من وثائق المالتوسية الجديدة... تقليص السكان لتأبيد استعبادهم
«سيحتاج الاقتصاد الأمريكي لكميات كبيرة ومتزايدة من الثروات المعدنية من الخارج ولا سيّما البلدان الأقلّ تنميةً... سينظر بعض قادة هذه الدول إلى ضغوطات الدول المتقدمة لتنظيم الأسرة كشكلٍ من الإمبريالية الاقتصادية والعِرقية... مِن المُهمّ، أسلوباً وماهيةً، تفادي الظهور بمظهر قسريّ... يجب تشديد مساعدات تعديل السكان على البلدان النامية الأكبر والأسرع نمواً... الهند، بنغلادش، باكستان، نيجيريا، المكسيك، إندونيسيا، البرازيل، الفلبين، تايلاند، مصر، تركيا، إثيوبيا، وكولومبيا... قوبِلَ تعقيم الرجال والنساء بقبولٍ واسع في عدة مناطق... في بنغلادش إذا لَم يتم إبطاء تزايد الـ 75 مليون نسمة الحاليين بواسطة المجاعة، المرض، أو تحديد النَّسل الشامل، فسيتضاعفون في 23 سنة ويتجاوزون 170 مليوناً بحلول العام 2000» – من تقرير مجلس الأمن القومي الأمريكي 1974 (تقرير كيسنجر) الذي رُفعت عنه السرية عام 1989.
من هو مالتوس؟
توماس روبرت مالتوس (1766 – 1834)، مُنظِّر برجوازي واقتصادي-سياسي إنكليزي. كانت الفكرة المركزية لديه هي أنّ الزيادة السكانية تحدث بمتوالية هندسية (1، 2، 4، 8 ...)، وأنّ الغذاء يزداد بمتوالية حسابية (1، 2، 3، 4 ...). وبالتالي لا بدّ من تقليص عدد السكان باستمرار لكي يبقى ضمن حدود التوازن مع «المحدودية الطبيعية» لوسائل المعيشة. وقد عرضها لأول مرة في كتابه «مقالة في مبدأ السكان، وتأثيراته على مستقبل تحسين المجتمع»، ط1، لندن 1798، ص13–17، ونترجم منها ما يلي:
«وهكذا، وإذا قبلنا بمسلَّماتي، أقول إنّ قوّة السكّان هي بالتأكيد أكبر من قوّة الأرض وقدرتها على إنتاج المعيشة للإنسان. عندما لا يُضبَط عدد سُكَّان الأرض فإنّه يزداد بمتوالية هندسية، أمّا وسائل المعيشة فتزداد بمتوالية حسابية فقط. وأدنى معرفةٍ بالأرقام ستُظهِرُ ضخامةَ القوة الأُولى بالنسبة للثانية. وبفعل قانون طبيعتنا الذي يجعل الغذاء ضرورياً لحياة الإنسان، لا بد أن يتم الحفاظ على التساوي بين تأثيرَي هاتين القوَّتَين غير المتساويتين. وهذا يقتضي عملية ضبط قوية ومستمرّة تمارَسُ على السكان مِن جانب صعوبة المعيشة. ويجب أن تقع هذه الصعوبة على مكان ما؛ ويجب بالضرورة أن يَشعُرَ بها بشكل محموم قسمٌ كبير من البشرية... تحت هذا القانون الحاصر العظيم يتقلّص الجنسان النباتي والحيواني، ولا يستطيع الجنس البشري أن يُفلِتَ منه بأيّ جَهدٍ يتصوَّرُه عقل. قانونٌ تأثيراته وِسط النبات والحيوان ضياعُ الطعام، وحلولُ السقام، ومُعَجَّلُ السام [المَوت الباكر]. ووِسطَ الآدميّين الشقاءُ والرّذيلة... إنّي لا أرى طريقاً يمكن للإنسان عبره الهروب من وطأة هذا القانون الذي يجتاح كلّ الطبيعة الحيّة. لا عدالةَ موهومة، ولا تنظيمات زراعية، مهما بلغ مداها، يمكن لها أن تزيل ضغط هذا القانون ولو لقرنٍ واحد. وبالتالي يبدو أنّه حاسمٌ ضدّ إمكانية وجود مُجتمعٍ يعيش أفراده في يُسرٍ وسعادةٍ ورفاهٍ متناسبٍ بحيث لا يشعرون بالقلق حيال تأمين وسائل المعيشة لأنفسهم ولعائلاتهم».
