردن وفلسطين. نتيجة ذلك تم عقد اجتماعات تحضيرية في لندن، شارك فيها فيصل، وتم خلالها رسم الكثير من الخطط ليتم نقاشها خلال الاجتماع الرسمي للخبراء، والذي أخذ اسم مؤتمر القاهرة.
انعقد مؤتمر القاهرة في الفترة من 12 إلى 30 آذار 1921، وكان من أهم نتائجه تعيين فيصل بن حسين ملكاً لمملكة العراق، وتكليف أخيه الأكبر عبد الله، بإدارة المنطقة الواقعة شرق نهر الأردن، وسميت ضمن الوثائق «محمية شرق الأردن». بالإضافة إلى ذلك، كانت أحد مخرجات المؤتمر أن بريطانيا ستستمر بالانتداب على فلسطين وتواصل دعم إنشاء «وطن قومي لليهود» هناك.
ونتيجة لذلك، تم إنشاء إمارة شرق الأردن كمحمية بريطانية في 11 نيسان 1921، على أن يديرها الأمير عبد الله بن حسين، الذي أصبح فيما بعد الملك عبد الله الأول. بعد أن قامت بريطانيا بتقاسم المنطقة مع فرنسا، رسم البريطانيون حدوداً إضافية ضمن المناطق الواقعة تحت انتدابهم، وعينوا وكلاءهم المحليين ملوكاً وأمراء لإدارة هذه البلدان المحدثة. وفقاً لبعض المصادر، فإن ونستون تشرشل نفسه قال ذات مرة أثناء حديثه عن إمارة شرق الأردن: إنه ابتكرها بجرة من قلمه بعد ظهر يوم أحد.
من الجدير بالذكر هنا، وحول مؤتمر القاهرة، الذي ضم 40 «خبيراً» بريطانياً (39 رجلاً وامرأة واحدة)، أن تشرشل وصفه بأنه تجمع لـ «الحرامية الأربعين»، وهو وصف بالغ الدقة، وإن كانت ترافقه غطرسة ووقاحة، باتت سِمة أصيلة لدى الساسة البريطانيين في تعاملهم مع مناطقنا وشعوبنا.

عبد الله الأول والحركة الصهيونية

في البداية، كلّف البريطانيون عبد الله بمهمة إدارة محمية شرق الأردن، وهذا مقارنة مع تعيين شقيقه الأصغر فيصل ملكاً على العراق. وكان لهذا وقع مزعج على عبد الله جعله يشعر بعدم الارتياح، وعدم الأمان، أو الاستقرار في منصبه، الأمر الذي دفعه لبذل جهد أكبر لترسيخ «شرعيته». كان هذا الشعور بالتهديد ورغبته في التمسك بالسلطة ما دفعه إلى إقامة علاقة سرية ومباشرة مع «يشوف- التجمع اليهودي في فلسطين» ثم مع «إسرائيل» على جميع المستويات تقريباً.
كان أحد جوانب التعاون الذي سعى إليه الطرفان هو تعاون على المستوى الاقتصادي؛ حيث كان عبد الله يتطلع إلى تحسين الظروف الاقتصادية لشرق الأردن لتعزيز وضعه، وكان الصهاينة يتطلعون إلى البناء على التعاون الاقتصادي مع دولة عربية لتحقيق مكاسب سياسية ولاكتساب الشرعية.
أحد الأمثلة على هذا التعاون الاقتصادي هو: بناء محطة طاقة بقيادة رجل الأعمال الصهيوني بنحاس روتنبرغ، الذي أسس شركة الكهرباء الفلسطينية، والتي أصبحت فيما بعد شركة الكهرباء «الإسرائيلية». ولتحقيق ذلك حصل روتنبرغ من الحكومة البريطانية على احتكار «استغلال مياه نهر الأردن وحوضه بما في ذلك نهر اليرموك» وكان هذا بموجب اتفاقية امتياز بين بريطانيا وروتنبرغ، والتي تم إضفاء الطابع الرسمي عليها عام 1926 من خلال إقرارها في فلسطين الانتدابية عام 1927 وإمارة شرق الأردن عام 1928.
حضر الأمير عبد الله الأول حفل افتتاح محطة توليد الكهرباء الواقعة عند التقاء نهري الأردن واليرموك في 9 حزيران 1932. وفي 6 حزيران 1933 (الصورة المرفقة)، شغّل عبد الله الأول العنفات في محطة توليد الكهرباء، وكان بنحاس روتنبرغ واقفاً خلفه.

