بالفعل؛ فإنّ السيد نصر الحريري: «وطني وقومي»!
بعد أن أدى دوره التخريبي عبر سنتين ونصف ضمن هيئة التفاوض بنسختها الثانية، وقبل ذلك لمدة عامين آخرين تقريباً في وفد هيئة التفاوض بنسختها الأولى، يتابع الحريري هذه الأيام أعماله التخريبية.
قبل عرض أعماله الراهنة، نتساءل بداية: هل علينا التذكير بأنه كان من بين مجموعة الـ44 التي رفضت بيان جنيف؟ واستمر رافضاً له حتى فترة قصيرة قبل 2254، لينقلب موافقاً على جنيف ومتمسكاً به، ورافضاً لـ2254، ثم موافقاً على هذا الأخير ورافضاً لأستانا، ثم موافقاً على أستانا ورافضاً لسوتشي وللجنة الدستورية... ثم موافقاً على نتائج سوتشي ومعيقاً لتشكيل اللجنة الدستورية... وبين هذه المحطات كلّها، كان من أفضل الذين يسهبون في الكلام الإنشائي الشتائمي الذي يقدم لمتشددي الطرف الآخر، وبكرم عجيب ومنقطع النظير، شتى أنواع الذرائع والحجج للتعطيل وللهروب من الاستحقاقات المختلفة...
هل علينا التذكير بموافقته ومديحه للعقوبات الأمريكية والغربية على الشعب السوري، بحجة أنها عقوبات للنظام؟ (رغم أنّ القاصي والداني يعلم من الذي تضرر حقاً من هذه العقوبات). هل علينا التذكير بموقفه الإيجابي من لا ورقة تيلرسون ولا ورقة بومبيو، واللتان تدعوان حرفياً إلى ما هو أسوأ حتى من الفيدرالية، بل وتفتحان باب التقسيم؟؟
وللتذكير، فإنّ من بين ما تنص عليه اللا أوراق الأمريكية ما يلي حرفياً: «لا مركزية السلطة/ موازنة المصالح الإقليمية: منح سلطة واضحة للحكومات الإقليمية استناداً إلى مبادئ اللا مركزية/ تفويض السلطة مع العمل بمبدأ فصل السلطات أيضاً».
الكلام الأمريكي عن «حكومات إقليمية» لم يثر حفيظة الحريري، ولا أثار هواجسه من التقسيم، بل واعتبره إيجابياً! ولكن الكلام عن علاقة متطورة بين المركزية في الشؤون الأساسية ولا مركزية في الشؤون الأخرى بدا له كلاماً خطيراً، طبعاً بعد أن حرّفه وأدخل ضمنه كلاماً ليس منه بالقول (فيدرالية)... المثال هذا كفيل وحده بإظهار حجم الكذب والازدواجية...
في اللا ورقة أيضاً، أنّ سورية يجب أن تكون «دولة لا تهدد جيرانها»... ويبدو أنه كان من الصعب على الحريري أن يستنتج أن أمريكا تقصد بهذا الكلام «إسرائيل» تحديداً، ولذلك لم يعقه هذا عن إبداء استحسانه للا ورقة الأمريكية. ولم يدفعه حتى الموقف الأمريكي الموافق على ضم الجولان السوري المحتل إلى الكيان الصهيوني إلى حذف الولايات المتحدة من «قائمة أصدقاء الشعب السوري» المعتمدة لديه!
من النعم التي يغدقها علينا عصر الإنترنت أنّ كل شيء مسجل ومحفوظ... ولا مجال للهرب والتلاعب.
في جديده، أنه أرسل رسالة لجامعة الدول العربية يطالبها بعقد اجتماع طارئ للتصدي لسياسات pyd «الانفصالية» و«الإرهابية»، وقبل ذلك بيوم كان قد غرّد بشكل موارب ضد مذكرة التفاهم بين الإرادة الشعبية ومجلس سورية الديمقراطية مكرراً الكذبة القائلة بأنّ المذكرة تروج للفيدرالية.
المثير للانتباه، أنّ الحريري لم يتنغّص يوماً من لقاءات مسد مع الأمريكان، وعلى الأقل لم تدفعه حميته «الوطنية» إلى طلب اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية، إلّا حين اجتمعت مسد مع الإرادة الشعبية، ومع الروس!
ولكن قبل ذلك، ينبغي التذكير بأنّ السيد الحريري وافق ودعم وشجع استخدام عملة غير العملة السورية في مناطق الشمال الغربي السوري، بل ويذهب الحريري أبعد من ذلك كثيراً في تسجيل فيديو موجود على يوتيوب بتاريخ 29/8/2020: «هذا الأمر (المفاوضات مع شركة اتصالات) دفعنا للنظر مجدداً بقضايا كنا قد فكرنا فيها سابقاً، حاجة المناطق المحررة إلى منظومة قانونية وربما حتى دستورية»... ويمرّ الحريري ضمن حديثه على «الحاجة» إلى قانون أحزاب ينظم «العمل ضمن الحالة الثورية» وكذلك قانون انتخابات.
أي أنّ الحريري الذي يتهم الآخرين بأنهم انفصاليون، يوافق ويشجع ويدعم أن تحل في مناطق الشمال الغربي من سورية عملة غير سورية وعلم غير سوري، بل وقانون انتخابات وأحزاب وحتى دستور، بل وتعليم واسع للغة التركية... لتنظيم «العمل ضمن الحالة الثورية»! هل يمكن إضافة أية صفة أخرى أو سلوك آخر فوق ذلك لتوصيف الانفصالية؟؟
ولكن لا.. نصر الحريري ليس انفصالياً، هو وطني وقومي مخلص إلى أبعد الحدود، وذلك تثبته جنسيته الثانية... فهو بهذا المعنى تحديداً، وبهذا المعنى فقط: وطني، وقومي..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 982