كيف تعامل الإعلام الغربي مع قمة بوتين وبايدن الثانية وتداعياتها على الملف السوري

كيف تعامل الإعلام الغربي مع قمة بوتين وبايدن الثانية وتداعياتها على الملف السوري

بعد مرور ما يقرب من ستة أشهر على لقائهما الأول في جنيف منتصف حزيران الماضي، عقد الرئيسان بوتين وبايدن قمتهما الثانية الأسبوع الماضي، هذه المرة افتراضياً. على الرغم من أن القمة الأخيرة سبقها قدر كبير من التنبؤات والتحليلات، إلا أن الضجة حول هذا الاجتماع، قبله وبعده، كانت أيضاً عالية، ما يجعل من الضرورة بمكان قراءة ما حدث من أجل محاولة الوصول إلى صورة أوضح للمرحلة التي وصل إليها الصراع بشكل عام، ولفهم ما يجب التركيز عليه في العمل في سياق الأزمات التي تواجهها منطقتنا وسورية بالتحديد.

o1-2

ما قبل القمة

عقدت القمة بين الرئيسين يوم الثلاثاء 7 كانون الأول الجاري، وكانت عبر منصة افتراضية، على عكس اجتماع حزيران، الذي كان فيزيائياً. أصدر البيت الأبيض بياناً قبل أيام قليلة من القمة أشار إلى أن: «القادة سيناقشون مجموعة من الموضوعات في العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا، بما في ذلك الاستقرار الإستراتيجي والقضايا السيبرانية والقضايا الإقليمية. سيؤكد الرئيس بايدن مخاوف الولايات المتحدة بشأن الأنشطة العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا ويعيد تأكيد دعم الولايات المتحدة لسيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية».

في الأيام والأسابيع التي سبقت القمة، ركزت معظم وسائل الإعلام الغربية على قضية أوكرانيا، لا سيما في القول إنّ روسيا تحشد قوات عسكرية لها بالقرب من الحدود الأوكرانية، بل وحتى الحديث عن «محاولة غزو أوكرانيا». وسبق القمة نشاط دبلوماسي بين البلدين على مستوى عالٍ، بما في ذلك لقاء بين وزيري خارجية البلدين، كان الجو فيه غير وديٍّ وفق ما ورد في الإعلام وحتى من خلال تصريحاتهما المقتضبة.

خطاب العديد من وسائل الإعلام الغربية رسم مشهداً كما لو أن هناك خطراً وشيكاً من حرب تعتزم روسيا شنها ولا تهدد أوكرانيا فحسب، بل العالم بأسره. جاء الخطاب بمثابة قرع طبول الحرب، حتى أن البعض أعرب عن قلقه بشأن «تقاعس» بايدن عن معالجة الأمور كما يجب والتصدي لروسيا بـ«حزم».

في مقال لصحيفة بوليتيكو قبل ثلاثة أسابيع من القمة، نُقل عن محلل قوله: «إن تحركات روسيا العسكرية اتجاه أوكرانيا تثير أسئلة حقيقية حول الموازنة الحالية للإدارة بين مواجهة الكرملين والتعامل معه... أعتقد أنه من الواضح أن كفة الميزان يجب أن تكون أكثر ميلاً نحو المواجهة».
كان هناك أيضاً تصعيد في الخطاب قبيل الاجتماع، بما في ذلك الحديث عن أن إدارة بايدن «تعدّ مجموعة شاملة من المبادرات التي تهدف إلى ردع السيد بوتين عن الغزو»، كما ذكرت صحيفة «The i» البريطانية قبل ثلاثة أيام من انعقاد القمة.

ويبدو أن هذه المبادرات تشمل، وفقاً لمقال نشر في صحيفة الغارديان، «إجراءً عقابياً أمريكياً قد يستهدف خط السيل الشمالي الروسي، في حالة العمل العسكري الروسي، أو الوصول إلى نظام سويفت البنكي، أو التهديد بعقوبات على قطاعات أخرى تستهدف الاقتصاد الروسي».

ومن الطريف أنه ورد في مقال بوليتيكو المشار إليه أعلاه ما يلي: «عندما سُئل بايدن عن حزمة العقوبات... لم يطلب أن تكون أكثر ضرراً بالشعب الروسي. بدلاً من ذلك، أراد بايدن التأكد من أن تكون العقوبات «ذكية» ومصممة جيداً لتتمكن من تغيير سلوك الكرملين».

