بعد فشله مراراً... نسخة آسيوية لـ«الناتو»؟

بعد فشله مراراً... نسخة آسيوية لـ«الناتو»؟

شرعت الولايات المتحدة- الملتزمة بتأجيج نيران الحروب في مناطق مختلفة حول العالم، وإقحام العالم كله في كتل عسكرية وتحالفات مسلَّحة متصارعة- في السنوات الأخيرة ببناء مقاربات جديدة لتعزيز التحالفات العسكرية ضد الدول التي ترفض الانصياع لإملاءات واشنطن.

لهذا السبب تحديداً، توصلت الولايات المتحدة في عام 2018 إلى فكرة إنشاء ما يسمى بـ«الناتو العربي»، والذي برز هدفه الرئيس في مواجهة إيران. ووفقاً للخطط التي وضعها الإستراتيجيون في البيت الأبيض، كان من المفترض أن يشمل تكوين هذا النوع من الكتلة العسكرية الجديدة التي حملت اسم «التحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط» ست دول في منطقة الخليج: السعودية والإمارات والكويت وقطر وعمان والبحرين، وكذلك مصر والأردن. لكن، وكما هو الحال بالنسبة إلى معظم المشاريع الأمريكية، فإنه وبالنظر إلى المواقف المختلفة والمتباينة لأعضاء التحالف المفترض من إيران، لم يشهد «مشروع» البيت الأبيض هذا النور أبداً.

الصين بعد روسيا

على هذا النحو، وتنفيذاً للدعوة التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب قبل عام، والتي مفادها أنه يجب على «الناتو» ألا يحصر مواجهته على روسيا فحسب، بل على الصين أيضاً، فقد بدأ البيت الأبيض مؤخراً في اتخاذ تدابير عديدة لإنشاء ما يسمى بـ«الناتو الآسيوي». وقد تم طرح هذه الفكرة بشكلٍ خاص في «المنتدى الأمريكي الهندي» مؤخراً من جانب نائب وزير الخارجية الأمريكي ستيفن بيجون، الذي أعلن عن خطط لإنشاء تكتل قوي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

ووفقاً للرؤية الأمريكية، سيشمل هذا «التحالف» الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند في المقام الأول، وبعد ذلك كوريا الجنوبية ونيوزيلندا وفيتنام. وبحسب زعم بيجون، فإن «الاتحاد المستقبلي سيشمل دولاً تشترك في قيم ومصالح مشتركة» والتي، وفقاً له، يمكن أن تجذب العديد من الدول للانخراط في هذه الكتلة العسكرية، وليس فقط في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

المزيد من المحاولات لتحقيق فكرة «الناتو الآسيوي» على المستوى العملي قام بها وزيرا الدفاع والخارجية الأمريكيين، خلال اجتماعٍ جديد لـ«الحوار الأمني الرباعي» (محادثات إستراتيجية غير رسمية تعقد دورياً بين الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا) في طوكيو، حيث حدد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو هدف التحالف بشكلٍ واضح، مؤكداً أن «التعاون اليوم بات أكثر أهمية من أي وقت مضى لحماية شركاء أمريكا من الاستغلال والفساد والإكراه من قبل الصين».

توريط الهند
والموقف الياباني المستجد

حسب المتابعين والمحللين للشؤون الأمنية والإستراتيجية في آسيا والمحيط الهادئ، فإن أحد الأهداف الأساسية بالنسبة لواشنطن من مناقشة الموضوع في منتدى «الحوار الأمني الرباعي» هو إغراء الهند لتقديم دعمها للفكرة. ورغم ذلك، تكمن المشكلة الأساسية بالنسبة لواشنطن أمام إنشاء مثل هذا التحالف في أن الهند ليست في الغالب بصدد التورط بتحالف جدي تصعيدي ضد الصين، ذلك أن سقف ما تريده حتى الآن لا يتعدى حدود عزمها على تنويع علاقاتها السياسية والعسكرية والتكنولوجية، بما يضمن لها موقفاً قوياً لا أكثر، بالإضافة إلى أن الدخول في مثل النوع من التكتلات من شأنه أن يكون له تداعيات لا على العلاقات الهندية الصينية فحسب، بل وكذلك على العلاقات الهندية الروسية، وهذا ما لا تريده نيودلهي أبداً ولا سيما بعد أن حسمت أمرها خلال العامين الماضيين، وقررت تعزيز اعتماد جيشها على التقنيات العسكرية الروسية الحديثة.

وتجدر الإشارة إلى تصريح هام أدلى به رئيس الوزراء الياباني الجديد، يوشيهيدي سوجا، في 21 تشرين الأول في إندونيسيا، وتحديداً عندما سئل عمّا إذا كانت اليابان بصدد إنشاء نسخة آسيوية من منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ليؤكد أن «أفعالنا في بحر الصين الجنوبي لا تستهدف أية دولة بمفردها»، وهو تطور كبير وواضح بالنسبة لمن اعتادوا على تصريحات رئيس الوزراء السابق، شينزو آبي، الحامية ضد الصين، وأحاديثه الحماسية عن «القوس الآسيوي للديمقراطية» في إشارة إلى التكتل المفترض.
وفي هذا السياق، من الملفت أيضاً: أنه حتى القادة الآسيويون الذين لديهم مواقف سلبية اتجاه بكين، يحاولون عموماً تجنّب احتمالات الاضطرار إلى الاختيار بين الولايات المتحدة والصين. وبهذا الصدد، صرح رئيس الوزراء السنغافوري، لي هسين لونج: «إذا كنت صديقاً لبلدين يقعان على جانبين متقابلين من المتاريس، فيمكنك أحياناً التوافق مع كليهما بشكل جيد. أعتقد أنه من الأفضل عدم الانحياز إلى جانب أحد».

ماذا لو قررت الصين
أن يكون لها «ناتو» خاص؟

بالإضافة إلى ذلك، فإن تنفيذ التعاون العسكري على مستوى «الناتو الآسيوي» المفترض يتطلب أن تقوم الولايات المتحدة بتحديث قواتها العسكرية ووسائل دفاعها، وإنهاء عملية نزع السلاح النووي، وزيادة التمويل للصواريخ الباليستية التكتيكية الجديدة، ولكن هذا لم يحدث حتى الآن. وهذا دليل آخر على أن قضية إنشاء كتلة عسكرية آسيوية مناهضة للصين وموالية للولايات المتحدة لا تزال عالقة في الهواء.

ومما لا شك فيه، أن أحد العوامل التي تمنع واشنطن من تنفيذ هذه الفكرة، هو أن الصين قد تنشئ «الناتو الآسيوي» الخاص بها، مستفيدة من موقعها القوي في المنطقة. خلال العام الماضي، حث الرئيس الصيني، شي جين بينغ، قادة الدول الآسيوية على إنشاء هيكل أمني جديد في آسيا لتعزيز القدرات الدفاعية للمنطقة. ورغم أن الصين ليست مهتمة بإبرام اتفاقية معادية للولايات المتحدة مع أية دولة كانت، إلّا أن هدف الخطاب تمثل بشكلٍ أساس في التلويح بقدرة بكين على الدخول في هذه اللعبة، فيما لو حاولت الولايات المتحدة تجربة الخوض فيها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
990