مرة أخرى: حول «التناقض» الصيني الروسي!
سلمى عبدالله سلمى عبدالله

مرة أخرى: حول «التناقض» الصيني الروسي!

نشرت قاسيون في عددها قبل الماضي ذي الرقم 1028 الصادر بتاريخ الاثنين 26 تموز الماضي مادة بعنوان: حول «التناقض» الصيني الروسي في سورية... وتشير بعض التصريحات والمقالات التي كتبت حول الموضوع خلال الأسبوعين الماضيين أن المسألة تحتمل كلاماً إضافياً...

كانت المادة المذكورة آنفاً قد أشارت إلى مثالين متناقضين شكلياً، ومتطابقين في تحليل واحد مشترك؛ المثال الأول: هو متشددون ضمن النظام وحوله، والثاني: هو نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لشؤون آسيا والمحيط الهادي، بيتر بروكس.

حدود الاتفاق في التحليل هي اختراع تناقض بين الصين وروسيا حول سورية، مركز ذلك التناقض هو الموقف من القرار 2254، وبيّنا في المادة السابقة نفسها أنّ الأكاذيب التي جرى إلقاؤها حول الموقف الصيني من الوضع السوري ارتكزت كلها إلى التعتيم على كلام وزير الخارجية الصيني الذي أشار فيه صراحة ووضوحاً إلى ضرورة تطبيق القرار 2254.

ما يمكن أن نضيفه هنا، وبعد أن شهدنا تخرصات جديدة في الاتجاه نفسه خلال الأسبوعين الفائتين، هي الأشياء التالية:

أولاً: إنّ أهم التقاطعات بين الصين وروسيا بما يخص سورية هي أنها إحدى البلدان التي من المخطط أن يمر عبرها كل من الحزام والطريق والمشروع الأوراسي، وهما مشروعان متكاملان قام البلدان بتوأمة استراتيجية لهما.

ثانياً: المشروعان يتطلبان نهضة هائلة في البنية التحتية للبلاد على مختلف الأصعدة، وهو الأمر الذي يضعها على عتبة عمليات تصنيع وإنتاج حقيقي جدي، وتالياً، على عتبة استقلال اقتصادي حقيقي عن الغرب وعن التبادل اللامتكافئ معه، والذي يحكم البلاد وينهبها منذ عقود عديدة.

ثالثاً: من البديهي أنّ مشاريع بهذه الضخامة، لا يمكنها أن تتحقق دون توفر شرط أساسي هو الاستقرار السياسي والاجتماعي. والاستقرار غير قابل للتحقيق في سورية بأبعاده المختلفة دون حل سياسي شامل على أساس 2254 يعيد توحيدها ويقلص النفوذ الغربي ضمنها إلى أقصى الحدود الممكنة.

رابعاً: تحقيق المشاريع الإنتاجية الكبرى يتطلب أيضاً بنية سياسية غير القائمة حالياً؛ فالبنية القائمة حالياً، ليست بنية فاسدة فقط، بل هي بنية تقوم بدورٍ وظيفي محدد بالمعنى الطبقي. هذا الدور هو خدمة فئة محددة من رأس المال المالي الذي يعمل بوصفه سمسار نهب نحو الغرب، ينهب البلاد داخلياً، يأخذ حصته ويمرر الباقي نحو المراكز الغربية. وعملية تمكين هذه الفئة قد بدأت منذ عدة عقود، وتسارعت بعد 2005 وتبني ما سمي اقتصاد السوق الاجتماعي. شملت هذه العملية تدمير وتخسير القطاع العام، ومنع تطور أية صناعة ثقيلة، وصولاً إلى ضرب كل أنواع الإنتاج الحقيقي... ما يعني: أنّ هذه البنية تتناقض جذرياً مع مشاريع الحزام والطريق والمشروع الأوراسي.

أخيراً: إنّ المحاولات التي يبذلها متشددون من الأطراف السورية، للّعب على «تناقض روسي صيني»، تعكس مدى البؤس الذي وصل له هؤلاء وخاصة في محاولاتهم لنشر أوهام وتضخيمها، ليس لبيعها للناس، بل لمحاولة إحباطها عبرها... فالمؤشرات التي ظهرت وتظهر حول توافق روسي أمريكي، وما يفتحه ذلك من أبواب للحل، تجري محاولة التغطية عليها عبر اختراع تناقض روسي صيني، بل والتعويل عليه بأنه سيمنع الحل ويؤجله...

 

(النسخة الإنلكيزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1030
آخر تعديل على الأربعاء, 11 آب/أغسطس 2021 17:49