في سياق قرع طبول الحرب وتحشيد الرأي العام حول «الخطر الروسي الوشيك»، تحدثت العديد من الجهات الإعلامية عن غزو عسكري وشيك وتنافست على تضخيم عدد القوات من أقل من مئة ألف إلى ما يقرب من مئتي ألف جندي. وبينما تحدث مقال بوليتيكو عن «آلاف القوات»، تحدثت مقالة الغارديان عن «ما يقدر بـ مئة ألف»، وThe i تحدثت عن «أكثر من 94000 جندي روسي محتشدين بالقرب من حدود أوكرانيا»، بينما تحدث مقال في فرانس 24 عن «التخطيط لهجوم في أوائل عام 2022 يشارك فيه ما يصل إلى 175000 جندي».

o1-16

 

من التهديد إلى الفتور

في الأيام التي سبقت القمة، كانت النبرة في الإعلام وعلى لسان المسؤولين الغربيين وبالأخص أولئك في واشنطن أقرب إلى التهديد، ولكنها بدأت بالفتور مع اقتراب القمة. على سبيل المثال، قبل يوم من انعقاد القمة، قال مقال في مجلة Breaking Defense (مجلة رقمية أمريكية) بكل وضوح أن الإجراءات الأمريكية ضد روسيا «من غير المرجح أن تأتي في شكل رد عسكري أمريكي مباشر»، نقلاً عن مسؤول كبير بالإدارة، وأضاف المقال على لسان المسؤول: «أودّ أن أقول إن الولايات المتحدة لا تسعى إلى أن ينتهي بها الأمر في ظرف يكون فيه تركيز إجراءاتنا المضادة هو الاستخدام المباشر للقوة العسكرية الأمريكية». بالطبع، استمرت بعض وسائل الإعلام الأخرى في استخدام خطاب تصعيدي، ربما كان الهدف منه إبقاء الجمهور الغربي مشحوناً ضد روسيا وتحركاتها، وكالعادة في الإطار التقليدي الأمريكي الذي يحتاج بشكل مستمر إلى «تهديد خارجي» كأداة أساسية في إدارة الشأن الداخلي، وخاصة خلال الأزمات الاقتصادية...

على سبيل المثال، إحدى المقالات في صحيفة وول ستريت جورنال بدأ بالجملة التالية: «إذا تراجعت الولايات المتحدة، ستستفيد موسكو وستستثمر إيران والصين في ذلك»، ومن المعروف أنّ لذكر إيران والصين وقع سلبي حاد بالأخص على الجمهور الأمريكي.

ومع ذلك، بشكل عام، بدأت اللغة التي سبقت قمة السابع من كانون الأول في التخفيف من حدتها إلى حد ما، بما في ذلك الحديث عن «الشك المتبادل» و«الشك في أن بوتين سيقوم بالغزو»، كما فتحت مقالة في وكالة صوت أمريكا الباب لمحلل سياسي بارز مقرب من الكرملين مثل فيودور لوكيانوف، ليقول: «هذه هيستيريا اختلقها الغرب».

في يوم القمة نفسه وقبل أن تبدأ، في تقرير للمؤسسة الإعلامية الأمريكية، الإذاعة الوطنية العامة، تحدث مراسلها في موسكو عن تحذير بايدن قبل أسبوع من الثمن الباهظ الذي ستدفعه روسيا إذا كان هناك غزو، وتعزيزه للرسالة القاسية لوزير الخارجية بلينكن، ثم أضاف: «الآن، يقول فريق بايدن إن الرئيس يفضل الدبلوماسية». كما أشار مقال في صحيفة بوسطن غلوب، في اليوم نفسه أيضاً، إلى أن «كلاً من البيت الأبيض والكرملين حاولوا خفض التوقعات بشأن المكالمة، حيث قال كلا الجانبين إنهما لا يتوقعان أي اختراقات بشأن أوكرانيا أو القضايا الأخرى الموضوعة للمناقشة. لكن القوتين تؤكدان أن المحادثة- الأولى بين الزعيمين منذ الصيف- هي تقدم في حد ذاته»، مضيفاً أن هناك الكثير من القضايا الأخرى التي يجب مناقشتها غير أوكرانيا.

