افتتاحية قاسيون 955: ومع ذلك فإنها تدور!

افتتاحية قاسيون 955: ومع ذلك فإنها تدور!

أعلن وزير الدفاع التركي صباح الأحد، الأول من آذار، تسمية العدوان التركي الجديد على سورية باسم «درع الربيع»، لينضم هذا الدرع إلى مجموعة «الدروع» و«الينابيع» و«الأغصان» التي يغطي الأتراك عملياتهم تحتها.

 

خلال الأيام القليلة التي سبقت هذا الإعلان، ارتفعت حدة التوتر حول ملف إدلب إلى الحدود القصوى مع مقتل مجموعة من الجنود الأتراك الذين كانوا يتحركون على الأرض السورية دون إعلامٍ مسبق حول إحداثيات تحركاتهم، بما يخالف الاتفاقات المعمول بها وفق سوتشي.

التصعيد هذا اتخذ منحىً درامياً ليس في التصريحات التركية الرسمية فحسب، وهو أمرٌ معتاد، ولكن أكثر من ذلك بكثير في التصريحات الأمريكية والبريطانية خصوصاً، والأوروبية بدرجة أقل، عبر إعلان «انتهاء مسار أستانا»، ناهيك عن الودّ الكثيف الذي أظهرته واشنطن تجاه تركيا، وكأنها استفاقت فجأة لتتذكر أن تركيا عضو في الناتو، ولتنسى جملة الخلافات الكبرى بين الجانبين، وعلى رأسها العلاقات المتينة التي باتت تربط أنقرة بموسكو.

إعلان «انتهاء مسار أستانا» على لسان الأمريكان، ليس الإعلان الأول من هذا النوع؛ فهو الإعلان نفسه الذي أطلقه المبعوث الأمريكي الخاص نهايات عام 2018، في إطار الهجوم على عملية تشكيل اللجنة الدستورية ومحاولة منع ولادتها.

كانت «قاسيون» قد أكّدت في مناسبات عديدة سابقة، أنّ التراجع الهائل في قدرات الأمريكي على التأثير في الملف السوري، قد أوصله إلى موقع ضعيف ينحصر تأثيره ضمنه في محاولة اللعب خارج حدود التقاطعات والتفاهمات بين ثلاثي أستانا، ولما كانت هذه الاتفاقات والتفاهمات في توسّع وتعمّق دائم، فإنّ الأمريكي في سورية بات مهدداً بفقدان أية مساحة للتأثير والتخريب.

ضمن هذه المعادلة، بذلت واشنطن قصارى جهدها خلال الأسابيع القليلة الماضية في محاولة حماية النصرة وحلفائها، بما في ذلك التلويح برفع الصفة الإرهابية عنها، وكذلك في محاولة الإيقاع بين أطراف ثلاثي أستانا، وبشكل خاص بين الروسي والتركي.

إنّ الهذيان الجماعي الذي ظهر في مجلس الأمن منذ أيام في الجلسة الاستثنائية الخاصة بإدلب، وكذلك التصريحات الأمريكية والبريطانية العلنية التي أصرت على أنّ الروس هم المسؤولون مباشرة عن مقتل الجنود الأتراك، وكذلك الحديث عن «موت أستانا»، هذا الهذيان يحمل إشارة واضحة، هي أنّ مخطط الإيقاع بين الطرفين قد فشل فشلاً ذريعاً. المخطط الذي تضمن بعض الألعاب على الأرض، بما في ذلك استغلال الثغرات والاختراقات الأمريكية والغربية الكبرى ضمن التركيبة التركية، التي لا تزال تفعل فعلها ضمن محصلة الأداء التركي، وبالضبط لأن تلك التركيبة لا تزال متخلّفة عن التكيّف بالقدر الكافي مع التوازن الدولي الجديد، التخلف الذي يعود ليس إلى اشتباك المصالح الداخلي بين التيارات التركية فحسب، بل وإلى أوهام تدفع الأتراك إلى المبالغة في تقدير أهميتهم ووزنهم.

إنّ عجلة التاريخ مستمرة في الدوران بالاتجاه نفسه؛ مزيد من التراجع الأمريكي الغربي على المستوى العام، وفي منطقتنا مزيد من تعميق التفاهمات ضمن منظومة أستانا الإقليمية ذات الإطلالة الدولية، بما يعني بشكل ملموس أنّ اتفاق سوتشي ماضٍ عبر مختلف التعقيدات نحو التنفيذ الكامل. ويعني كذلك أنّ القرار 2254 ماضٍ أيضاً نحو تنفيذٍ كاملٍ وشاملٍ.

معلومات إضافية

العدد رقم:
955