افتتاحية قاسيون 970: كيف نمنع السكتة القلبية!
يتعرض الاقتصاد السوري لخطر السكتة القلبية منذ بدايات ٢٠١٣ التي بدأت تظهر عوارضها منذ ذلك الحين، وتقوى مع تأخر الحل السياسي للأزمة السورية، وهذا ما أكدناه منذ ذلك الحين: «استمرار الأزمة سيصيب الاقتصاد السوري بالسكتة القلبية» (أيلول 2012).
يكمن جذر المسألة في السياسات الليبرالية التي تسارع تطبيقها ابتداءً من العام 2005 تحت مسمى «اقتصاد السوق الاجتماعي». هذه السياسات، وإلى جانب الكوارث التي جلبتها بمعدلات الفقر التي ارتفعت خلال خمس سنوات من 30% إلى حدود 44% من السوريين، وبتدمير قسم كبير من الثروة الزراعية والحيوانية، نتيجة رفع الدّعم عن المحروقات، وخاصة المازوت، وغيرها الكثير من المصائب، فإنّها جرّدت الدولة من أسلحتها الأساسية في التدخل الاقتصادي والاجتماعي، وسلّمت هذه الأسلحة لقوى الفساد الكبرى ولتجار وسماسرة الاستيراد والتصدير، الذين بات بيدهم بشكل تدريجي، ولكن سريع، الحل والعقد في شؤون الاقتصاد الأساسية كلها.
حين وصلنا إلى عام 2011، كانت الأداة الوحيدة المتبقية بيد الدولة هي الأداة المالية، أما لقمة الناس فقد وُضعت بيد التجار، ولأنها وُضعت بيدهم فقد باتت في مهب الريح.
مع اشتعال العنف والأعمال العسكرية، وكذلك مع الحصار الاقتصادي الغربي، توقفت إلى حد كبير عملية الإنتاج بمختلف مراحلها وأجزائها (إنتاج، تبادل/توزيع، استهلاك)، وبات مصير العملة السورية وقدرتها الشرائية رهناً بعمليات مضاربة داخلية وخارجية.
قيمة أية عملة ترتكز في نهاية المطاف إلى ما يقابلها من إنتاج مادي حقيقي ضمن الدولة المعنية، ومن ثروات متراكمة بأشكال متعددة، بينها الذهب والعملات الأجنبية. ولما كان الإنتاج شبه متوقف، والأرصدة والاحتياطات لا يعلم إلا قلة من المتنفذين ما تبقى منها وما كانت عليه من الأساس، فإنّ التلاعب بقيمة الليرة وسعر صرفها بات أداة سياسية ومالية مباشرة، تستخدمها على السواء قوى خارجية معادية للسوريين، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ومافيوزيون وتجار حرب وفاسدون كبار من الداخل.
الاقتصاد القائم في سورية حالياً لم يعد اقتصاداً مأزوماً فحسب، بل بات اقتصاداً أسود بالقسم الأكبر منه. التقديرات تتحدث عن مليار ليرة سورية أرباح أنشطة سوداء، يجري تحويلها بشكل يومي إلى دولار، سرعان ما يهاجر إلى الخارج. كم الضخ النقدي الهائل لليرة السورية، هو الآخر بات أداة نهب إضافية عبر التضخم الكارثي المتسارع.
باستمرار الأزمة، واستمرار العقوبات، واستمرار هيمنة تجار الحروب والفاسدين الكبار، فإنّ الوضع ذاهب نحو المزيد من التدهور والخراب والجوع، وصولاً إلى تفجير سورية كلّها وتكريسها مستنقعاً كما يريد الأمريكي والصهيوني.
إنّ المخرج الوحيد لمنع احتمال السكتة القلبية هو صدمة إيجابية بشحنة عالية، أساسها هو تنفيذ القرار 2254 بشكل كامل وفوري. ولكن تنفيذ هذا القرار بشكل كامل، وحتى الوصول إلى التغيير الجذري الشامل، يتطلب رفع درجة تنظيم السوريين المتضررين لصفوفهم، للدفاع عن حقوقهم ضد الناهبين الداخليين والخارجيين، وهذا يتطلب أيضاً الاستفادة من مختلف الأخطاء التي وقعت بها الحركة الشعبية في طورها السابق.
افتتاحية قاسيون العدد 970
14/06/2020
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 970