أثارت أفكار مالتوس جدلاً استقطابياً، فنالت الإعجاب والتشجيع من النّخَب الحاكمة الإنكليزية والأوربية آنذاك، ولا سيّما بالتزامن مع خوفها من الحراكات الثورية في القارة، لكنها قوبِلَت من الطبقة العاملة الإنجليزية بكراهية شديدةٍ اعتبرها ماركس «مبرَّرةً تماماً، وكان الشعب هنا على صواب بالفطرة من حيث أنهم شعروا بأنه ليس رجلَ علم، بل داعية مُشترى مِن خصومهم، ومتملقاً سَفيهاً للطبقات الحاكمة». كما قال إنجلس عام 1844 إنه وفقاً لزعم مالتوس «كانت الأرض مفرطة السكان سلفاً، حتى عندما كان لا يوجد سوى إنسانٍ واحد».
يلاحظ الباحث الماركسي جون بيلامي فوستر أنّ أفكار مالتوس أثرت سلباً حتى على بعض مفكري وناشطي الطبقة العاملة، مثل فرانسيس بليس الذي فضَّل مثلاً الدعوة إلى «تحديد النَّسل» كبديلٍ عن تنظيم الطبقة العاملة. وهكذا لم يكن مستغرَباً موقف ماركس بأنّ «ما يميِّزُ مالتوس هو تلك الدناءة المتأصّلة في نظرته».
الاقتصاد السياسي العِلمي للسكان
ميز ماركس «فرط السكان» بوصفه «علاقة محددة تاريخياً، ولا يمكن بأية طريقة أن تحددها أرقامٌ مجرَّدة أو حدٌّ مطلق لإنتاجية ضروريات الحياة، بل بالأحرى الحدودُ التي تضعها شروط إنتاجٍ خاصة». ووجَّه نقده قائلاً: «الإنسان المالتوسي، مُجرَّداً من الإنسان المحدد تاريخياً، لا يوجد إلا في دماغه».
يذكِّرنا جون سميث في كتابه «الإمبريالية في القرن الواحد والعشرين» (2016، ص123-124) أنّ ماركس أطلق مصطلح «فائض السكان النسبي» على خاصية معينة في العلاقات الاجتماعية الرأسمالية، ناتجة عن «قانون السكان الرأسمالي»، الذي اعتبر اكتشافه أحد أهم النتائج التي توصل إليها في رأس المال: ميل الرأسمالية إلى توليد ما يسمى فيض السكان. وهناك جانبان لهذه الظاهرة. الأول، هو تفكيك الرأسمالية للاقتصاد الريفي التقليدي: «بمجرد استحواذ الإنتاج الرأسمالي على الزراعة، وبقدر ما يفعل ذلك، ينخفض الطلب على السكان الريفيين العاملين بشكل مطلق... وبالتالي، فإن جزءاً من السكان الزراعيين يصبحون على وشك الانتقال إلى بروليتاريا حضرية أو صناعية». إن تدمير التشكيلات الاجتماعية ما قبل الرأسمالية ليس سوى أحد أسباب زيادة فائض السكان النسبي في كل دولة في الجنوب العالَمي. وثانياً، فإنّ الرأسمالية لا تخلق فقط فائضاً من السكان على تخوم تصادمها مع التشكيلات الاجتماعية ما قبل الرأسمالية، بل، وفقا لماركس:
«التراكم الرأسمالي نفسه ينتِج باستمرار... بالتناسب طرديّاً مع طاقته ومداه، سكاناً عاملين زائدين نسبياً عن الحاجة، أي سكاناً لا لزوم لهم للمتطلبات الوسطية التي يحتاجها رأس المال لكي يُحقق قيمتّه، ولذلك يكونون سكاناً فائضين... وبالتالي، تُنتِجُ جَمهَرَةُ السكان العاملة كلّاً من تراكم رأس المال والوسائلَ التي تجعلها هي نفسها نافلةً نسبياً؛ وهي تفعل ذلك إلى مدى متزايد دوماً. إنّ هذا قانونٌ سكّاني يتفرّد به أسلوب الإنتاج الرأسمالي».
