خط الغاز «العربي»... الملف الكامل
في ما يلي تضع قاسيون بين يدي قرائها، وفي مكان واحد، جملة المقالات والدراسات التي أجرتها خلال الأسابيع الماضية حول موضوع «خط الغاز العربي»، وذلك لما للموضوع من أهمية تتجاوز الاقتصاد إلى السياسية وجانبها الوطني خاصة...
إخراج الأرانب من القبعة السحرية... خط الغاز «العربي» كمؤشرٍ على طبيعة المرحلة
طرحت قاسيون في مادتها المعنونة «7 أسئلة حول خط الغاز (العربي)»، والمنشورة على موقعها الإلكتروني بتاريخ 8 أيلول الجاري، مجموعة أسئلة حول ما يسمى بخط الغاز «العربي»، وعلاقته بالسلوك الأمريكي في المنطقة وخاصة قانون قيصر، وكذلك جملة أسئلة أخرى حول الأدوار الفرنسية وحول طبيعة الموقف الصهيوني من المسألة.
في هذه المادة، سنحاول الإجابة عن سؤال أساسي: ما الذي يعنيه توقيت طرح خط الغاز «العربي»؛ بما يتعلق بترتيبات الوضع الدولي، ومن ثم وضع المنطقة، وأخيراً الوضع السوري؟
هوية المشروع، دولياً
المشروع وفقاً لما قيل عنه حتى الآن، يتضمن ربطاً طاقياً وكهربائياً بين مجموعة من الدول هي: «مصر، الأردن، سورية، لبنان، العراق». ويضاف إليها بشكل غير مباشر، الكيان الصهيوني لأنه مرتبط أصلاً بالمعنى الطاقي مع كل من مصر والأردن (ومرتبط من موقع المصدّر)... يضاف إلى ذلك، الترابط الطاقي/ السياسي لقسم من هذه الدول بشكلٍ علنيٍ مع الكيان ضمن ما يسمى «منتدى غاز شرق المتوسط»، والذي يضم كلّاً من: «مصر، (إسرائيل)، قبرص، فرنسا، اليونان، إيطاليا، الأردن»، والمُنشأ في القاهرة في أيلول من عام 2020، والذي انضمت إليه الولايات المتحدة في 9/آذار/2021 كعضو مراقب.
مجرد النظر إلى خريطة الخط، وطبيعة الترابطات الدولية التي أشرنا إليها، يسمح ببروز الاستنتاج الواضح أنّ هوية المشروع الدولية، ورغم اسمه «العربي»، هي هوية غربية بالصميم.
وهذا يعني ضمناً أنه بالضد من مشروع «الحزام والطريق» ومن المشروع «الأوراسي»، وأنه معاكس تماماً للتوجه شرقاً...
وبما أنّ طرح المشروع يتزامن مع عمليات الانكفاء والانسحاب العسكري الأمريكي من المنطقة، فليس من الصعب تشبيهه بالسيرة التقليدية لخروج الاستعمار العسكري المباشر من الباب، ودخوله من الشباك الاقتصادي...
هوية المشروع، إقليمياً
إذا كان البعض يجادل بأنّ الكيان الصهيوني ليس جزءاً من المشروع، لا بشكل علني ولا بشكلٍ سري، وإذا أردنا من جهتنا أن «نصفّي النية» ونوافق على هذا الكلام، فإنّ ما يصعب الجدال فيه هو الأمور التالية:
1- محاذاة الخط لكامل حدود فلسطين المحتلة الغربية وكامل حدودها الشرقية، والتفجيرات العديدة التي تعرّض لها الخط بقسمه المصري خلال السنوات الماضية، والتي نُسبت إلى «مجموعات إرهابية»، وأدّت و«بقدرة قادر» إلى فتح الطريق أمام الوصل الطاقي المباشر بين الكيان والأردن (الخط الواصل إلى محافظة المفرق الأردنية بطول 65 كم)، وهو المشروع الذي أعلن عنه عام 2016، وبدأ الضخ عبره السنة الماضية... يضاف إلى ذلك أنّ الخط الواصل بين العريش المصرية وعسقلان المحتلة، كان في بدايته خطاً للتصدير من مصر نحو الكيان، وانقلب اتجاهه منذ 2019... كل هذه الأمور تدفع إلى استنتاج واضح: الخط ككل سيكون تحت رحمة الصهيوني الذي (إذا افترضنا أنه ليس جزءاً متخفياً ضمن اللعبة)، فإنه سيكون في موقعٍ يسمح له بممارسة البلطجة عليه: «فإما أن أكون جزءاً من المشروع أو ألا يكون المشروع نفسه».
2- عقدتا الربط الغازي بين الكيان وبين كلٍ من مصر والأردن هما على التوالي: العريش المصرية، والمفرق الأردنية، واللتان تقعان أيضاً على طريق «خط الغاز العربي»! وهاتان الدولتان تستوردان الغاز من الكيان الصهيوني عبرهما، وسنحتاج إلى إثباتات كثيرة للتأكد أنهما لن تمرّرا الغاز المسروق من فلسطين باتجاه سورية ولبنان، لأنه ليس لدى الدولتين المعنيتين، وبشهادة السلوك الفعلي لكلٍ منهما، أيّ مانعٍ مبدئي من القيام بذلك...
3- الطاقة الاستيعابية القصوى لخط الغاز «العربي»، على أساس قطر الأنبوب، هي 10 مليارات متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي. الطاقة الاستيعابية للأنبوبين الذين تصدر «إسرائيل» عبرهما الغاز نحو مصر (العريش) والأردن (المفرق) - واللتان تقعان على خط الغاز العربي- هما على التتالي 7+3=10 مليارات متر مكعب.