o1-17

ما بعد القمة

في يوم الثلاثاء، 7 كانون الأول، تحدث الرئيسان لمدة ساعتين تقريباً، وبعد ذلك أصدر البيت الأبيض بياناً مقتضباً حول القمة، كان الجزء الأساسي منه أن: «الرئيس بايدن أعرب عن القلق العميق للولايات المتحدة وحلفائنا الأوروبيين بشأن تصعيد روسيا لوجود القوات على حدود أوكرانيا، وأوضح أن الولايات المتحدة وحلفاءنا سيردون بإجراءات اقتصادية وغيرها من الإجراءات القوية في حالة التصعيد العسكري. وجدد الرئيس بايدن دعمه لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها ودعا إلى وقف التصعيد والعودة إلى الدبلوماسية».

من المفيد مقارنة هذا مع البيان التفصيلي الذي صدر عن الكرملين حول القمة، والذي تضمن ما جاء في بيان البيت الأبيض، لكنه قدّم الكثير من التفاصيل حول ما تم تبادله

من آراء ووجهات نظر متفاوتة ومختلفة بين الجانبين حول هذه القضية، والقضايا الأخرى التي نوقشت بينهما.

وبعد أن هدأت نسبياً غلواء التصعيد الإعلامي الغربي، نشر موقع روسيا اليوم يوم العاشر من الجاري مقالاً تحليلياً مهماً يحمل ابتداءً من عنوانه إيحاءً مختلفاً عن كامل الموجة الإعلامية الغربية: «بوتين وبايدن... احترام متبادل وقمة التحلي بالمسؤولية»، ومما جاء فيه: «بين أهم النتائج لهذه القمة أن واشنطن قد بدأت في الاقتناع بأهمية اتفاقيات مينسك، وضرورتها في تسوية الأزمة الأوكرانية». وفي مكان آخر من المقال يقول الكاتب: «لقد تحلّت تلك القمة الافتراضية بين الرئيسين الروسي والأمريكي بالمسؤولية الرفيعة والاحترام المتبادل بينهما، وكذلك التفهم العميق لمدى دقّة وحساسية القضايا التي تقلق أوطانهما».

يبدو أن هناك إدراكاً في أروقة واشنطن للتراجع الملموس من قبل بايدن وفريقه عن اللغة شديدة الهجومية السابقة وما ظهر كاستعداد واضح لشن حرب كاملة ضد روسيا، وهو تراجع لم يكن موضع ترحيب من الجميع. حيث كانت هناك تلميحات في مقال في «The Hill» إلى أنه إذا أصبح بايدن ليّناً اتجاه موسكو في حالة هجوم ضد أوكرانيا، فقد تكون هناك مقاومة في الكونغرس واستعداد لاتخاذ قرارات للرد، ومن كلا جانبي الممر- أي الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.

كما وصفت بعض وسائل الإعلام بايدن وبشكل واضح بأنه «ضعيف»، مثل نيويورك بوست، التي قللت أيضاً من شأن تهديداته باستخدام العقوبات، لأن هذا سيتطلب دعماً من الحلفاء، خاصة ألمانيا وبالتحديد فيما يتعلق بخط السيل الشمالي. وهذا يدل ليس على أن بايدن ضعيف، ولكن أنه والولايات المتحدة والغرب بشكل عام لا يملكون من الأدوات ما يدّعون امتلاكه ليس لمواجهة روسيا فحسب، بل وللاستمرار بالبلطجة العالمية المعهودة.

نظراً لعدم وجود نتائج ملموسة «معلنة» للاجتماع، ناهيك عن التراجع عن قرع طبول الحرب قبل الاجتماع، كان معظم تركيز وسائل الإعلام على التلويح بالعقوبات الأكثر صرامة، ولكن حتى تلك العقوبات لم تكن واضحة. وكما هو مذكور أعلاه تأتي مع بعض المحاذير، كتلك المتعلقة بخط السيل الشمالي.