ويلاحظ سميث أنّ إلحاق الجنوب العالمي بالاقتصاد الإمبريالي منذ الحرب العالمية الثانية، ولا سيما منذ الثمانينيات، جمع بين نزعتين معاً: تجريد صغار الفلاحين والمنتجين من ملكياتهم من جهة، وإحلال الآلات مكان جزء من العمالة المأجورة من جهة ثانية، مما جعل الرأسمالية ليس فقط أشد استغلالاً للعمال بل وأقل تشغيلاً للعمل الحيّ مقلّصةً عدد العمال الذي تحتاجه بفضل التقدم التكنولوجي. وفيض السكان النسبي الذي تكلم عنه ماركس قبل أكثر من قرن ونصف، يوافقه اليوم الاقتصاد «غير الرسمي» الضخم والمتنامي. و«جيش العمل الاحتياطي» كجزءٍ من فيض السكان النسبي لا ينفكّ يتزايد عالمياً. وكمثال، في بنغلاديش ازداد عدد العاملين في الاقتصاد غير الرسمي من 76.2% عام 2000 إلى 87.5% عام 2010.
أمّا فيض السكان النسبي، الذي ليس «فائضاً» بالحقيقة سوى عن حاجة العلاقات الرأسمالية المتعفنة، فكان وما يزال هدفاً للمالتوسيين لإبادة جزءٍ منه يقدّرونه حسبما يرتأون ذلك لمصلحتهم، كونه يشكل خطراً عليهم كنُخَب عالمية، وهم ينفّذون ذلك بوسائل متنوعة: مباشرة وغير مباشرة، سريعة وبطيئة، مكشوفة وسرية، بالترهيب والترغيب، بتقليص عدد الموجودين ومَن لم يولدوا بعد.
نظرية داروين تدحض مالتوس
من المفارقات أنّ المالتوسية غير العلمية والرّجعية تلقّت دفعة جديدة بعد نشر داروين نظريته العلمية التقدّمية «نشوء الأنواع بواسطة الاصطفاء الطبيعي» عام 1859، ففي الفصل الثالث «الصراع من أجل البقاء» كتبَ داروين: «الصراع من أجل البقاء ينجم حتميّاً عن المعَدَّل العالي الذي تميلُ جميع الكائنات العُضوية لأنْ تزدادَ وِفقه... على مبدأ الزيادة الهندسية، سوف تصبح الأعداد كبيرة جداً بسرعة بحيث لا يستطيع أي بلد تحمّل النّاتِج. وبالتالي، وبسبب إنتاج أفراد أكثر من الذين يمكنهم البقاء، فلا بد في كل حالة أن يكون هناك صراعٌ من أجل الوجود... إنه مَذهَبُ مالتوس مُطبَّقاً بقوّة متعدّدة الأوجه على كامل المملكَتَين الحيوانية والنباتية؛ لأنه بهذه الحالة ليس ثمّة زيادة اصطناعية للطعام، ولا امتناعٌ مُتَعقِّلٌ عن التزاوج».