4- وفقاً للباحث اللبناني د. شادي نهرا، فإنّه: «في أول أكتوبر 2018، أعلنت هآرتس أن شركة دِلِك الإسرائيلية اشترت 39% من أنبوب شرق المتوسط لتصدير الغاز الإسرائيلي من عسقلان إلى العريش. وأضاف الخبر، بدون تفاصيل، أن دِلِك اشترت أيضاً خط الغاز العربي الذي يربط العريش (مصر) بالعقبة (الأردن). وفي 5 أكتوبر، وقّعت مصر اتفاقاً لتصدير الغاز المصري إلى الأردن، من العريش إلى العقبة، الذي لا يتم إلا عبر خط الغاز العربي».
5- تقوم فكرة المشروع ككل على تصدير الغاز الطبيعي المصري عبر الأردن وسورية إلى لبنان، وتشير التصريحات إلى أنّ قسماً من الغاز سيجري تحويله إلى كهرباء في الأردن وإرساله عبر الشبكة الأردنية فالسورية فاللبنانية لحل أزمة الكهرباء في لبنان... ولكن المشروع ككل لن يساهم في أحسن الأحوال سوى بمقدار 5,5 ساعات وصل إضافية للكهرباء في لبنان، ما يثير تساؤلات جدية عن الجدوى الاقتصادية للمشروع في حال كان المصدر الوحيد للغاز ضمنه هو المصدر المصري... ومن ثم يثير تساؤلات عن الغايات السياسية له... (ضمن المادة هذه نفسها أفردنا فقرة بعنوان أرقام وحسابات لمناقشة هذه النقطة).
6- وزير البترول والثروة المعدنية المصري، طارق الملا، وفي تصريحات له خلال استضافته يوم الجمعة 10 أيلول الجاري في برنامج الحكاية مع الإعلامي عمرو أديب: «حدثت اكتشافات مؤخراً للغاز ليس في مصر فقط ولكن في إسرائيل وقد يكون في لبنان وفي غزة، هناك كشف منذ عدة سنوات وقبرص وكل الدول. الاكتشافات التي لدى هذه الدول كبيرة على احتياجاتها، ولا تستطيع أن تستفيد من هذا الكشف الموجود تحت المياه، ولابد أن يبيعوه وليس لديهم شبكات أو وسائل لتصريف هذا الغاز، فنحن كنا أنسب أجهز وأسرع حل. نعم لدينا اكتفاء ذاتي ونصدر ومن قدرتنا، ولكن لدينا إمكانات أن نستورد ونعيد التصدير، وبالتالي نشتغل في تجارة، نستورد ونصدر ونشغل، ونكون مركزاً لتجارة وتداول الغاز».
7- الوساطة والتشجيع الفرنسي والإماراتي للمشروع، وكذلك تعاون البنك الدولي (وفقاً لغجر)، وبالإضافة إلى كل ما سبق، يجعل من السؤال عن العلاقة بين هذا المشروع وبين عمليات التطبيع مع الكيان سؤالاً ملحاً ومشروعاً.
هوية المشروع، محلياً
إذا جمعنا الجانبين الدولي والإقليمي، ونظرنا إلى طبيعة القوى المؤثرة في سورية، فإنّ الاستنتاج المباشر هو أنّ المشروع يصب بالضد من خانة ثلاثي أستانا كاملاً (روسيا، تركيا، إيران)، إضافة إلى تعارضه مع مشروع «الحزام والطريق».
وربما أهم من ذلك، أنه وتحت ضغط العقوبات الأمريكية وضغط الفساد الكبير الداخلي والانهيار الاقتصادي، يجري تقديم هذا المشروع وكأنه الأرنب الذي يخرجه الساحر من قبعته في اللحظة الأخيرة... وأوضح مخاطر هذه اللعبة، وربما أقلها، هو تحويل سورية إلى ممر طاقي خاضع للبلطجة «الإسرائيلية» بأحسن الأحوال، وفي أسوئها إلى ممر طاقي للغاز الفلسطيني المسروق.
وليس من الصعب لمن يتابع تفاصيل الوضع السوري، ومحاولات المتشددين الهروب من الحل السياسي بأية طريقة ممكنة، أن يتوقع أنّ الغربيين لا مشكلة لديهم في بقاء الأمور على حالها المتردي، بل ودفعها لمزيد من التردي ضمن شرطين: استمرار الفوضى من جهة، وملء فراغ الانسحاب الأمريكي القادم عبر «اتفاقات أبراهام»...
المشروع كمؤشر على طبيعة المرحلة
كل ما قلناه سابقاً من معلومات وافتراضات، يناقش –برأينا- سيناريوهات غربية مأمولة، ولا يعني ذلك بحال من الأحوال أنها سيناريوهات حتمية التحقق، أو مستدامة، بل إنّ احتمالات تحققها واستدامتها مشتقة من القوة الفعلية لأصحابها (الآن ولاحقاً)، ليس على المستوى المحلي فقط، بل وعلى المستويين الإقليمي والدولي أيضاً... ولذا فإنها لا تزال حتى الآن في إطار «الرغبات».
ولكن ربما الاستنتاج الأكثر أهمية بما يخص الوضع السوري، هو أنّ الصراع قد انتقل من طورٍ إلى طورٍ آخر جديد بالكامل... فبعد مراحل الصراع الأمني- العسكري- السياسي، ومن ثم الاقتصادي، نرى اليوم أن الصراع تجاوز المرحلة التي كان استهدافها الأول هو تدمير سورية، إلى مرحلة بات الصراع فيها على آلية تعميرها...
بكلام آخر؛ فهو صراع على طبيعة التموضع الاقتصادي والسياسي والجيوسياسي لسورية ضمن المشاريع العالمية والإقليمية الكبرى. وهذا الأمر نفسه يعني صراعاً ضمنياً على الحل السياسي القادم؛ بين معسكر يريد القفز فوق الحل السياسي، وتحويله إلى نافلة عبر تثبيت الأمر الواقع أو عبر إجراء تغييرات شكلية تضع سورية على طريق سوليدير بيروت، وبين معسكر يريد تنفيذ الحل السياسي والذهاب بسورية شرقاً نحو اقتصاد منتج ونحو علاقات متكافئة اقتصادياً، وبالتأكيد نحو دور وظيفي معادٍ للصهيونية وللمشاريع الغربية...
