2254 أكبر من صراع سلطة
لا يزال البعض -محكوماً بالرؤية المصلحية الضيقة- ينظر إلى القرار 2254 وإلى الحل السياسي على العموم، بوصفه مجرد أداة لصراع سياسي على السلطة!
وهؤلاء الذين يرون هذا الرأي من متشددي الطرفين، لا يعيرون في ممارساتهم العملية وفي سلوكهم السياسي أي اهتمام حقيقي للمسائل الوطنية الوجودية الملحة التي تواجه الشعب السوري في مناطق وجوده المختلفة، داخل وخارج سورية.
إنّ الحل السياسي والتطبيق الكامل للقرار 2254 بات حجر العقد الذي ترتص به وتتماسك أرجاء البلاد وناسها، ودونه يمكن لها أن تنفرط كلياً، وأن تتحول المأساة الفظيعة التي يعيشها السوريون إلى مأساة أكثر عمقاً وامتداداً وفظاعة... يتجلى ذلك في النقاط الأساسية التالية:
أولاً: بات واضحاً لكل ذي عقل أنّه ليس هنالك من مدخل واقعي لإنهاء حالة تقسيم الأمر الواقع، إلا عبر الحل السياسي الذي يعيد لحمة الشعب السوري بعيداً عن التقسيمات العمودية التي أوغلت بدماء السوريين والتي استفاد منها تجار الحرب والمتشددون من كل الأطراف، داخليين وخارجيين. والمتشددون الذين يعلون أصواتهم بأنهم سيرضخون ويكسرون إرادة السوريين، يعلمون، والكل يعلم، أنّهم غير قادرين على ذلك، وأنّ المهمة التي يضعونها مستحيلة ولن تؤدي إلا إلى مزيد من الخراب والعذابات، بل وإنّ «حربجيتهم» لا تصب إلا في مصلحة أصحاب مخططات تقسيم البلاد وإنهائها وعلى رأس أولئك الصهيوني...
ثانياً: من المعروف أيضاً لكل مطّلع بالحد الأدنى على التاريخ القريب، أنّ الأمريكي لن يرفع عقوباته وحصاره فورا وبسرعة، لكنه سيناور ويتمهل أملا في تحقيق مكاسب سياسية، وذلك حتى ولو حدث التغيير السياسي، وأياً يكن اتجاه ذلك التغيير، والعراق أحد أهم الأمثلة على ذلك. ولذا فإنّ مواجهة العقوبات والحصار تتطلب إرادة سياسية تنطلق من مصلحة عموم الشعب السوري وتمتلك الجرأة والمصلحة في بناء نموذج اقتصادي بديل يستند إلى التوازن الدولي الجديد، ويتجه شرقاً بشكل فعلي وليس بالكلام... وهذا غير ممكن دون الحل السياسي ودون 2254.
ثالثاً: النموذج الاقتصادي الاجتماعي الجديد هو ضرورة قصوى ليس للالتفاف على العقوبات فحسب، بل ولأنّ انهيار وضع السوريين المستمر بالمعنى الاقتصادي الاجتماعي يكمن بالأساس في الفساد الكبير الذي يتحكم بالبنى الأساسية للدولة ويصر على معدلات نهبه الفلكية ويتعامل مع البلاد كشركة ربحية غير مهتم بالنتائج على مستقبل البلاد والعباد... والقضاء على هذا الفساد الكبير يمر بالضرورة عبر نموذج جديد ينطلق من مصلحة المنهوبين ويطلق العنان لأصواتهم المكتومة بيد متشددي الأطراف المختلفة.
رابعاً: حتى إنهاء ما تبقى من إرهاب، وضمن تعقيدات التدخلات الدولية، وإنْ كان يحتاج في جانب منه إلى أدوات عسكرية أمنية، إلا أنّ أداته الأساسية باتت الأداة السياسية والاقتصادية-الاجتماعية، وهذه الأداة لا يمكن استخدامها دون الدخول في عملية التغيير الجذري الشامل عبر بوابة الحل السياسي.
إنّ تطبيق القرار 2254 بات مدخلاً إجبارياً ليس لإيقاف الكارثة السورية فحسب، بل ولإعادة توحيد سورية، ولاستعادة سيادتها، ولإخراج القوات الأجنبية منها، ولاستعادة دورها الإقليمي الفاعل المعادي للصهيوني، ولفتح الباب أمام السوريين ليعيشوا في بلادهم التي يحبونها، وبينهم ملايين محرومين منها، حياة كريمة وعزيزة تليق بهذا الشعب وبتاريخه وبنضالاته!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1029