افتتاحية قاسيون 975: ما نموذج الدولة المطلوب؟

افتتاحية قاسيون 975: ما نموذج الدولة المطلوب؟

ترتفع وتيرة النقاش في الآونة الأخيرة حول التصورات المختلفة لسورية الجديدة؛ بما يعنيه ذلك من طبيعة النظام السياسي فيها، وضمناً ماهيّة العلاقة بين السلطات الثلاث، وكذلك مسألة العلاقة بين المركزية واللامركزية.

وإذا كان احتمال انعقاد اجتماع قريب للجنة الدستورية هو من بين المحفزات الآنية للنقاش الجاري، فإنّ المحفز المستمر هو ضرورة التغيير الجذري الشامل انطلاقاً من التطبيق الكامل للقرار 2254، إنقاذاً للبلاد وشعبها من الواقع الكارثي المأزوم.

حول الطبيعة العامة للنظام السياسي في سورية الجديدة، تتوزع الآراء على مروحة تمتد من الرئاسي إلى البرلماني مروراً بالمختلط بنوعيه (شبه الرئاسي وشبه البرلماني).

إنّ اختيار طبيعة النظام الجديد، ينبغي أن تنطلق من دراسة عميقة للخصوصية السورية. ضمن هذه الدراسة، لا يمكن أن تغيب نقاط أساسية عديدة على رأسها:

1- بلد مدمر بنسب كارثية وفي كل المجالات.

2- مخاطر تقسيم لا تزال حاضرة ويعمل الأعداء عليها بشكل مستمر.

3- قضايا وطنية معلّقة منذ عقود وعلى رأسها تحرير الجولان السوري المحتل، وأخرى مستجدة.

النظر في هذه المحددات، قد يدفع الذهن إلى الخيار الرئاسي شديد المركزية. ولكن من جهة أخرى، فإنّ النموذج الرئاسي شديد المركزية قد استنفد قدراته على دفع البلاد قدماً منذ عقود، وبات معيقاً للتطور؛ بالدرجة الأولى، لأنّه يعبر عن درجة محددة من تطور علاقات الإنتاج جرى تجاوزها، وضمناً لأنه يكبح تطور المجتمع بالمعنى الديمقراطي، ويقمع تطور حركته السياسية، وهو ما بات الواقع منذ 2011 برهاناً واضحاً على نتائجه الكارثية.

محاكمة من هذا النوع، قد تدفع لتبني خيار برلماني وشديد اللامركزية. لكنّ محاكمة تنظر إلى قطبي المسألة معاً، تسمح بإنتاج نموذج خاص لسورية الجديدة، يؤمن الحد الأدنى الضروري للتصدي لمختلف المهام الوطنية الكبرى.

نموذج كهذا، ينبغي أن يأخذ من الرئاسي ما يضمن وحدة البلاد وشعبها وتصديها لأعداء سورية التاريخيين، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني، وأن يأخذ من البرلماني الآفاق التي يفتحها أمام تطور الحركة السياسية، وتسمح تالياً بولادة الفضاء السياسي الجديد الذي يعبّر عن الناس حقاً، لا كحال الفضاء القديم الذي بات يُمثل عليهم منذ زمن.

نموذج كهذا، ينبغي أن يجد صيغة متطورة للعلاقة بين المركزية واللامركزية؛ ففي الخصوصية السورية، فإنّ اللامركزية وحدها تعني (لا دولة)، والمركزية وحدها تعني (لا شعب).

نموذج كهذا، هو نموذج رئاسي- برلماني، وبصيغة متطورة للعلاقة بين المركزية واللامركزية. وهو نموذج لا يمكن له أنْ يتحول واقعاً دون قانون انتخابات نسبي وتكون فيه سورية دائرة واحدة. بغير ذلك، فإنّ الحياة السياسية في البلاد ستبقى محكومة لسلطة أجهزة الدولة، وسلطة قوى المال، وللتجارة بالانتماءات تحت الوطنية. هاتان السلطتان المتعاونتان في نهاية المطاف، قد وضّحتا بالمثال الحي أي مآسٍ يمكنهما أن تجلبا على الشعب سواء في الجانب المعيشي أو الأمني أو الديمقراطي أو الثقافي ووصولاً إلى الوطني العام.

افتتاحية قاسيون العدد 975

لتحميل العدد 975 PDF

معلومات إضافية

العدد رقم:
975
آخر تعديل على الأحد, 19 تموز/يوليو 2020 21:44