أرقام وحسابات
• الطاقة الكهربائية التي يمكن إنتاجها من مترٍ مكعب واحد من الغاز الطبيعي، (باستخدام توربينات الغاز ذات الدورة المركبة CCGT)، وهي من بين الأعلى كفاءة في هذا المجال وتصل إلى 60%، هي 6,6 كيلو وات ساعي.
• تقدر احتياجات لبنان السنوية من الكهرباء بين 3000 و3500 ميغا وات (كاستطاعة)، تنتج منها بأحسن الأحوال 1800 ميغا وات، أي أنّ العجز يتراوح بين 1200 و1700 ميغا وات... أما كعجز في الطاقة فهو عجز الاستطاعة مضروباً بالزمن (وهنا هو سنة)، أي بين 10,5 و15 تيرا واط ساعي.
• بالتالي، فإنّ كمية الغاز الطبيعي التي يحتاجها لبنان لحلٍ كاملٍ لمشكلة الكهرباء، بافتراض استخدام توربينات CCGT، هي بين 1,6 و 2,3 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
• وفقاً للتقرير السنوي لبريتش بتروليوم الصادر هذا العام «Statistical Review of World Energy 2021» (يمكن تحميله عبر الرابط في النسخة الإلكترونية من المادة)، فإنّ إجمالي صادرات مصر من الغاز الطبيعي عام 2020، قد بلغت 1,8 مليار متر مكعب. وذلك علماً أنّ الفارق بين إنتاجها واستهلاكها في العام ذاته، أي الفائض القابل للتصدير هو فقط 0,7 مليار متر مكعب، ما يعني أنّ رقم 1,8 مليار متر مكعب للتصدير، يتضمن زيادة قدرها 1,1 مليار من المرجح أنها صادرات للكيان عبر مصر... وهذا ليس مخفياً؛ أي قيام «إسرائيل» بتصدير الغاز عبر مصر، وقد أعلن عنه وزير النفط والثروة المعدنية المصري طارق الملا في التاسع من الشهر الماضي.
• إذا كانت صادرات مصر هي 1,8 مليار متر مكعب سنوياً، فهذا يعني أنّ صادراتها كلّها، في حال تمّ تحويلها إلى طاقة كهربائية نقلت إلى لبنان، فإنها بالكاد تستطيع تعويض العجز القائم.
• المشروع ككل لا يتحدث عن حلٍ كامل لعجز الكهرباء في لبنان، بل عن حلٍ جزئي، يستند إلى استيراد 200 إلى 250 ميغاوات كهرباء من الأردن عبر الشبكة السورية (ما يعني وصلاً إضافياً للكهرباء في لبنان قدره 1,3 إلى 2 ساعة كحد أقصى)، وهذا الجزء لن يبدأ قبل 6 أشهر تقريباً (وفقاً لوزيرة الطاقة الأردنية في لقاء لها مع قناة الحرة الأمريكية يوم 9 أيلول الجاري)، إضافة إلى 450 ميغاوات (3 إلى 3,5 ساعات وصل إضافي كحد أقصى) يتم توليدها في محطة دير عمار اللبنانية باستخدام الغاز الطبيعي المفترض استيراده من مصر عبر الخط (وفقاً لتصريحات الوزير اللبناني ريمون غجر في مقابلة أجراها أيضاً مع قناة الحرة الأمريكية في الخامس من أيلول)... أي إنّ المشروع بأكمله، من المفترض أن يساهم في زيادة العدد الوسطي لساعات وصل الكهرباء في لبنان بمقدار 4,3 إلى 5,5 ساعات كحد أقصى... علماً أنّ مناطق عديدة في لبنان تحصل حالياً على ساعات وصل كهرباء بين صفر و3 ساعات يومياً.
• تتأكد حساباتنا السابقة من المقابلة المشار إليها آنفاً لوزير الطاقة اللبناني، والتي قال فيها إنه في حال تشغيل محطة دير عمار اللبنانية، فهذا يعني توليد «450 ميغاوات على الغاز، وبهذا سنتمكن من تحويل النفط العراقي لتشغيل محطات مختلفة، وبما يعني زيادة توفير الطاقة بحدود أربع ساعات إضافية».
• إذا افترضنا أنّ الأردن لن تعتمد على الغاز المصري ولا «الإسرائيلي» في توليد الـ 200 إلى 250 ميغاوات التي من المفترض أن تبيعها للبنان عبر الشبكة السورية، وإذا افترضنا أن سورية لن تأخذ أية حصة لا من الغاز ولا من الكهرباء، فإنّ توليد 450 ميغاوات عبر الغاز المصري في محطة دير عمار اللبنانية، يحتاج إلى حوالي 0,6 مليار متر مكعب من الغاز، أي تقريباً كل الفائض المصري من الغاز، ولزيادة توليد الكهرباء في لبنان مدة 3,5 ساعة كحد أقصى... فهل تكافئ هذه الزيادة المفترضة، كل هذه الضجة وهذه «الشبهات» والمخاطر؟ أليست هنالك حلول أخرى أسهل وأوفر... وأوضح؟
حول الحمض النووي DNA للغاز «العربي»...
(بالنظر إلى اتصال الشهر الماضي بين وزير البترول المصري، ووزيرة الطاقة «الإسرائيلية»، يبرز السؤال التالي: هل توصل العلم الحديث إلى تصنيع فلاتر/ مرشحات، تستطيع أن تحدد DNA الغاز، بحيث تعزل الغاز «الإسرائيلي» غير المسال، وتمنع مروره في خط الغاز «العربي»؟)
السؤال السابق هو السؤال السابع بين (7 أسئلة حول خط الغاز «العربي») طرحتها قاسيون على موقعها الإلكتروني بتاريخ 8 أيلول الجاري.
