وما أدراك ما التشدد!

وما أدراك ما التشدد!

يمكن تعريف التشدد في الحقل السياسي العام بشكل مبسّط بأنه انفصال عن الواقع، يتمظهر بطرح شعارات غير قابلة للتحقيق والإصرار عليها. ويصل المتشددون مع الوقت إلى حالة إنكار للواقع، مرَضية ومزمنة. يمكننا تلمس ذلك في الحالة السورية بعدد لا ينتهي من الأمثلة ولا يقف عند حدود «الحسم» و«الإسقاط».

التشدد في الحالة السورية يتطلب بعضه بعضاً، ويخدم بعضه بعضاً. بكلامٍ آخر فإنّ تشدد كل طرف على حدة، لا يمكنه أن يستمر وأن يجد من يؤيده بين الناس دون تشدد مقابل يبرره.

يبقى الكلام أعلاه عائماً وغير واضح ما لم تجر الإضاءة على الجذر الاجتماعي والسياسي للتشدد. أما الاجتماعي، فيكمن في قلة قليلة لا تتجاوز 5% من السوريين، هي القلة الناهبة المتبطرة في الطرفين، والتي ترى في استمرار الأزمة وتعمقها طريقاً وحيداً لاستمرار النهب وللهروب من قدرٍ محتوم تفرضه عملية التغيير عبر الحل السياسي وعبر التنفيذ الكامل للقرار 2254.

وأما الجذر السياسي، فهو الرابطة العميقة بين متشددي الطرفين، وبين الغرب؛ وهو الأمر الذي يظهر لدى جهة في الإصرار على اللبرلة المتوحشة وعلى العمل في السمسرة الاقتصادية لمصلحة الغرب، بما في ذلك عبر الاستفادة من العقوبات الغربية لتوسيع هوامش النهب. ويظهر لدى الجهة المقابلة في الانبطاح السياسي العلني للغرب وسياساته ضمن حفل تصفيق مستمر لجرائمه بحق السوريين عبر العقوبات نفسها، وغيرها من السياسات.

الانبطاح السياسي للغرب، لا يظهر لدى فئة واحد من المتشددين، بل يجمعون عليه بين من يمارسه بشكل علني، وبين من يمارسه من تحت الطاولة وبوسائل متعددة أبرزها الهجوم على أستانا وعلى روسيا خصوصاً.

المتشددون في الطرفين، وعلى أساس وحدة جذورهما الاجتماعية والسياسية، يقفون موضوعياً في خندق واحد في نهاية المطاف؛ الخندق الأمريكي والغربي. في الخندق المقابل يقف 95% من السوريين، مسنودين بالتوازن الدولي الجديد ذي المصلحة الاستراتيجية في استقرار سورية وإنهاء أزمتها، وبالتالي ذي المصلحة العميقة في السماح للشعب السوري بتقرر مصيره بنفسه والخروج من تحت نير الفاسدين الكبار وسماسرة الغرب في الطرفين.

ولأن المخارج الفعلية من الأزمة السورية، وخلال أعوام طويلة، لم تكن قد توضحت بعد، فإنّ المتشددين تابعوا ألعابهم الاستعراضية، مدّعين عداءهم لبعضهم البعض، واستطاعوا أن يقنعوا أقساماً عريضة من الـ95% من السوريين بذلك. ولكن خلال السنتين الأخيرتين بشكل خاص، وخلال الأشهر الأخيرة بشكل أكبر، ونتيجة نضوج الظرف الدولي والإقليمي والمحلي للخروج من الأزمة، بات لعب المتشددين أكثر رداءة وانكشافاً، وبات فهمه من عموم السوريين أسهل وأقرب إلى الذهن. هذا الفهم بات واقعاً بالنسبة للجزء الأكبر من السوريين، وبغض النظر عن الاصطفافات المؤقتة.

إنّ ما تثبته التطورات العاصفة، والتي تتخللها محاولات التخريب المجنونة والهستيرية التي يجربها المتشددون، هو أنّ حل الأزمة السورية مستحيلٌ دون إبعاد المتشددين من الطرفين بشكل نهائي عن الحياة السياسية السورية، وهو الأمر الذي سيفتحُ لتحقيقه باباً واسعاً، التطبيق الكامل للقرار 2254.

معلومات إضافية

العدد رقم:
963
آخر تعديل على الأحد, 26 نيسان/أبريل 2020 22:06