من الاستنتاجات حول أحداث درعا الأخيرة
لم تهدأ الأمور بشكلٍ كامل بعد في محافظة درعا السورية بعد الأحداث العسكرية الأخيرة، ولكنّ الواضح أنها تسير في طريقها نحو الهدوء النسبي، وإنْ عبر صعوبات عديدة.
إنّ الاستنتاجات التي ينبغي على كل الجهات أن تدركها وتستوعبها من الأحداث الأخيرة، تتلخص برأينا في النقاط التالية:
أولاً: مرحلة العمليات العسكرية الكبرى قد انتهت، ولم يعد مقبولاً ولا ممكناً أن تستمر... وإذا كان لهذه العمليات ما يبررها ويجعلها ضرورة في مراحل سابقة، وبالدرجة الأولى في منع سقوط الدولة كدولة (وليس كنظام)، وفي محاربة الإرهاب المصنف من الأمم المتحدة كذلك، فإنّ هاتين المهمتين قد تم إنجاز الشق العسكري منهما من حيث المبدأ.
ثانياً: إذا كان منع إسقاط الدولة قد استخدم في مرحلة سابقة الأداة العسكرية، فإنّ الأداة السياسية والاقتصادية- الاجتماعية هي الأداة الأساسية لاستكمال المهمة نفسها، بل وأكثر من ذلك، فإنّ استخدام الأداة العسكرية نفسها، وضمن الظروف الحالية، بات يحمل مفعولاً معاكساً؛ عبر تعميق الشروخ ضمن المجتمع السوري وتعميق الجراح وإبعاد الحل السياسي، واستمرار حالة النزيف بما يهدد مستقبل الدولة نفسها.
ثالثاً: في النقطة نفسها، ومن وجهة نظر منع سقوط الدولة، فإنّ مهمة إنهاء حالة تقسيم الأمر الواقع بأسرع وقت ممكن، قد باتت اليوم المهمة الأولى؛ وهذه المهمة مستحيلة التحقيق عملياً عبر الأداة العسكرية، ناهيك عن أنّ محاولة الاعتماد على هذه الأداة يعني تجديداً للحرب، ونقلاً لها إلى مستوى أكثر كارثية وخطراً... عملية إعادة توحيد البلاد، وإخراج الأجنبي منها واستعادة سيادتها، تمر حصراً عبر التوافق بين السوريين وعبر إعادة التلاحم بين أبناء الشعب الواحد، وعلى أساس احترام كرامات الناس وحقوقها، وليس على أساس السحق والفرض... وهذا أمر لا يمكنه أن يتم تحت سطوة المتشددين الذين يتسيدون المشهد من الجهات المختلفة، ولذا فإنّ الحل السياسي وعبر 2254 وفتح باب التغيير الجذري الشامل، بات الأداة الأساسية لتحقيق مهمة الحفاظ على سورية وشعبها.
رابعاً: إذا كانت أدوات تهديد وحدة البلاد ووجودها ما قبل 2018 هي الأدوات العسكرية- السياسية بالدرجة الأولى، فإنّ أدوات الحصار والعقوبات باتت الأداة الأساسية لتحقيق الهدف نفسه. والتصدي لهذه الأدوات الاقتصادية غير ممكن بأية حال من الأحوال، في ظل هيمنة الفساد الكبير الذي يُحوّل هذه العقوبات نفسها إلى مزراب ذهب عبر الاستيراد والتصدير والتلاعب بأسعار الصرف، وعبر تكديس الأموال من مصادر متعددة بما فيها الكبتاغون وغيرها من التجارات السوداء. إنّ التصدي لهذه الأدوات يحتاج إلى توحيد البلاد من جهة، ويحتاج إلى توحيدها في ظل نظام جديد يكون تحت نظر الناس ورقابتها ومحاسبتها، لا نظاماً يكون الناس تحت رقابته وسطوته أمام كل كلمة يقولونها محتجين على الظلم والجور الواقع عليهم، وعلى أوضاعهم المزرية والكارثية!... الوصول إلى بناء نظام جديد يوحد السوريين ويحفظ كراماتهم وحقوقهم، ويوحد سورية، يمر بالضرورة عبر الحل السياسي وعبر القرار 2254...
بالمحصلة، فإنّ الأحداث الأخيرة في درعا أعادت تأكيد المؤكد: لم يعد هنالك من حل لأية مشكلة في سورية، كبيرة أو صغيرة، بغير طريق واحد هو طريق الحل السياسي وطريق كسر إرادة المتشددين وتجار الحرب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1030