وقد أفرد عدد قاسيون الأخير ذو الرقم 1035 الصادر يوم الاثنين 13 أيلول، مادة أنجزها مركز دراسات قاسيون لنقاشٍ أوسع للمسألة، بما في ذلك بعض الجوانب الاقتصادية المتعلقة بالموضوع. (يمكن الوصول إلى المادة عبر الرابط).
يوم الأحد 12 أيلول، أصدرت كل من «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان»، و«الحملة الوطنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني: غاز العدو احتلال»، بياناً مشتركاً حول خط الغاز «العربي»، تحت عنوان: (لا تسمحوا للعدو بأن يدخل من «الطاقة» بعد طرده من الباب!)، وأعادت عدة مواقع وصحف عربية وأجنبية نشر البيان، بما فيها الأخبار اللبنانية والعالم الإيرانية وغيرهما.
من النقاط شديدة الأهمية ضمن هذا البيان المشترك، والتي تقدم عملياً إجابة على السؤال الذي بدأنا به هذه المادة، هي النقطة الأولى ضمن البيان، والتي نعرضها تالياً:
«خط الغاز الفلسطيني المسروق المستورد من الصهاينة من قبل شركة الكهرباء الوطنيّة المملوكة بالكامل للحكومة الأردنيّة، والقادم من الغرب، يشبك مع خط الغاز العربي القادم من الجنوب من مصر، والذاهب شمالاً نحو سورية ولبنان، في منطقة المفرق شمال الأردن، وبالتالي، يؤدي هذا الشبك إلى اختلاط الغاز القادم من مصر، بالغاز المستورد من الصهاينة، الأمر الذي يُدخل الكيان الصهيوني إلى شبكة الطاقة في المنطقة.
هذا الاختلاط منصوص عليه حرفيّاً في اتفاقية استيراد الغاز من الصهاينة، إذ تنصّ الفقرة 2.5 منها على الآتي: (يُقرّ البائع [الطرفُ الصهيونيّ] بأنّ المشتري [الطرف الأردنيّ] سوف يستورد إمداداتِ غازٍ أخرى، وينقل هذا الغاز باستخدام شبكة أنابيب الغاز في الأردن).
وبالتالي يكون الغازُ الطبيعيُّ المباعُ والمسلَّم إلى المشتري بموجب هذه الاتفاقيّة مختلطاً مع بعض، ولا يُنقل بشكل منفصل عن إمدادات الغاز الأخرى داخل شبكة أنابيب الغاز في الأردن.
كما تورد الفقرة 2.3.5 من الاتفاقيّة المذكورة ما يفيد بجواز استخدام منشآت نقل الغاز في الأردن والكيان الصهيوني من أجل نقل الغاز الطبيعيّ وشرائه وبيعه من مصادرَ أخرى غير حقل ليفاياثان الذي يسيطر الصهاينة عليه».
يتابع البيان في نقطته الثانية:
«بحسب المصادر الحكومية الأردنية ومصادر شركة الكهرباء الوطنيّة في الأردن، فإن 40% على الأقل من الكهرباء المولّدة في الأردن تتم بواسطة الغاز الفلسطيني المسروق الذي تستورده شركة الكهرباء الوطنية المملوكة بالكامل للحكومة الأردنية من الصهاينة، وندفع ثمنه- نحن المواطنين الأردنيّين- من جيوبنا، غصباً عنّا، ما قيمته 10 مليارات دولار تذهب لدعم الإرهاب الصهيوني ومشاريعه العدوانيّة والاستيطانيّة والإلحاقيّة؛ هكذا، يدخل الصهاينة، وببساطة، إلى شبكة الكهرباء الإقليمية العربية أيضاً التي تمتدّ (بالإضافة إلى مصر وسوريّة ولبنان) إلى العراق وبعض المناطق الفلسطينيّة».
خط الغاز «العربي»... كيف تنتج الأردن كهرباءها؟
تناولت مجموعة من المقالات في جريدة وموقع قاسيون خلال الأسابيع الماضية مسألة خط الغاز «العربي»: (يمكن الرجوع إليها عبر الروابط التالية 1- 2- 3، 4). ولكنها لم تقف بما فيه الكفاية عند الجانب الآخر من المشروع نفسه، والمتعلق بنقل الكهرباء من الأردن عبر سورية إلى لبنان.
ركّزت المقالات السابقة لقاسيون بشكل أساسي على الجانب المتعلق بنقل الغاز بشكله الطبيعي (غير المسال)، ومن ثم توليد الكهرباء باستخدامه في محطة دير عمار اللبنانية. وهنا نركز أكثر على الجزء من المشروع الذي يتعلق بإنتاج الكهرباء في الأردن وتصديرها نحو لبنان وغيرها، وذلك للسؤال عن مصدر «الفائض الكهربائي» الأردني...
لمحة تاريخية سريعة
يعود تاريخ «العلاقات الطاقية» بين سلطات الأردن والحركة الصهيونية إلى ما قبل إعلان الكيان الصهيوني بسنوات طويلة، ويمتد مروراً إلى مشروع بيريز لـ«الشرق الأوسط الجديد»، ويصل إلى وقتنا الراهن. وليس هنا مجال التوسع في هذه النقطة، ولكن نعتقد أنّه من المفيد وضع لمحة عن هذا التاريخ في خلفية التفكير أثناء التعامل مع المشاريع المستجدة. في هذا الإطار، نذكر المعلومات التالية:
• بعد المؤتمر الذي عقده تشرشل بين 12 و14 آذار من العام 1921 في القاهرة (وكان في حينه وزير المستعمرات)، وقرر بموجبه إعطاء العراق للملك فيصل بن الحسين الهارب من سورية، وإمارة شرقي الأردن لأخيه الأكبر عبدالله، فإنّ هذا الأخير لم تعجبه القسمة، وبدأ بالتواصل مع الصهاينة سراً سعياً لتحسين شروطه... ما يهمنا في هذا السياق هو أنّ وسيط التواصل بينه وبين الصهاينة لم يكن إلا بنحاس روتنبرغ، مؤسس «الفيلق اليهودي» وأحد مؤسسي الهاغاناه، وصاحب الامتياز البريطاني الحصري في شركة الكهرباء الفلسطينية (الإسرائيلية لاحقاً)، والتي يمتد عملها إلى أقسام من شرقي الأردن. أبعد من ذلك، فإنّ من موّله عام 1919 لتأسيس هذه الشركة هو البارون ادمون دي روتشيلد (يبدأ نص وعد بلفور 1917 بالكلمات التالية: «عزيزي اللورد روتشيلد»... وهذا اللورد هو ادمون نفسه)... وبكلام آخر، فإنّ دور قطاع الطاقة، والكهرباء خاصة، «الوسيط»، ليس جديداً، بل يعود إلى عام 1921، أي قبل 100 عامٍ بالضبط... وليس مستغرباً إذاً أنّ هذا «الوسيط» قد طوّر أدواته خلال قرن كامل...