ربما كانت مقالة نيويورك تايمز الأكثر وضوحاً في التعبير عن هذا الأمر، حيث أدرجت خمس ملاحظات أو استنتاجات حول المكالمة، والتي تكشف حقاً التموضع الحقيقي للدولتين في إطار الصراع الجاري. كانت هذه الاستنتاجات أن مصير أوكرانيا ما زال على المحك، بوتين يقف بحزم، هناك مخاطر على خط الغاز من روسيا إلى ألمانيا (ولكن أشار الكاتب إلى أنه من غير المرجح أن يفعل بايدن اتجاه الخط ما يوقعه في خلاف مع ألمانيا)، بايدن يحتاج حلفاءه، والموضوع ليس شخصياً بين الرئيسين حيث لا يوجد أي دليل على وجود عداوة شخصية.

بعد يوم من القمة، ذكرت شبكة سي إن إن الأمريكية أن بايدن «استبعد إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا للدفاع عن البلاد من الغزو الروسي»، وهو عكس الرسالة التي تم نقلها قبل أسبوع من اللقاء.

o1-18

التصعيد الكلامي والتنازلات: تناسب عكسي!

حتى دون التغيير في لهجة الخطاب خلال الأيام التي سبقت القمة وبعدها، من الواضح أن الولايات المتحدة تدرك أنه في عالم اليوم لم تعد شرطي العالم الذي يضع القوانين والعقوبات والضرائب ويشرف على امتثال الجميع لها.

ما أدركه البعض منذ فترة، أصبح اليوم أكثر وضوحاً للبقية ويصعب إخفاؤه أو التغاضي عن رؤيته، ولا سيما الغرب بقيادة وتبعية أمريكية: لقد انتهى عصر الهيمنة الغربية، ولم يعد ممكناً تجاهل الشرق أو تجاوزه.
التغيير في لهجة الخطاب ليس المؤشر الوحيد، ويمكن الاستنتاج بسهولة أن الولايات المتحدة تدرك هذه الديناميكية، وإلا لما كانت هناك أساساً هذه القمم، لا الأولى قبل ما يقرب من ستة أشهر ولا الأخيرة قبل أيام. تدرك الولايات المتحدة، أكثر من أية جهة أخرى، عدم القدرة على فعل أي شيء ما لم يتم التوصل إلى مستوى معين من التفاهم في إدارة الصراع، وأن هناك علاقة تجب إدارتها ولا يمكن القيام بذلك بمجرد التطبيل والتزمير والتلويح بالحروب.
هذا لا يعني أن الولايات المتحدة أو الغرب بشكل عام مستعد للاعتراف بذلك بشكل كامل وعلني، لكن الأفعال تقول ما فيه الكفاية. من المؤكد أنهم لا يحبذون ذلك، ولكن أيضاً من الواضح أنه لا خيار لديهم في الأمر. الأهم من ذلك، أنه سيكون هناك المزيد من التنازلات من قبل الولايات المتحدة والغرب، وخاصة لمصلحة روسيا والصين، لكن هذا لن يحدث بدون مقاومة ومحاولة فعل أي شيء وكل شيء يمكنهم القيام به لإبطاء أو وقف التحول، وإن كان ذلك على حساب شعوبهم، وبالأخص أمريكا التي هي على ما تعكسه تجربة كورونا، وتجربة 2008، الأكثر استعداداً للتضحية بأي شيء مقابل وقف صعود خصومها مرة أخرى.
أكثر من ذلك، وإذا قرأنا المتغيرات التي جرت على المستوى العالمي بعد القمة السابقة، وخاصة فيما يتعلق بأفغانستان وباليمن وإيران، وحتى طبيعة ومساحة الوجود الروسي في سورية، وغيرها من الملفات، لظهر أنه ربما بات هنالك ما يشبه القانون حول سلوك الولايات المتحدة الإعلامي والعملي ضمن الصراع مع كل من الصين وروسيا: كلما ارتفعت اللهجة الحربجية للمسؤولين وللإعلام الغربي، كلما عنى ذلك أنّ حجم التنازلات التي يجري تقديمها... أكبر!

