مذكرة التفاهم.. أصداء ومعاني ودلالات
يعد توقيع مذكرة التفاهم بين مجلس سورية الديمقراطية، وحزب الإرادة الشعبية اختراقاً نوعياً في مسار الأزمة السورية باتجاه تأمين الحامل المادي السوري للحل السياسي... فإذا كان الحامل الدولي للحل متوفراً بحكم التوازن الدولي الجديد ومخرجاته، وخصوصاً القرار 2254، وإذا كانت عملية التراكم التي حدثت منذ إصدار هذا القرار لجهة تشكيل هياكل الحل الأساسية أو الداعمة، خطوات هامة (هيئة التفاوض– اللجنة الدستورية...) في سياق انطلاق الحل السياسي، فإن عدم جدية القوى السياسية السورية في طرفي النظام والمعارضة خلال السنوات الماضية وقف عائقاً أمام الاستثمار الأمثل لهذا التوازن لصالح الشعب السوري وإنهاء الكارثة الإنسانية، التي ألمّت به على مدى السنوات العشر الماضية.
أدّى عدم توفر الحامل المادي السوري للحل، إلى تغييب دور وإرادة الأغلبية الساحقة من السوريين في الموالاة والمعارضة الساعية إلى وضع حد للتراجيديا السورية، والانطلاق نحو بناء سورية الجديدة.
ضمن هذا المشهد جاءت المذكرة خطوة ملموسة باتجاه تجاوز الستاتيكو القائم، والسير نحو تأمين هذا الحامل من خلال تجميع القوى السورية؛ فنص المذكرة يؤكد على وحدة سورية أرضاً وشعباً، والحل السياسي، ومقاربة قضايا إشكالية، ومنها: طبيعة العلاقة بين المركزية واللامركزية، ومستقبل قوات سورية الديمقراطية كتشكيل عسكري، وأخذ واقع التعدد القومي بعين الاعتبار بما لا يؤثر على وحدة البلاد، كلها تشكل نقاط استناد وطنية جامعة يمكن البناء عليها لتجميع أوسع طيف سياسي سوري، لا سيما وأن المذكرة تتوافق شكلاً ومضموناً مع محتوى القرار 2254.
الضرورة والإمكانية
على الرغم من الأصداء الإيجابية التي تركتها مذكرة التفاهم، والاهتمام الإعلامي الواسع بها، وحالة الارتياح لدى أوساط سورية هامة، واجهت أطراف أخرى إصدار المذكرة بالنقد اللاذع والتشويه والتشكيك بحق الطرفين، وتعامل معها بعض آخر بالتجاهل والتطنيش، بما يحمله ذلك من إشارات، ولم يبادر أحد من الرافضين إلى مناقشة مضمون المذكرة وأهدافها، مما يعني من حيث المنطق أن المذكرة تمثل حداً معقولاً من التوافق، ليس بين الطرفين الموقعين عليها فحسب، بل يمكن أن تكون أساساً لتوافق وطني عام.
لقد جاء توقيع الوثيقة ليعبر عن إمكانية تأمين الحد الأدنى من التوافق بين قوى سياسية لها برامج وسياسات مختلفة، وخلافات حادة أحياناً حول بعض الملفات، إلا أن الإرادة السياسية للطرفين استطاعت التغلب على كل ذلك من خلال مناقشة صريحة وواضحة لجميع القضايا على مدى أشهر، والوصول إلى صياغات تراعي سياسات ورؤى الطرفين، وهو ما يؤكد على ما أكدت قاسيون عليه مراراً منذ السنوات الأولى للأزمة، وهو أن الحوار المباشر بين السوريين بالرغم من خلافاتهم يمكن أن يُذيب الكثير من الجليد المتراكم، ويساعد على تجاوز عقلية تسجيل النقاط بين الأطراف السورية... إن وصول الطرفين إلى التوافق يمكن أن يعتبر درساً عملياً لكل القوى السورية بأن التوافق ليس ممكناً فقط، بل ضرورة وطنية وديمقراطية وأخلاقية في ظل الأزمة السورية.
ما بعد المذكرة
يمتلك الطرفان الموقعان على المذكرة أوراق هامة بما يمثل كل منهما على الأرض، والتجربة السياسية، والخبرة العميقة بالواقع السوري التي يمكن أن تساهم في الحد من تأثير ودور التيارات الشوفينية في النظام ومعارضة الائتلاف، وتيارات الانعزال القومي في الوسط الكردي، وسلوكها الذي يمكن أن يتحول إلى ألغام على طريق العملية السياسية، وتطور سورية اللاحق.
من نافل القول: إن المذكرة يجب ألّا تتوقف عند حدود التوقيع، وتقدم المثل من ناحية الاقتصار على التفاهمات البروتوكولية، بل يجب أن يتحول إعلان مذكرة التفاهم إلى نقطة انطلاق لتحقيق عدة مهام ملحة:
نشاط دبلوماسي وسياسي، والسعي إلى تمثيل مسد في هياكل الحل السياسي.
نشاط على الأرض يهدف إلى توسيع دائرة القوى السياسية والمجتمعية التي من الممكن أن تنضم إلى التوقيع على المذكرة، بحيث تشمل أوسع طيف سوري.
تسخير كل ذلك لمصلحة الهدف الأساس من المذكرة، وهو الضغط باتجاه تفعيل العملية السياسية على أساس القرار 2254.
بكل ما يعنيه من إعادة القرار إلى السوريين– كل السوريين- لتقرير مصيرهم، بما يؤمن الحفاظ على وحدة البلاد وإخراج كل القوات الأجنبية، وحق الشعب السوري في التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 982