الحقيقة أنّ داروين قد دحض مالتوس من حيث لا يدري، كما كتب ماركس، في نظريات القيمة الزائدة 1836: «في عمله الرائع، لم يدرك داروين بأنه باكتشافه التزايد الهندسي في مملكة الحيوان والنبات، فإنّه أطاحَ بنظرية مالتوس. فنظرية مالتوس تقوم على أنّه أخذ مِن عند والاس تزايُدَ البشر «الهندسي» ووضَعَه ضدّ تزايدٍ «حسابي» وهمي للحيوانات والنباتات». إذاً، هذا هو الفرق الجذري بين داروين ومالتوس، فسرعة التزايد بمتوالية هندسية وفق داروين ليست «قانوناً حصرياً» للبشر، لأنّه بمتوالية هندسية (وليس حسابية) تزداد أيضاً النباتات والحيوانات؛ أي المصادر الأساسية لغذاء الإنسان! ويبقى توزيع الثروة جوهر المشكلة التي يريد المالتوسيون التعامي والتعمية عنها، وهو سبب اجتماعي طبقي تاريخي وليس «طبيعياً» محضاً.
«الداروينية الاجتماعية» كشكلٍ من المالتوسية
الداروينية الاجتماعية هي مجموعة عريضة من الأفكار الانتقائية التي لا صلة حقيقية لها بالنظرية الداروينية، بل تقتفي مباشرةً خطا مالتوس، وهربرت سبنسر، وشتّى «المفكرين العنصريِّين للقرن التاسع عشر» على حدّ تعبير فوستر. ومن أمثلتهم في الولايات المتحدة الأمريكية الأكاديمي وليام غراهام سومنر الذي اعتبر بأنّ «المليونيرات هم نتاج الاصطفاء الطبيعي».
وبالفعل إذا بحثنا عن تعبير «البقاء للأصلح» نجد أنّ أول مَن استخدمه ليس دارون، بل مواطِنُه ومُعاصِرُه هربرت سبنسر عام 1864 في مؤلَّفِه «مبادئ البيولوجيا» معتبراً أنه يكافئ «الاصطفاء الطبيعي» لدى داروين، مسحوباً على المجتمع البشري. وكتب سبنسر في مؤلَّفه (الإنسان مقابل الدولة 1884): «كما يبيّن السيد دارون... فإنّ اختفاء الأشكال الوسيطة، الأقل صلاحية لمجالات خاصة من الوجود... هو استنتاجٌ ينسجم مع ما نعرفه نحن بالنسبة لأعراق البشر والحيوانات». علماً بأنّ داروين نفسه راسل عدداً من الداروينيين الاجتماعيين الألمان مؤكّداً لهم بأنّه لم يسبق له أنْ تصوّر بأنّ آراءه عن الأنواع مناسبة للتطبيق على المسائل الاجتماعية، حسب ما ذكرت المؤرّخة غيرترود هملفارب في كتابها «داروين والثورة الداروينية» 1959.
بالطبع راقت الداروينية الاجتماعية للطغم المالية من وزن جون روكفيللر الأب مثلاً، الذي قال بأنّ «نمو البزنس الكبير ليس سوى بقاءٍ للأصلَح... ليس سوى مفعولٍ لقانون طبيعي وإلهي». ولطالما استُعمِلَت الداروينية الاجتماعية لتبرير سياساتٍ إمبريالية وفاشية وصهيونية في العنف الشامل والإبادة الجماعية والعرقية.