• 5 آذار عام 1927، وافق حسن أبو الهدى، رئيس الحكومة الأردنية في حينه، على امتياز مشروع روتنبرج...
• حزيران، عام 1933، شارك الأمير عبدالله بن الشريف حسين في افتتاح مشروع روتنبرج.
• تتضمن المادة رقم 19 من معاهدة وادي عربة بين الأردن والكيان الصهيوني والموقعة في 26 تشرين الأول 1994، ما يلي: (الطاقة: 1 - سيتعاون الطرفان في تنمية موارد الطاقة بما في ذلك تنمية المشاريع ذات العلاقة بالطاقة كاستغلال الطاقة الشمسية. 2 - نظراً لكون الطرفين قد أتما التفاوض حول الربط المشترك لشبكات الكهرباء في منطقة العقبة - إيلات، لذا فسيقومان بتنفيذ هذا الربط عند توقيع هذه المعاهدة. ويعتبر الطرفان هذه الخطوة جزءاً من مفهوم ثنائي وإقليمي واسع. ويتفق الطرفان على الاستمرار في التفاوض بينهما بأسرع وقت ممكن لتوسيع مجال الربط المشترك للشبكات الكهربائية).
• من المعروف أنّ الأردن وقعت عام 2016 على اتفاقية استيراد غاز طبيعي من الكيان، وينص الاتفاق على تزويد الأردن خلال 15 عاماً بـ 45 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وبقيمة إجمالية تصل إلى 10 مليارات دولار. ومعروف أيضاً أنّ عملية ضخ الغاز قد بدأت العام الماضي. ونضيف هنا أنّ الجهة التي وقعت الاتفاق من الطرف الأردني هي شركة الكهرباء الأردنية، وهي الشركة نفسها التي من المفترض أن تزود لبنان –عبر الشبكة السورية- باستطاعة قدرها 200-250 ميغاوات... (ما يكافئ ساعتي وصل إضافي للكهرباء في لبنان كحد أقصى).
أرقام وحسابات
• وفقاً للإحصاءات الرسمية الأردنية، فإنّ إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة في الأردن عام 2020، قد بلغ قرابة 19.19 تيرا واط ساعي، واستهلك منه حوالي 18.86 تيرا، أي إنّ الفائض مقداره 0.33 تيرا واط ساعي.
• الجزء من مشروع تزويد لبنان بالغاز والكهرباء الذي يجري الحديث عنه، يتضمن كلاماً عن تزويده بكهرباء تنتج في الأردن باستطاعة 200-250 ميغا واط، (1.75 إلى 2.19 تيرا واط ساعي). أي إننا إذا استندنا إلى أرقام 2020، فإنّ تصدير الكمية المفترضة من الكهرباء إلى لبنان، سيتسبب بعجز في الأردن يتراوح بين (1.42 و1.86 تيرا واط ساعي) أو (7.4 إلى 9.7%) من إجمالي إنتاج 2020!
• بالنظر إلى الإحصاءات الرسمية لعام 2020 لتصدير واستيراد الكهرباء في الأردن، فإننا سنجد أنّ التصدير قد بلغ 381.2 غيغا واط ساعي، أما الاستيراد فقد بلغ 380.6 غيغا واط ساعي... أي إنّ صافي التصدير الكهربائي الأردني عام 2020 هو 0.6 غيغا واط ساعي... (والذي لو تم تصديره في حينه إلى لبنان، لكان أضاف إلى وقت وصل الكهرباء في لبنان 12 دقيقة يومياً)!
• وفقاً لتصريحاتٍ لوزيرة الطاقة الأردنية العام الماضي، وللتوضيحات التي تلت تلك التصريحات، (وهي تصريحات ثار حولها جدل في حينه)، فإنّ لدى الأردن إمكانات لإنتاج طاقة تزيد عن حاجة الاستهلاك الداخلي؛ أي إنّ الاستطاعة المركبة لا يتم تفعيلها كلّها لأنها باتت «وفقاً للتوضيحات»، أكبر من احتياجات السوق المحلية الأردنية.
• لكن مهما بلغت قيمة الاستطاعة الكهربائية المركبة في الأردن، (وبما أنّ القسم الأكبر من محطات التوليد هي محطات توليد تقليدية، 80% من الإنتاج)، فإنّ المحدد الأساسي لعملية التوليد سيكون «الطاقة الأولية» التي تحتاجها هذه المحطات لكي تنتج الكهرباء. وفي هذا الإطار يقول د. أحمد هندم، وهو رئيس قسم هندسة الطاقة المتجددة في جامعة جدارا الأردنية، إنّ الأردن تستورد جلّ حاجتها من الوقود من الخارج... «4.7% فقط من الطاقة الأولية تنتج محلياً».
• وبما يخص الكهرباء بالذات، فإنّ إنتاجها يستهلك 39% من إجمالي استهلاك الطاقة الأولية في الأردن، و 88% من الطاقة الكهربائية المنتجة في الأردن عام 2020، أنتجت باستخدام وقود مستورد.