1047-25

الدور الأردني في 1948

هناك الكثير من الأحداث التي جرت قبل حرب 1948 وأثناء الحرب نفسها، ولا يمكننا أن نغطيها جميعها في هذه المادة، لكن يكفي أن نقول: إنه في سياق هذه الحرب وبشكل عام، كانت الحركة الوطنية الفلسطينية، وكذا حركة التحرر ببعدها العربي في مصر وسورية والعراق ولبنان، تمثل عدواً لمصالح كل من عبد الله الأول والصهاينة، مما دفعهما إلى التعاون عام 1948. وفي الوقت نفسه، شكلت الدول العربية جيش الإنقاذ العربي، كردٍ من قبل جامعة الدول العربية على خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة، وعلى استمرار تدفق الهجرة اليهودية، رغم الوعود المختلفة التي قطعها البريطانيون بتخفيض تلك الهجرة. تظاهر عبد الله الأول بمسايرة الدول العربية، وفي ذات الوقت حافظ على تواصله مع الجانب «الإسرائيلي».

تحضيراً لهذه الحرب، قامت جامعة الدول العربية بوضع خطة موحدة للغزو، ولكن عبد الله الأول أجرى تغييرات في اللحظة الأخيرة مع جيشه، المعروف باسم الجيش العربي، والذي كان قائده جون باغوت غلوب أو غلوب باشا، وهو ضابط في الجيش البريطاني، بالإضافة إلى نورمان لاش، وهو ضابط بريطاني آخر، والذي كان القائد الميداني للعمليات في الجيش العربي.
في الواقع، عبد الله الأول لم يكن يرغب في تدخل الجيوش العربية الأخرى في فلسطين، حيث كانت خطتهم منع التقسيم ومنع قيام الدولة اليهودية، بينما كانت خطته هي تنفيذ التقسيم والسيطرة على الجزء العربي من الأراضي الفلسطينية المجاورة لمملكته. ومع ذلك، مع تزايد الضغط والشكوك حول تعاونه مع الصهاينة، عملت الدول العربية الأخرى على خطة بديلة. ولتلافي التداعيات السلبية عليه وعلى سلطته، حاول عبد الله الأول التظاهر بأنه يقف إلى جانب جامعة الدول العربية في الحرب ضد الصهاينة، وأدى ذلك إلى توترات بينه وبين «الإسرائيليين»، ما دفع غولدا مائير إلى الذهاب في مهمة سرية إلى عمان للقاء عبد الله الأول في 10 أيار 1948. لم يكن هذا الاجتماع هو الأول بينهما، حيث التقيا في وقت سابق في تشرين الثاني 1947، توصلا خلاله إلى اتفاق أن يأخذ عبد الله الأول الجزء العربي من فلسطين. لذلك، كان السؤال المطروح في 1948 ما إذا كان الاجتياح الذي سيقوم به عبد الله للسيطرة على ذلك الجزء يعني المشاركة في الاشتباكات ضد القوات «الإسرائيلية».
في نهاية المطاف اشتبك الجيش العربي مع العصابات الصهيونية- ولم تكن قد انتظمت حتى حينه في جيش واحد- في معركة دامية في القدس، وهي النقطة التي لم يتمكنا من التوصل إلى اتفاق بشأنها، وكان هذا أكبر صدام بينهما، وربما كان الصدام الوحيد الحقيقي بينهما. بخلاف ذلك، كانت المعارك الأخرى، حسب العديد من الروايات، مجرد عروض وتمثيليات، ولم يحاول الجيش العربي التسلل إلى أو الهجوم على أي من الأراضي التي حددتها خطة التقسيم على أنها جزء من الدولة اليهودية. تذهب بعض الروايات إلى أبعد من ذلك في الإشارة إلى أن ما قام به الجيش العربي سهل إضعاف جيوش الدول العربية الأخرى من قبل «الإسرائيليين». وفعلاً كانت شرق الأردن الدولة العربية الوحيدة التي خرجت من الحرب دون أن تتكبد خسائر كبيرة، وكانت الوحيدة التي حققت مكاسب على الأرض.

