افتتاحية قاسيون 1042: ملاقاة الاستياء مدخلاً للحل

افتتاحية قاسيون 1042: ملاقاة الاستياء مدخلاً للحل

تعيش البشرية بأسرها صراعاً عنيفاً في مواجهة المشروع الغربي بإحداثياته الجديدة- القديمة، والذي يسعى ضمن «إعادة الإقلاع الكبرى- The Great Reset» للقفز فوق الأزمة الرأسمالية المستعصية عبر توسع عمودي إجرامي بعد أن انتهت إمكانات الخروج من الأزمات عبر التوسع الأفقي.

المشروع «المستجد»، هو نقلة إضافية بعد النيوليبرالية وبعد العولمة، وهو تطوير للنيومالتوسية، ونحو التذرير المطلق للبشر وتحت يافطات متنوعة تبدأ من شعارات «حقوق الإنسان»، مروراً بتفتيت مؤسسة العائلة وغيرها من شبكات الأمان الاجتماعي، ووصولاً إلى إنهاء أي وجود فاعل ومستقل لأجهزة الدولة على امتداد العالم... ودائماً وأبداً عبر الأدوات المباشرة وغير المباشرة وأهمها الأنظمة الفاسدة المتخصصة في نهب وقمع شعوبها لحساب المركز الغربي.

تلعب روسيا والصين بشكل خاص، دور المواجهة المباشرة مع هذا المشروع انطلاقاً من الضرورات الوطنية للدولتين، وعلى رأسها ضرورة البقاء في مواجهة مشروعٍ لا يبحث عن منافسة وتحاصص بقدر ما يبحث عن استيلاء كامل وشامل لم يعد أمامه من بديل غيره للحفاظ على بقاء منظومته العالمية.

الشرق الأوسط، وعبر التاريخ، كان الساحة التي تلعب دوراً وازناً في حسم ميزان الصراع الدولي، وهو اليوم كذلك أيضاً. وسورية ضمن هذا الشرق، كانت ولا تزال مفتاحاً أساسياً في هذا الصراع، بل وباتت مركز الثقل الذي يتوقف على طريقة حسم الصراع فيه، تنفيذ أو عدم تنفيذ «إعادة الإقلاع الكبرى».

روسيا والصين بدورهما تعانيان من مشكلات داخلية ناجمة عن اتباعهما سياسات وتوصيات الغرب منذ تسعينات القرن الماضي، ولا حل أمامهما سوى القطع مع تلك السياسات مع ما يترتب على ذلك من صراعات ومواجهات داخلية حامية وقاسية ولكن لا مفرّ منها. وذلك بالتوازي مع نقل السياسات الخارجية خطوة إضافية نحو الأمام، نحو الهجوم، عبر حسم معركة سورية لصالح الشعب السوري وبعيداً عن الالتفافات الإقليمية المقادة صهيونياً وأمريكياً.

إنّ اصطفاف بعض النخب السورية من ضفتي الصراع، ضد روسيا والصين على طول الخط، وبشكل معلن أو موارب ومنافق، هو أمر مفهوم ومكشوف، وينبع من المصالح الضيقة لهؤلاء، والمرتبطة تاريخياً بوظيفتهم كسمسارٍ لعملية نهب البلاد.

عدا هؤلاء، فإنه يمكن أن نلمس أنه في أوساط أخرى أوسع، سياسية واجتماعية سورية، هنالك ضيق نفس في التعامل مع المواقف الروسية والصينية، وهو أمرٌ وإنْ كان مفهوماً، إلا أنّه غير مبرر إذا اتضحت الصورة الشاملة للصراع الجاري، والتي سيتقرر على أساسها مستقبل سورية والمنطقة، بل وإلى حد ما، مستقبل العالم بأسره، باعتبار سورية النموذج الذي ستنجح أو ستفشل فيه «إعادة الإقلاع الكبرى».

الاستياء الذي نلمسه من أوساط اجتماعية من المنهوبين السوريين من الدور الروسي والصيني الناجم بالدرجة الأولى عن تأخر حل الأزمة وعن تعمق المأساة، ورغم وضوح التحريض الغربي وتحريض الفاسدين الكبار ضمن النظام والمعارضة، إلا أنه مؤشر على ضرورة أن تأخذ روسيا والصين هذا المزاج الشعبي المستاء على محمل الجد، لملاقاته بسرعة ولعدم السماح بتثميره في خدمة الغرب، وعليهما مساعدته على التحول إلى رافعة لمقاومة «الحلول» الغربية المخيفة...

بالملموس، فإنّ ذلك لا طريق له إلا طريق واحد هو المباشرة بتنفيذ كامل القرار 2254، وتأمين الإطار اللازم اقتصادياً لتجاوز العقوبات الغربية بما في ذلك تمهيد الطريق للسوريين لافتكاك بلادهم من يد تجار الحروب والفاسدين الكبار والمنظومات التابعة والفاسدة... لأنّ الغرب بات يعبر بكل طريقة ممكنة، أنه لا يريد تطبيق القرار 2254، بما في ذلك سلوكه و«صفقاته» وتصريحاته، ومنها الذي أطلقه مؤخراً السفير الأمريكي الأسبق إلى سورية، ثيودور قطوف.

(النسخة الإنكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1042
آخر تعديل على الأحد, 31 تشرين1/أكتوير 2021 21:54