• استوردت الأردن خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، نفطاً خاماً ومشتقات نفطية أخرى، بقيمة 855.5 مليون دولار، أي إنّ وسطي الاستيراد خلال عام قد يصل إلى قرابة ملياري دولار. (خلال الثلث الأول من العام الحالي ارتفع الدين العام الأردني بنسبة 2.7%).
• بحساب تقريبي، فإنّ حوالي 686 مليون دولار قد جرى دفعها خلال عام، كثمن للطاقة الأولية المستوردة المستخدمة في إنتاج الكهرباء في الأردن.
• تتضمن اتفاقية الأردن مع الكيان، استيراد غاز طبيعي بقيمة 10 مليارات دولار خلال 15 عاماً، أي حوالي 666 مليون دولار سنوياً، والطرف الموقع هو شركة الكهرباء، والاستخدام الأساسي للغاز الطبيعي في الأردن هو لإنتاج الكهرباء!
• كنا قد تساءلنا في مادة سابقة: هل تطور العلم بما يكفي لتصنيع مرشحات/ فلاتر، تحدد الحمض النووي DNA للغاز الطبيعي القادم من الكيان وتعزله عن ذاك القادم من مصر؟ والآن نضيف سؤالاً آخر: هل تطور العلم بما يكفي لعزل الكهرباء المنتجة بغازٍ «إسرائيلي»، عن تلك المنتجة بوقود آخر؟ وبطريقة أوضح: هل أنّ الصورة التي تقدم الأردن نفسها بها كبلد يسعى إلى التحول إلى مُصدرٍ إقليمي للكهرباء تقوم في أساسها على إنتاج الكهرباء عبر الغاز القادم من الكيان؟ وكنا قد أوضحنا في مادة سابقة أنّ فائض الغاز المصري إذا تم تصديره كله إلى لبنان، فهو بالكاد يكفيها، وهو أقل بكثير من أن يكون أساساً لتحويل الأردن إلى مركز إقليمي لتصدير الكهرباء...
تكثيف للمقالات السابقة
في ما يلي، نكثّف بشكل سريع بعض النتائج الأساسية التي وصلت إليها المقالات السابقة في قاسيون وموقعها الإلكتروني حول خط الغاز «العربي» (1- 2- 3، 4)، علماً أنّ هذا التكثيف لا يغني بحالٍ من الأحوال عن العودة إلى المقالات نفسها:
1- اتصال الخط في مكانين (العريش المصرية والمفرق الأدرنية)، مع الكيان الصهيوني، والاتفاقات المعلنة بين مصر والكيان من جهة وبين الأردن والكيان من جهة أخرى، تضمن للكيان إمكانية استخدام الخط نفسه لضخ «غازه»، أي الغاز الفلسطيني المسروق.
2- محاذاة الخط لكامل حدود فلسطين المحتلة الغربية والشرقية، يضع الخط بأكمله تحت البلطجة «الإسرائيلية»، في حال افترضنا أنّ الكيان ليس لاعباً ومستفيداً، بشكل مباشر أو غير مباشر، من الخط.
3- لا تملك مصر من فائض الغاز الطبيعي ما يؤهلها للعب دور مُصدرٍ إقليمي للغاز. إضافة إلى أنّ واقع الحال يقول إنها لا تزال تستورد من الكيان عبر خط عسقلان- العريش... وأكثر من ذلك فإنها لا تعرّف دورها على أنه متمحور حول تصدير الغاز، بل في كونها بلداً لديه البنية التحتية اللازمة للنقل وللإسالة (وهذا ما عبّر عنه وزير البترول والثروة المعدنية المصري في لقاء تلفزيوني يوم 10 أيلول الجاري). الأردن كذلك، يستورد الغاز من الكيان عبر خط حيفا المفرق.
4- كميات الغاز التي يجري الحديث عن إيصالها إلى لبنان، ستساهم في أحسن الأحوال بزيادة وصل الكهرباء بحدود 3.5ساعات.
5- الضوء الأخضر الأمريكي، وتعاون البنك الدولي مع المشروع، ووجود مصر والأردن و«إسرائيل» والولايات المتحدة ضمن «منتدى غاز شرق المتوسط»، وزيارة بينيت إلى مصر مؤخراً، إضافة إلى اتفاقات التطبيع والاتجاه الانسحابي لواشنطن من المنطقة وإلى ما سبق ذلك من دعوات لـ«ناتو عربي»، وإضافة إلى المشروع الذي لا يجب نسيانه (مشروع بيريز الذي عبر عنه في كتابه الشرق الأوسط الجديد)، وغيرها من المؤشرات، يرفع مستوى «الشبهات» حول المشروع، ويجعل منها قرائن وأدلّة ظرفية حول ارتباط المشروع ككل مع ترتيبات إقليمية كبرى تلعب فيها مسألة الربط الطاقي دور أحد أساسات مسارٍ متكامل يسعى إلى دمج الكيان ضمن المنطقة بما يخدم تأمين استمراره بعيداً عن قوانين الشرعية الدولية من جهة، وبما يخدم من الجهة الأخرى ملء الفراغ الأمريكي، وإبقاء المنطقة دائرةً في فلك التبعية والتخلف والأزمات...
خط الغاز «العربي»... الحكومات مجرد واجهات!
على السطح، يجري تقديم النسخة الحالية من المشروع المسمى «خط الغاز العربي»، على أنّها اتفاق بين مجموعة حكومات عربية هي: مصر، الأردن، سورية، ولبنان، ومع احتمال مخططات لتشميل العراق من باب الكهرباء... ولكنْ هذا على السطح فقط، لأنّ المشهد مختلف تماماً لمن يريد البحث في ما هو أعمق...