الحسين بن طلال

بعد اغتيال عبد الله الأول خلفه ابنه طلال، والذي حكم لفترة قصيرة، أكثر من عام بقليل. وعمل خلالها على تهدئة العلاقات المتوترة بين الأردن والدول العربية المجاورة. وجرى على الأرجح إجباره بالقوة على التنازل عن العرش، بمساعدة زوجته زين، وكان ذلك بعد فترة وجيزة من إغضابه البريطانيين برفضه عرضاً بتسليم غرب الأردن إلى «إسرائيل». على الرابط المرفق، وثيقة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية تعود لتاريخ 2 آب 1951 وجرى رفع السرية عنها مع إبقاء بعض الكلمات والسطور مغطاةً حتى بعد أكثر من 50 عاماً!
عنوان الوثيقة هو: «الآثار المترتبة على اغتيال الملك عبد الله». تناقش الوثيقة ليس اغتيال عبد الله فقط، بل وتناقش من سيرثه، وتدخل في تفاصيل عديدة حول المرشحين المحتملين، وأيهم سيكون الخيار الأفضل للولايات المتحدة. وضمن الوثيقة يجري وصف طلال بالقول: «الوريث القانوني هو الأمير طلال المعادي لبريطانيا بشدة...»

1047-12

بعد إزاحة طلال عن العرش، خلفه ابنه الحسين في الحكم في آب 1952، حوالي ثلاثة أشهر قبل عيد ميلاده الثامن عشر، واستلم العرش رسمياً بضعة أشهر بعد ذلك عندما وصل إلى عمر الثامنة عشرة. كان الحسين مقرباً جداً من جده عبد الله الأول، حيث كان معه في القدس عندما اغتيل الأخير.
في وقت مبكر من عهد الحسين، دخل في مفاوضات كان على وشك الانضمام بعدها لحلف بغداد 1955، لكن الشارع الأردني الذي كانت شواغله الوطنية والقومية مهيمنة وذات صوت عالٍ منعت الحسين من الذهاب في هذا الاتجاه. وتوترت العلاقات مع بريطانيا، وحصل الحزب الوطني الاشتراكي على أغلبية الأصوات في الانتخابات البرلمانية عام 1956، والذي كان زعيمه سليمان النابلسي، الذي تم تعيينه رئيساً للوزراء. لكن حسين طالب باستقالة حكومة النابلسي بعد حوالي ستة أشهر، لأنها كانت ذات ميول ناصرية، وهو ما لم يرض الحسين، ولازدياد الحس العروبي والمناهض للغرب... ونتيجة لذلك وضع الحسين أو بالأحرى أعاد بشكل رسمي الأردن إلى المعسكر الغربي، والتفت إلى الولايات المتحدة للمساعدة.
في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، ومع تشكيل الجمهورية العربية المتحدة والإطاحة بالنظام الملكي في العراق، وجد الأردن نفسه فجأة معزولاً مرة أخرى، واتجه نحو الولايات المتحدة وبريطانيا. خلال العقد التالي، حاول الأردن الحفاظ على التوازن بين كونه دولة عربية وبين علاقاته مع «إسرائيل»، الأمر الذي أصبح أكثر صعوبة خاصة بعد معركة السموع في 1966 والتي وفقاً لبعض المصادر، فإن الحسين قد أرسل بعدها رسالة تعزية إلى رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بسبب مقتل ثلاثة من رجال الشرطة «الإسرائيليين» الذين مرت مركبتهم فوق لغم أرضي زرعه فلسطينيون بحسب ما ورد.
في نهاية المطاف، بعد حرب 1967، فقد الأردن السيطرة على الضفة الغربية، والذي نتج عن دخول الحرب إلى جانب سورية ومصر، لكنه كان من وجهة نظره الخيار الأقل تكلفة، حيث كانت خسارة الضفة الغربية والقدس أفضل من خسارة كل دولته وعرشه، الأمر الذي كان سيحدث لو لم يقف إلى جانب الطرف العربي.
بعد حرب 1967، نقلت منظمة التحرير الفلسطينية ومجموعات فلسطينية أخرى قواعدها إلى الأردن، وبدأت في شن هجمات تستهدف «إسرائيل» من هناك، وهذه الأخيرة ردت من خلال استهداف مواقع الفلسطينيين في الأردن، وفي عام 1968 كانت إحدى الهجمات «الإسرائيلية» ضد معسكر تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في الأردن في بلدة الكرامة الأردنية على حدود الضفة الغربية. خسر «الإسرائيليون» في معركة الكرامة، فيما اعتبر انتصاراً أردنياً فلسطينياً مشتركاً، والذي نتج عنه دعم عربي للمقاتلين الفلسطينيين المتمركزين في الأردن، وبالأخص من سورية ومصر.
نتيجة لذلك، اكتسب الفلسطينيون المزيد من القوة والموارد في الأردن، الأمر الذي كان مقلقاً للحسين، وارتقب اللحظة المناسبة لمعالجة الأمر، حيث استخدم كذريعة إحدى عملياتهم في أواخر عام 1970، وعلى أساس ذلك أمر الجيش الأردني بتطويق المدن التي تتواجد فيها بشكل كبير منظمة التحرير الفلسطينية. أدى هذا إلى تحرك قوات من سورية دعماً لمنظمة التحرير الفلسطينية، وشن الجيش الأردني هجوماً أوقع خسائر فادحة في الجانب السوري. ومن المثير للاهتمام، أن طائرات تابعة للسلاح الجوي «الإسرائيلي» حلقت فوق القوات السورية المهزومة، ولكن دون أي تدخل، فقط لإظهار دعمها بشكل رمزي للحسين. تدخلت بعد هذه الحادثة مصر لوقف القتال، وعادت الأمور كما كانت، ولكن في أوائل عام 1971 شن الجيش الأردني مرة أخرى سلسلة من الهجمات بهدف طرد جميع المقاتلين الفلسطينيين، وهذا ما أدى إلى خروجهم إلى لبنان عن طريق سورية.
ربما كانت حرب تشرين الأول 1973 هي التي كان فيها الحسين أكثر شبهاً بجده عبد الله الأول. وفقاً لوثائق تم رفع السرية عنها في عام 2013، بعد حوالي 40 عاماً من حرب تشرين، تواصل الحسين مع غولدا مائير ليخبرها بأنه أرسل مساعدات للقوات السورية للحفاظ على موقعه في العالم العربي، وطلب من «إسرائيل» عدم مهاجمة الأردن. وبحسب الوثائق، كان هناك تعاون وتنسيق غير عادي بين «إسرائيل» والأردن خلال الحرب. وحسب المعلومات، فإن الوثائق التي رفعت عنها السرية، وبسبب حساسية عالية للغاية، لا تكشف عن جميع تفاصيل الاجتماع بين غولدا مائير والحسين في أيلول 1973، والذي أتى إليه مباشرة بعد اجتماع عقده مع قادة عرب آخرين لمناقشة الحرب، حيث تم نقل الحسين مع رئيس وزرائه في ذلك الوقت في طائرة هليكوبتر إلى مبنى للموساد خارج تل أبيب للقاء مع مائير.