o1-25

ماذا يعني كل ذلك بشكل عام وفي منطقتنا على وجه الخصوص؟

مع تآكل الهيمنة الغربية وبوتيرة متسارعة، يجب أن نتوقع المزيد من الجهود لإبطاء العملية أو حتى وقفها، من خلال محاولة إبطاء تأثير الصاعدين.
بالنظر إلى القمة الأخيرة والقمة التي عُقدت في الصيف، فإن أحد الأشياء التي عملت عليها الولايات المتحدة هو المماطلة قدر الإمكان في التنفيذ الكامل لمعظم الاتفاقات التي تم التوصل إليها بشأن أي من القضايا. وهذا يعطي الانطباع بأن الولايات المتحدة متعاونة وفي ذات الوقت تضمن عدم حل أي من القضايا بشكل كامل على أمل تعميق الأزمات الحالية قدر الإمكان حتى تصل إلى نقطة يتعذر حلها. هذا أيضاً يساعد الولايات المتحدة في مساعيها لإعطاء الانطباع – لنفسها قبل كل شيء، ولكن أيضاً لشعبها وباقي العالم- بأنها لا تزال هي الجهة الأساسية أو الوحيدة التي تتخذ القرارات الدولية وتحدد الحيثيات.
هناك العديد من المناطق في العالم التي يتضح فيها ذلك الأسلوب، بما في ذلك منطقتنا. حيث أدركت الولايات المتحدة منذ سنوات حتمية انسحابها من المنطقة، وركزت الكثير من جهودها على تعزيز وإدامة الأزمات في مواقع مختلفة منها، واللعب على التناقضات بين دول المنطقة وتعميقها، وتفخيخ المنطقة بالألغام التي يمكن أن تفجرها في وقت لاحق عن بعد. هذا ما تعمل روسيا، والصين معها إلى حد كبير، على إبطائه ووقفه.
الولايات المتحدة تدرك ما تحاول روسيا القيام به، ولذلك فإنها تعمل باستمرار على خلق أزمات في أجزاء مختلفة من العالم أو بطريقة ما فتح جبهات مواجهة بين الشرق والغرب في بقع مختلفة، لعلها تستنزف اللاعبين الرئيسيين على الجبهة الشرقية وتبطئ صعودهم الذي يعمل على التحضير لسد الفجوة التي سيخلفها التراجع الغربي. هذه الأزمات المتزايدة تعني أيضاً زيادة الأعباء على كاهل روسيا والصين، ولكن أيضاً على المناطق والدول التي تتعمق فيها لأزمات في محاولة لكسرها وإيصالها إلى نقطة اللاعودة- أي النقطة التي تصل فيها الأزمة إلى ذلك الحد من العمق لدرجة أن الخروج منها لا يعود ممكناً.
هذا لا يعني بأية حال انتصار الولايات المتحدة أو الغرب، أو أن الولايات المتحدة ستكون مرة أخرى القوة العظمى الوحيدة، حيث إن هذه الحركة نحو توازن عالمي جديد جارية وهي أيضاً وصلت إلى نقطة اللاعودة، ولكن الغرب بقيادة أمريكية وصل إلى مرحلة فقدان الأمل من استعادة الهيمنة كاملة، وقد يكون الخيار للبعض وبالتأكيد لأمريكا، القيام بأي شيء لوقف الحركة وإن كان هذا لا يعني أية مكاسب حقيقية لها إلا من خلال الآثار التدميرية على أكبر عدد ممكن من دول العالم وبالأخص تلك التي يمكن أن تستفيد من صعود المعسكر الشرقي مرة أخرى.
بالتالي، المطلوب في سياق منطقتنا على الأقل، وسورية على وجه الخصوص كمركز يحدد مصيره ما إذا كانت المنطقة سوف تنهار أو تتعافى، هو التنسيق الأكبر بين روسيا والصين، أو بالمصطلحات السورية، بين أستانا والصين. الهدف الأساسي من زيادة وتكثيف التنسيق يجب أن يكون أخذ زمام المبادرات الإقليمية بكاملها، بطريقة تضمن العمل للوصول إلى حلول لكافة الأزمات وبأقرب وقت ممكن قبل أن تصل نقطة اللاعودة، ويجب أن تكون هذه المبادرات مصممة بطريقة لا يكون لوجود الولايات المتحدة أهمية فيها، بحيث يمكن المضي بها بغض النظر عن الدور الأمريكي و«نشاطاته» في المنطقة، مع ترك باب موارب لواشنطن إنْ وصلت لقناعة أن الوقت قد حان للاعتراف بالواقع ولتخفيف الخسائر بما فيها خسائرها...

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1048
آخر تعديل على الأحد, 26 كانون1/ديسمبر 2021 00:32