نشرت قاسيون خلال الأسابيع الماضية مجموعة مقالات ودراسات حول خط الغاز «العربي»، (يمكن العودة لها عبر الروابط: 1، 2، 3، 4، 5). نتابع في هذه المقالة دراسة جانب آخر من المسألة نفسها، والذي يمكن اختصاره بالسؤال التالي: ما هو الدور الفعلي لحكومتي مصر والأردن في هذا المشروع، وذلك بالتناسب مع الشركات الخاصة المحلية والأجنبية العاملة في مجالي الغاز والطاقة، في كلٍ من البلدين؟
غاز مصري... ولكنْ من المالك؟
• وفقاً لوزير البترول المصري الأسبق أسامة كمال، في حديث له مع موقع إيكونومي بلس: «لا تمتلك مصر كل ما تنتجه من الغاز؛ إذ تبلغ حصة الحكومة ثلثي ما يُنتج فقط، والثلث الأخير يملكه الشركاء الأجانب، وهم الشركات الأجنبية المُنقبة».
• الإنتاج الإجمالي لمصر من الغاز الطبيعي هو 7 مليار قدم مكعب يومياً، حصة الحكومة المصرية منها هي 4.5 مليار. الاستهلاك الداخلي اليومي في مصر هو 6 مليار قدم يومياً... أي أنّ الحكومة المصرية تستهلك كل ما تنتجه من غاز، وتشتري إضافة له 1.5 مليار قدم مكعب من الغاز يومياً من «الشركاء الأجانب».
• كنا قد بيّنا في مقالين سابقين (1، 2)، أنّ مصر قد صدرت العام الماضي 1.8 مليار متر مكعب من الغاز، في حين أنّ الفائض الفعلي بين الإنتاج والاستهلاك كان 0.7 مليار فقط، وبيّنا أن هذا الفائض بالكاد يفي بحاجة لبنان وحدها، وأنّ الفارق بين رقم التصدير ورقم الفائض (1.1 مليار متر مكعب) هو على الأرجح غاز «إسرائيلي» جرت إعادة تصديره عبر مصر، (إما بحالته الطبيعية أو بعد إسالته).
• نضيف هنا، وبناء على تصريحات وزير البترول المصري الأسبق، أنّه من التضليل اعتبار الدولة المصرية مُصدّراً –وإنْ متواضعاً- للغاز؛ وهذا ما يقوله الوزير بطريقة ملطّفة ضمن الحوار المشار إليه آنفاً: «صادرات الغاز نابعة من الأراضي المصرية، ولكن قد يكون المالك لها الشركاء الأجانب». إضافة إلى كلام الوزير فإنّ الأرقام تقول إنّ مصر بهذا المعنى هي مستوردٌ صافٍ للغاز الطبيعي، المصري وغير المصري! أي أنها (وإلى جانب ما تستورده من غاز من الكيان عبر خط عسقلان العريش) فإنها تشتري ما ينقصها من احتياجات داخلية من «الشركاء الأجانب» العاملين على أراضيها، وهذا النقص يصل إلى 15.5 مليار متر مكعب سنوياً.
• ولكي نتمكن من تبيّن معنى هذا الرقم الذي تشتريه مصر سنوياً من «الشركاء الأجانب» لتستكمل احتياجات استهلاكها الداخلي، فسنعقد المقارنات التالية: أولاً: يشكل هذا الرقم 25.8% أي حوالي ربع استهلاك مصر من الغاز، أي أنّ مصر تشتري ربع استهلاكها الداخلي من الغاز من «شركاء أجانب». ثانياً: يشكل هذا الرقم 22% من إجمالي ما ينتج من غاز «نابع من الأراضي المصرية». ثالثاً: وضحنا في مادة سابقة أنّه بافتراض أن لبنان تريد سد كامل عجزها الكهربائي والوصول إلى 24 ساعة وصل كهربائي يومياً باستخدام الغاز فقط، فإنها ستحتاج بين 1.6 و2.3 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً (وسطياً 1.95 مليار متر مكعب). أيّ أنّ حاجة مصر من الغاز التي تشتريها من «الشركاء الأجانب» سنوياً لأغراض الاستهلاك الداخلي هي وسطياً 8 أضعاف حاجة لبنان... وبعد ذلك يقال لنا إنّ مصر ستصدر الغاز إلى لبنان لـ«مساعدته على حلّ أزمته»، والأَولى –والحال ما هي عليه- أن تلتفت الحكومة المصرية لإيجاد طرقٍ لسد عجزها الداخلي بدل أن تشتغل كواجهة لقيام «الشركاء الأجانب» بتصدير غازها!
كهرباء أردنية... ولكن من المالك؟
• ارتفع الدين العام الأردني خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي ليصل إلى 38.1 مليار دولار، وهو ما يكافئ 85.9% من الناتج المحلي الإجمالي.
• 20% من هذا الدين، أي حوالي 7.62 مليار دولار، هو دين على «شركة الكهرباء الوطنية» الأردنية. ولفهمٍ صحيحٍ لكيفية عمل قطاع الكهرباء في الأردن لا بد من الإشارة إلى أنّ شركة الكهرباء الوطنية التي تتحمل هذا الدين الضخم تمتاز بخاصتين فريدتين: 1- هي شركة الكهرباء الحكومية الوحيدة في الأردن، وهي في الوقت نفسه شركة الكهرباء الوحيدة الخاسرة، في حين إنّ كل شركات الكهرباء الخاصة العاملة في الأردن هي شركات رابحة. 2- لا تعمل هذه الشركة في توليد الكهرباء، وإنما وظيفتها هي النقل والتحكم الكهربائي وشراء الكهرباء المنتجة من الشركات الخاصة وإعادة بيعها للمستهلكين... أي أنّ هنالك في الأردن نمطاً فريداً وعجيباً من خصخصة الكهرباء؛ حيث يجري توزيع الأرباح والخسائر بشكل ثابت: الشركات الخاصة تأخذ الأرباح، والشركة الحكومية تأخذ الخسائر.