العلاقات الأردنية السورية

ربما تكون وثيقة وكالة المخابرات الأمريكية المركزية ذات الرقم NESA 83-10360 (العائدة لعام 1983 والتي رفعت عنها السرية في 16 شباط 2012، ويمكن تحميلها كاملة عبر الرابط)، ربما تكون هذه الوثيقة بين أفضل المستندات التاريخية التي وصفت طبيعة العلاقة بين الأردن وسورية طوال عقود الخمسينات والستينات والسبعينات وحتى وقت كتابة الوثيقة.
بين ما جاء ضمن هذه الوثيقة: «التخفيض الشديد للمساعدة الأمريكية للأردن بعد رفض عمان لكامب ديفيد قد زاد من اعتماد الحسين على الدعم العربي. يعتقد الحسين، برأينا، أنه يحتاج المساعدة المالية الأمريكية والتسليح الحديث ليردع التهديد السوري المحتمل في حال انضم إلى مفاوضات السلام».

1047-13

في الوثيقة نفسها، نقرأ: «الملك حسين، الذي كان منبوذاً من جيرانه العرب خلال أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، يرى أن العلاقات الأردنية العربية هي أمر جوهري لاستمرار الاستقرار والأمن في بلاده. تمتلك الأردن علاقات صحيحة، إنْ لم نقل جيدة، مع كل الدول العربية عدا سورية، والملك ربما يكون مرغماً على تحسين علاقاته مع دمشق على أمل درء التهديد المحتمل المتمثل في سورية أكثر قوةً.
في الخمسينيات والستينيات، كان من الممكن توصيف علاقات الأردن العربية بشكل عام بوصفها تحالفاً بين الملك حسين والمعتدلين العرب، مثل: العربية السعودية، ضد الدول الراديكالية، متمثلة بمصر عبد الناصر وبحليفه الأقرب، سورية»

1047-11

«الشرق الأوسط الجديد» و«وادي عربة»

