افتتاحية قاسيون 1028: قراءة في تصريحات لافروف ووانغ يي
احتلت التصريحات الخاصة بسورية لكل من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال الأيام القليلة الماضية مركز النقاش السياسي في سورية وحولها.
من الجهة الصينية، ظهرت تصريحات الوزير وانغ يي يومي 17 و22 من الجاري حول سورية. وفي المناسبتين أكد الوزير الصيني على القرار 2254 ومركزيته في حل الأزمة السورية، إضافة إلى إبراز نشاط صيني أكثر وضوحاً ومباشرة على المستويين السياسي والاقتصادي، وذلك في تناغم تامٍ مع الدور الروسي وعلى النقيض من تخرصات وأوهام وأحلام متشددين من الأطراف المختلفة، وعلى العكس خصوصاً من المحاولات الأمريكية الهزلية الساعية إلى اختراع تناقض بين الطرفين الروسي والصيني حول سورية.
ومن الجهة الروسية، وخلال لقائه بالمبعوث الدولي الخاص غير بيدرسن، أطلق لافروف جملة تصريحات أكد فيها ليس على القرار 2254 فحسب، بل وبشكل حرفي على تنفيذ «كل جوانبه»، وضمناً ضرورة استئناف عمل اللجنة الدستورية.
وفي حديثه عن المعاناة الاقتصادية والإنسانية في سورية، أكد لافروف أنّ «السبب، بالطبع، متجذر في الصراع العسكري، الذي دمر جزءاً كبيراً من الأراضي السورية ومَواطِن الناس. لكن العقوبات الخانقة وغير القانونية على الإطلاق، وما يسمى بقانون قيصر الذي تبنته الولايات المتحدة والأنشطة المماثلة (أو الافتقار إلى الأنشطة) من جانب الاتحاد الأوروبي، تزيد بشكل واضح من الأزمة».
ويمكن القول إنّ هذا التوصيف أكثر قرباً من الواقع بكثير من حصر سبب المعاناة بالعقوبات الغربية، وذلك رغم أنّ واقع الأمور يقول إنّ الصراع العسكري نفسه ليس السبب الوحيد وليس السبب الأكثر جذرية، فإضافة إلى التدخلات الخارجية، هنالك البنية الاقتصادية الاجتماعية والسياسية للمنظومة الليبرالية المتوحشة السائدة في سورية مما قبل 2011... ولكن توصيفاً من هذا النوع ليس مطلوباً بطبيعة الحال من طرف خارجي.
ما يمكن استنتاجه بشكل أولي من النشاط العالي الروسي والصيني بما يخص سورية خلال الفترة الأخيرة هو ما يلي:
أولاً: بالتوازي مع التحضيرات الأمريكية للانسحاب من مجمل المنطقة، وهو الانسحاب الذي يسعى الأمريكي خلاله لزرع أكبر قدر ممكن من الألغام، فإنّ هنالك هجوماً صينياً روسياً معاكساً عماده هو الدفع نحو الحل السياسي على أساس 2254 كأداة أساسية في تفكيك الألغام المحتملة.
ثانياً: الانتقال نحو الهجوم بأداة الحل السياسي، بالضد من أدوات التفتيت والتفجير، يتضمن أيضاً وضع المشاريع الاقتصادية التنموية الكبرى على سكة التنفيذ عبر البدء بتهيئة الظروف المناسبة لها، وعلى رأس تلك الظروف إرساء الاستقرار في سورية والمنطقة عموماً.
ثالثاً: ليس خافياً على أحد أن الوصول إلى حالة استقرار حقيقي في سورية لا يمكن أن تتم دون عملية تغيير جذري يقودها السوريون ويملكها السوريون، وتؤدي إلى بناء نظام جديد يقطع مع التبعية الاقتصادية للغرب، ويقطع مع النموذج الليبرالي المتوحش الذي لا تمثل ضمنه النخب المحلية المتحكمة سوى سمسار للغربي والأوروبي خاصة.
إنّ هذا النشاط العالي المنسق بين الصين وروسيا، وبالتوازي مع احتمالات التوافق الروسي الأمريكي، والذي يلجأ له الأمريكي اضطرارياً ضمن عملية إدارة تراجعه وانسحابه، كل ذلك ينبغي أن يترافق مع نشاط أكثر كثافة للقوى الوطنية السورية بحيث ترص صفوفها بشكل أفضل استعداداً لمعارك الحل السياسي القادمة، والتي تتطلب نضالاً أكثر عمقاً وكثافة من كل ما جرى حتى الآن، ولكنه نضال سيكون بملامح أكثر وضوحاً بكثير، وسيكون صراطه الأساسي مصالح المنهوبين السوريين، أي مصالح 90% من السوريين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1028