• يفسر المهندس فراس العجارمة - وهو النائب الأردني وعضو لجنة الطاقة النيابية- هذه الخسارة في لقاء تلفزيوني بتاريخ 28/7/2021 على قناة رؤيا الأردنية. يقول العجارمة: «تم تضليل الحكومة الأردنية عبر شركات ودراسات بالقول إنّ الأردن سيحتاج عام 2020 إلى 5000 ميغا واط من الكهرباء. تم توقيع اتفاقات جائرة على موازنة الدولة والآن يريدون تدفيعها للمواطن». ويتابع: «ندفع سنوياً 380 مليون دينار أردني [536 مليون دولار] استطاعة؛ بند اسمه استطاعة»، ويشرح عبر مثال فيقول: «إذا كانت عندك شركة طاقة وأنا [الحكومة] موقع معك عقد. يمكنك أن تعطيني 200 ميغا واط، وأنا غير قادر على أن آخذ منك إلا 100، مع ذلك علي أن أعطيك ثمنها [ثمن الـ200]، سواء أخذتُ أم لم آخذ. وبعض هذه الاتفاقيات يمتد حتى عام 2047».
• لإلقاء الضوء أكثر على عملية «التضليل» التي يتحدث عنها العجارمة، لا بد من الإشارة إلى أنها بدأت منذ عام 2007 تحت مسمى «الإصلاح» ضمن خطة من 15 عاماً بتوصية من صندوق النقد الدولي، والذي طرح مؤخراً خطة جديدة لـ«إصلاح التشوهات» تمتد على ثلاثة أعوام من 2021 إلى 2024 وتتضمن إعادة تعريف الشرائح الكهربائية وأسعارها ضمن هدف هو «إعادة توجيه الدعم لمستحقيه». وليس على القارئ السوري أن يستغرب التعبير الذي استخدمته أيضاً الحكومات السورية، لأنّ المعلم والمشرف واحدٌ في كل هذه الأنظمة وهو صندوق النقد والبنك الدوليان اللذان يوزعان وصفاتهما على حكوماتـ«نا».
• الملفت، وربما المثير للسخرية، هو تفاجؤ صندوق النقد والبنك الدوليين بالنتائج التي خططا للوصول إليها... وفقاً للصحفية رهام زيدان: «قال البنك الدولي اليوم [29/5/2021] إن قطاع الكهرباء في الأردن يشكل مفارقة من حيث الإصلاحات؛ حيث حقق في السابق نجاحات في اجتذاب استثمارات جديدة من القطاع الخاص في الكهرباء ثم تبع ذلك اختلالات اقتصادية كلية تتعلق بالاستدامة المالية وتراكم الدين»... وهذه المفارقة التي يتحدث عنها البنك الدولي بطريقة التفافية كعادته، هي ذاتها التي تحدثنا عنها آنفاً: حيث النجاح والأرباح هي من نصيب الشركات الخاصة، والخسائر هي من نصيب الحكومة والشعب الأردني.
• بالعودة إلى جوهر المسألة التي نناقشها، فإنّ استهداف رفع الاستطاعة المركبة في الأردن إلى أرقامٍ تفوق بمراحل حاجة الاستهلاك الداخلي، وعلى حساب الحكومة وتالياً الشعب الأردني -وكما يتضح مما سبق- هو أمرٌ مخطط له منذ سنوات طويلة، ولكن لماذا؟
• مَنْ بدأ عام 2007 بمخططات رفع الاستطاعة المركبة في الأردن لتحويلها نحو التصدير، رفعها على أساس معرفته بأنّ هنالك ارتفاعاً سيجري في الطلب الإقليمي على الطاقة الكهربائية. وإذا عدنا إلى ذلك التاريخ، فإنّ سورية ولبنان والعراق لم تكن تعاني من أزماتٍ كبرى في الطاقة الكهربائية. أي أنّ أصحاب هذه المخططات قد توقعوا مسبقاً حصول الدمار الذي عمّ المنطقة بشكل ممنهج، أو أنهم في أحسن الأحوال استفادوا من «الفرصة التاريخية» للتدمير الممنهج الذي جرى بعد ذلك...
• في جوهر الجوهر، فإنّ من يستعد للتحول إلى مُصدّرٍ للكهرباء هو قطعاً ليس الأردن كبلد، وليس الأردن كحكومة، ولكن مجموعة شركات خاصة يصعب تعقب من هم مالكوها الفعليون. وأهم من ذلك أنّ الشريك والرابح الأساسي في هذه العملية تكشفه حقيقة أنّ 88% من عملية توليد الكهرباء في الأردن، وكما أشرنا في مقال سابق، تتم باستخدام طاقة أولية مستوردة. وكنا قد بيّنا أنّ هنالك تطابقاً شبه كامل بين الرقم الذي تدفعه الأردن سنوياً لاستيراد الطاقة الأولية المخصصة لإنتاج الكهرباء (حوالي 686 مليون دولار)، وبين القيمة التقديرية لثمن الغاز الذي تستورده الأردن سنوياً من «إسرائيل» (حوالي 666 مليون دولار).
• كما هو حال الغاز المصري، تظهر الحكومة الأردنية في مسألة الكهرباء بوصفها واجهة للقطاع الخاص المحلي والأجنبي، بل وتدفع هي نفسها (من جيوب الأردنيين طبعاً) تكاليف هذه العملية، تاركة أرباحها للشركاء «المحليين» و«الأجانب»... وكل ذلك ضمن رعاية وتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي...
• بالربط مع جملة المقالات السابقة، يصعب أنْ يرى المرء كل هذه المعطيات دون أن يتساءل عن علاقة الكيان المحتل بالمشروع ككل، ليس من باب «اغتنام الفرصة التاريخية» الآنية فحسب، بل ومن باب التحضير لها أيضاً...
ما هو الوزن الحقيقي للغاز المصري عالمياً؟
تحميل المرفقات :
- خط الغاز العربي - الملف الكامل (936 التنزيلات)
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1040