تاريخ تحديد النسل (الـ يوجينيا)
ضمن مزيج من العنصرية ونزعة الاحتكار والهيمنة والاستعمار ظهر مذهب «تحسين النسل» أو اليوجينيا eugenics (باليونانية تعني الولادة الجيّدة). وكما تؤرّخ جاكلين كارسون في كتابها «الحرب ضد السكان» 1999، فقد كان رائد اليوجينيا هو فرانسيس غالتون الذي تربطه بدارون صلة قرابة لا صلة أفكار، ودرس الإحصاء وعدداً من العلوم، وعبّر عام 1883 عن أنّ هدف بحثه في اليوجينيا هو «إعطاء الأعراق أو سلالات الدم الأكثر ملاءمة فرصةً أفضل لكي تنتشر وتسود بسرعة على تلك الأقلّ منها ملاءمة». ومن أفكاره أن السُّود أحطُّ منزلةً بالوراثة، والفقر ينتقل وراثياً. واقترح تلميذه كارل بيرسون «تعقيم الشرائح من المجتمع القليلي الأهمية حضارياً»، أي جعلهم عقيمين لا يُنجِبون، وعام 1907 أصدرت ولاية إنديانا الأمريكية أول قانون للتعقيم القسري موجَّه ضد المجرمين والمعتوهين، ثم تبعتها ثلاثون ولاية أخرى، مشتقة قوانينها من نموذج لقانون تحسين النسل كتبه الأمريكي هاري لافلين الذي يشتبَه بأنّه ألهَم النازيين لوضع قوانينهم الخاصة للتعقيم القسري، وخدم لافلين كمشرفٍ على «مكتب سِجِلّ تحسين النسل» الأمريكي منذ تأسيسه عام 1910 حتى إغلاقه عام 1939، وهو مكتب أنشأه «معهد كارنيغي للارتقاء التجريبي» في واشنطن. عام 1912 انعقد المؤتمر الأول لليوجينيا في جامعة لندن، وكان وينستون تشرشل ضمن من ترأّسوه إلى جانب آخرين، وهدف المؤتمر إلى «منع انتشار غير الصالحين». كانت من أقوى الشخصيات الداعمة لأجندة «تحسين النسل» آنذاك مارغريت سانغر التي أسست منظّمة «الأبوة المخطَّطة» في نيويورك عام 1916. عقد المؤتمر الثاني لليوجينيا عام 1921. وعام 1922 ركّزت سانغر في مجلة «مراجعة ضبط النسل» التي تملكها، على انتقاد أيّ رعاية مجّانية للأمهات الفقيرات لأن ذلك حسب وصفها «يجعل الشرائح الأكثر سلامةً وطبيعية من العالَم يتحمّلون الخصوبة اللامبالية وغير المعقولة للآخرين، والتي تجلب معها أعباءً مَيتة من الحثالة البشرية». عقد المؤتمر الثالث لليوجينيا عام 1932 وصدر عنه نداء لتعقيم 14 مليون أمريكي الذين يحصلون على أدنى العلامات في اختبارات الذكاء. عام 1958 بدأ النيومالتوسيون القائمون على «المكتب المرجعي للسكان» يتهيَّؤون لعولَمة أجندة تحديد النسل خارج أمريكا، بالاستفادة من تعيين الرئيس أيزنهاور لصديقهم الجنرال ويليام درابر رئيساً للجنة حكومية مسؤولة عن دراسة تأثير المساعدات الأجنبية الأمريكية على اقتصادات الدول التي تتلقاها، وصدر تقرير درابر عام 1959 كأول تقرير حكومي رسمي يتخذ موقفاً من قضية تحديد النسل، تمت الاستجابة العملية له بـإطلاق النيومالتوسيين الأمريكان «حملة طوارئ السكان العالمية» عام 1960. عام 1970 حشد النيومالتوسيون جهودهم لكي يروّجوا في قمة «يوم الأرض» البيئية فكرةَ أن العدد الكبير لسكان الأرض هو السبب الأساسي للتلوث البيئي، وكذلك في قمة الأرض 1992 حيث اجتذبوا أيضاً جزءاً من الناشطين والمنظمات البيئية و«الخُضر» وكذلك منظمات غير حكومية و«نَسوية» ومن المجتمع المدني، الذين كان وما يزال كثيرٌ منهم يتموّلون من رعاة الأجندة النيومالتوسية لتقليص سكان الكوكب، حتى أنّ القانون الأمريكي «للتنمية والمساعدات الغذائية الدولية» للعام 1978 (فقرة 102 و104d) يشترط تصميم كامل برنامج المساعدات الأجنبية بحيث يشجّع على تكوين أُسر أصغر حجماً في جميع البلدان التي تتلقى المساعدات الأمريكية، الأمر الذي يتبعه البنك وصندوق النقد الدوليَّين أيضاً.