إذا وضع المرء جنباً إلى جنباً كلاً من كتاب شمعون بيريز «الشرق الأوسط الجديد» الذي نشر للمرة الأولى عام 1993، ونصوص اتفاق وادي عربة، وهو اتفاق «السلام» بين الأردن والكيان، فإنّ الاستنتاج الذي لا يمكنه إلا أن يصل إليه، هو أنّ اتفاق وادي عربة هو عبارة عن ترجمة عملية ومباشرة لكتاب بيريز، بما في ذلك التفاصيل المتعلقة بالمياه والكهرباء والربط الاقتصادي والطاقي الإقليمي... وكنا قد أشرنا إلى شيء من هذه الترابطات في مادة سابقة للمركز بعنوان: (خط الغاز «العربي»... كيف تنتج الأردن كهرباءها؟).
ونعيد هنا التذكير بهذه المسألة، أي الترابط بين الدور الإقليمي الموكل إلى الأردن وبين وادي عربة و«الشرق الأوسط الجديد»، لأنه فيما نعتقد خلاصة المسألة وجوهرها، وكذلك هو جوهر النشاط الأردني الذي نراه هذه الأيام...

نتائج أولية

ما ورد أعلاه بالكاد يخدش سطح العلاقة بين شرق الأردن/الأردن والحركة الصهيونية/ «إسرائيل»؛ حيث يغطي بشكل انتقائي 100 عام من الأحداث والحروب والتحولات الإقليمية والدولية. ولكن يبدو أن ما هو ثابت خلال هذه الفترة بدءاً مع عبد الله الأول، واستمراراً حتى يومنا هذا مع ابن حفيده عبد الله الثاني، هي المصالح المشتركة للكيانين. كان دور الأردن- بشكل مباشر أو غير مباشر- الانحياز إلى جانب الكيان الصهيوني في معظم الحروب العربية- «الإسرائيلية» وبالأخص تلك الأكثر خطورة وتهديداً لدول وشعوب المنطقة، وكان الدور الأردني في معظمه هو التوسل لأن يكون بمنأى عن الهجمات مقابل الحماية والمساعدة، إلى درجة توفير المعلومات الهامة، وذات التأثير الكارثي عسكرياً، وإيصال معلومات حول الخطط مع الدول العربية الأخرى. ناهيك عن كل سبل التطبيع الاقتصادي مع الكيان الصهيوني، وآخرها خط الغاز «العربي» الموضوع الذي نشرت قاسيون حوله مواد عديدة.
بكلام أكثر وضوحاً، فإنّ الأدوار التي يجري لعبها اتجاه سورية، من قبل الأردن، ومعه الإمارات وهي أوقح المطبعين وعرابتهم، هي أدوار لا يمكنها أن تكون معزولة بأي شكل من الأشكال عن أدوار صهيونية، هدفها النهائي هو اقتلاع سورية من اصطفافها التاريخي المعادي للصهيوني.
وكما هي الحال دائماً، يجري تصوير المواقف من مسألة عودة العلاقات بين سورية والدول العربية، على أنها إما أبيض أو أسود، ولا يجوز للمرء أن يتخذ موقفاً ثالثاً... بكلام آخر: إما أن تكون مع عودة علاقات سورية مع الدول العربية، وأن تكون هذه العودة جزءاً من عمل غربي أوسع لتجريف الموقف الوطني السوري، ولضم سورية إلى حظيرة تابعي الغرب، أو أن تكون ضد عودة علاقات سورية مع الدول العربية، وتكون تالياً مع عزل سورية واستمرار حصارها واستمرار العقوبات عليها... أي تكون أيضاً مع الغرب الذي يحاصر سورية ويعاقب شعبها!
فإما أن تكون مع الغرب، وإما أن تكون مع الغرب... كذلك يصور الإعلام المسألة في نهاية المطاف. ولكن أيضاً كما هي الحال دائماً، هنالك الخيار الثالث: ينبغي أن تعود علاقات طبيعية ندية لسورية مع كل محيطها العربي والإقليمي، عدا الكيان الصهيوني الذي ينبغي أن يكون الموقف منه أكثر وضوحاً وأكثر مبدئية من أي وقت مضى. ويجب أن يتم رفع العقوبات وأن تتم إعادة الإعمار... ولكن هذا كلّه مرتبط بمسألة واحدة وبطريق واحد: الحل السياسي الشامل عبر التنفيذ الكامل للقرار 2254، لأنّه لا معنى لأية علاقات خارجية قبل أن تكون الدولة التي تقيم هذه العلاقات سيدة في أرضها، وقبل أن يكون شعبها سيّداً على أرضه وموارده، وهذه وتلك لا يمكن أن تتم دون خروج القوات الأجنبية، ودون إعادة توحيد البلاد وتوحيد الناس... ومرة أخرى لا طريق لذلك سوى الحل السياسي الشامل.

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1047
آخر تعديل على الإثنين, 06 كانون1/ديسمبر 2021 13:36