استخدام بعض اللقاحات لتقليص السكان
في 27 تشرين الأول 2017 نشر سبعة باحثين من جامعات أمريكية وكندية مع طبيب من كينيا ورقة علمية تفصّل كيف عثرت الرابطة الطبية الكاثوليكية الكينيّة على هرمون Beta-hCG في عينات من لقاح الكزاز من أكثر من دفعة من حملات تلقيح قامت بها منظمة الصحة العالمية في كينيا عام 2013–2015 مستهدفةً، على غير المعتاد، فقط النساء في سن الإنجاب. وكانت المشكلة هي أنّ وجود هذا الهرمون، الذي يرتفع في الحمل بشكل طبيعي، ضمن لقاح الكزاز لم يكن ممكناً تفسيره إلّا بأنّه ليس اللقاح المعتاد للوقاية من الكزاز، بل لقاح الكزاز المستخدم كوسيلة تعقيم والذي تم اختراعه سابقاً بتمويل من مؤسسة غيتس، لكن يفترض ألّا يعطى إلّا بموافقة مستنيرة ودراية كاملة من المرأة التي تتلقاه بأن الهدف منه إحداث العقم، بخلاف ما حدث مع النساء الكينيات اللواتي لم يتم إخبارهن سوى بأنه لقاح كزاز عادي.
وسبق أن أثار الوثائقي Cold Case Hammarskjold جدلاً غير محسوم حول صحة أو خطأ ما ورد فيه من أنّ منظمة مرتزقة مسلّحة يعتَقد بأنها تابعة لبريطانيا تدعى SAIMAR حاولت نشر فيروس الإيدز عبر لقاحات زائفة في جنوب إفريقيا أوائل التسعينيات إبان نظام الفصل العنصري.
فيما يتعلق بفيروسات عائلة الكورونا، كانت دراسة طبية صادرة عن الجيش الأمريكي ومنشورة في مجلة «فاكسين» في 1 تشرين الأول 2019 قد استنتجت بأنّ لقاحات الإنفلونزا الموسمية التي أعطيت للجنود زادت خطورة الإصابة بفيروسات عائلة الكورونا بنسبة 36% أكثر من غير الملقحين. وبناءً على ذلك وضع عدد من الأطباء منهم بروفيسورة إيرلندية معروفة (دولوريس كاهيل) فرضية أنّه في حال كانت لقاحات الإنفلونزا هذه قد وزّعت في موسم 2019 في إيطاليا (وربما في ووهان) حيث يوجد نسبة عالية من المسنين، فقد يكون عاملاً مساهماً، ولو جزئياً، في تفسير لماذا كانت معاناة إيطاليا (ووهان) من الوباء بهذا الشكل العنيف.
في الختام، لا بأس بالتذكير بأنّ أحد أبرز المالتوسيين المعاصرين هو وليم هنري غيتس الثالث، المعروف ببيل غيتس ميكروسوفت، يعود بنَسبه من جهة الأمّ إلى مارغريت سانغر مؤسسة منظمة «الأبوة المخططة» التي أوردنا ذكرها أعلاه. عام 2010 ذكر «الأمير» وليم الثالث هذا في إحدى عروضه الترويجية بأنّ: «عدد سكان العالَم اليوم 6.8 مليار نسمة، ويتّجه للارتفاع إلى نحو 9 مليارات الآن. فإذا قمنا بعمل عظيم حقاً على لقاحات جديدة، ورعاية صحية، وخدمات الصحّة الإنجابية نستطيع تخفيض الرقم ربما بنسبة 10 – 15 بالمئة».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 968